«هَلُمَّ نتحَاجَج، يقول الرب ... إن كانت خطاياكُم كالقرمز تبيضُّ كالثلج. وإن كانت حمراء كالدَُوديِّ تصيرُ كالصُّوف» (إش 1: 18)
لقد عاش النبي إشعياء في العهد القديم في أيام صعبة، كان الشعب فيها منحرفًا بقلبه عن الله. ولهذا فإن الله في بداية نبوته تحدّث بكل شدة إلى شعبه، معاتبًا إياهم لانحرافهم عنه، ويوجِّه إليهم عدة اتهامات متتالية كالآتي:
عصيان – نكران – نسيان – زيغان – امتهان
أولاً: عصيان . اسمعه يقول بلغة الأسف: «رَبَّيتُ بنين ونشأتُهُم، أما هم فَعصَوا عليَّ» (إش1: 2).
ثانيًا: نكران . أي نكرانٌ للمعروف والجميل، فيقول: «الثَّورُ يعرف قانيهُ والحِمارُ مِعلَفَ صاحبه، أما إسرائيل فلا يعرفُ. شعبي لا يفهمُ». (ع3)
ثالثًا: نسيان . نسوا الرب أو تناسوه، أو بالحرى تناسوا قداسته، فيقول: «تركوا الرب، استهانوا بقدوس إسرائيل،ارتدوا إلى وراءٍ» (ع4)
رابعًا: زيغان . لم ينفع فى علاجه التأديب إذ يقول: «على مَ تُضرَبُونَ بعد؟ تزدادون زيغانًا!» (ع5). لقد أُخربت بلادهم، وأُحرقت مدنهم، لقد أكل الغرباء ثروتهم؛ كل هذا بلا جدوى ولا نتيجة.
خامسًا: امتهان. وهو أسوأ من كل ما سبق. فها هم يقتربون الى الله بقلوب مدنَّسة. يرفعون أيديهم الى الله لعبادته، وهى أيد مليئة بالدنس والظلم. ظنوه مثلهم يصادق الخطية، ولا يبالى بها طالما أنهم يحافظون على مظهر عبادته. فماذا فعل الله مع أناس هذه حالتهم؟ كنا نتوقع أنه يهلكهم هلاكًا مريعًا، وألا يبقي لهم على الأرض أصلاً ولا فرعًا، وأن يتحول عنهم نهائيًا طالما قد تحولوا هم عنه. لكن ما أعظم نعمته! إنه في محبة عجيبة يتحول إليهم، يدعوهم إلى التوبة، مقدِّمًا لهم هذا التأكيد المبارك في هذه الآية العجيبة موضوع تأملنا: «هلم نتحاجج، يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضُّ كالثلج. إن كانت حمراء كالدُّوديِّ، تصيرُ كالصُّوف» (ع18).
يا لها من آية تعلن الصفح التام، والعفو العام، لمن أمتلأت حياتهم بالشرور والآثام. إنها لك أنت أيضًا، مهما كانت حالتك بالنسبة لله.
«هلم نتحاجج، يقول الرب» إن الرب هنا يخاطب العقل. أ تراه يريد منك شيئًا لا تقوى عليه؟ أ تراه يريدك أن تعطيه شيئًا مما قد لا تملكه؟
استمع إلى قوله الكريم مرة أخرى «هلم نتحاجج، يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج. إن كانت حمراء كالدودي، تصير كالصوف». أ تعرف ماذا يعني هذا؟ إنه يعني أنك ستقدِّم له خطاياك، فتأخذ منه عفوه ورضاه، وذلك لأن غيرك دفع الحساب، بدلاً عنك، فى الصليب.
أ ليس رفض دعوة النعمة هذه هو فعلاً رفض غير منطقي؟ ليتك لا ترفضها إذًا، تعال سريعًا. تعال كما أنت، فإن زمن النعمة كاد ينتهي، وفرصة العفو كادت تولي، فاغتنم الفرصة قبل أن تضيع منك إلى الأبد.