حدثنا الكتاب المقدس عن شيخين بارين، كان كلاهما يتقي الرب، إلا أنهما كانا يختلفان اختلافًا شاسعًا من جهة تعامل كل منهما مع أبنائه. الشيخ الاول هو إبراهيم "خليل الله"، أما الثاني فهو عالي رئيس الكهنة.
أولاً: إبراهيم وبركات السماء (تك 22)
عندما نقرأ تكوين 22نجد ابنًا شابًا مقيدًا وموضوعًا فوق المذبح، والأب الشيخ رافعًا يده بالسكين ليذبح ابنه. وهناك سؤال يطرح نفسه: ألم يكن هذا الابن محبوبًا من أبيه؟! وإن كان كذلك فما الذي يجبر الأب على أن يُقدِم على عملٍ كهذا؟! الإجابة هي أنه بكل تأكيد كان إسحاق محبوبًا جدًا لإبراهيم أبيه، فقيل عنه: «ابْنَكَ وَحِيدَكَ الَّذِي تُحِبُّهُ إِسْحَاقَ»، فهو ابن شيخوخته، وهو ابن المواعيد. إلا أنه كان لدى إبراهيم شخص آخر هو الأحب والأغلى على الاطلاق، إنه إله المجد الذي ظهر له فيما بين النهرين. وأمام اعتبارات الله هانت على إبراهيم أي اعتبارات آخرى، وفي سبيل طاعته لله كان على أتم الاستعداد أن يضحي بأي عزيز لديه. لذا فإن ما عمله إبراهيم كان كريمًا جدًا في عيني الله، ولقد عبَّرالرب عن تقديره الشديد لفعلة إبراهيم بأنه تكلم اليه مرتين - وهو فوق جبل المريا – وفي كل مرة ذكر عبارة ما أحلاها، إذ قال: «لمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي» (تك 22: 16،12)، ولأول مرة في كل الكتاب المقدس نجد الله يقسم بذاته أنه يبارك إبراهيم، فقال: «بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا الأَمْرَ وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرا...» (تك 22: 16-18)
ثانيًا: عالي وحتمية القضاء (1صم 2-4)
كان ابنا عالي ”حفني وفينحاس“ يشغلان مركزًا ممتازًا بكونهما كاهني الرب، إلا أنهما بشرورهما وإنحطاطهما الأدبي قد أغاظا الرب جدًا، فيسجل الكتاب عنهما قائلاً: «وَكَانَ بَنُو عَالِي بَنِي بَلِيَّعَالَ, لَمْ يَعْرِفُوا الرَّبَّ» (1صم 2: 12). ولما عَلِم عالي بشرور ابنيه لم يتخذ موقف الحزم، ولم يردعهما عن شرورهما، بل نسمعه يقول كلامًا بلا قوة: «...لاَ يَا بَنِيَّ, لأَنَّهُ لَيْسَ حَسَناً الْخَبَرُ الَّذِي أَسْمَعُ، تَجْعَلُونَ شَعْبَ الرَّبِّ يَتَعَدُّونَ. » (1صم 2: 24،23). لاحظ كيف كان عالي لايقيِّم الأمور كما يجب أن تُقيَّم، فيقول: «لَيْسَ حَسَناً الْخَبَرُ الَّذِي أَسْمَعُ»، في حين يقول الكتاب: «فَكَانَتْ خَطِيَّةُ الْغِلْمَانِ عَظِيمَةً جِدّاً أَمَامَ الرَّبِّ» (1صم 2: 17). لذا نظرًا لهذا التهاون والاستخفاف من جانب عالي؛ كانت هناك رسالة قضائية على فم رجل الله، قال فيها: «... فَلِمَاذَا تَدُوسُونَ ذَبِيحَتِي وَتَقْدِمَتِي الَّتِي أَمَرْتُ بِهَا فِي الْمَسْكَنِ, وَتُكْرِمُ بَنِيكَ عَلَيَّ... هُوَذَا تَأْتِي أَيَّامٌ أَقْطَعُ فِيهَا ذِرَاعَكَ وَذِرَاعَ بَيْتِ أَبِيكَ حَتَّى لاَ يَكُونَ شَيْخٌ فِي بَيْتِكَ... وَجَمِيعُ ذُرِّيَّةِ بَيْتِكَ يَمُوتُونَ شُبَّاناً... » (1صم 2: 27-36). وإذ لم يتخذ عالي موقف التوبة والندم، ولم يردع أولاده عن شرورهما؛ جاءت الرسالة الثانية من الرب إليه على فم الغلام صموئيل، قال الرب فيها: «فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أُقِيمُ عَلَى عَالِي كُلَّ مَا تَكَلَّمْتُ بِهِ عَلَى بَيْتِهِ. أَبْتَدِئُ وَأُكَمِّلُ. وَقَدْ أَخْبَرْتُهُ بِأَنِّي أَقْضِي عَلَى بَيْتِهِ إِلَى الأَبَدِ مِنْ أَجْلِ الشَّرِّ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّ بَنِيهِ قَدْ أَوْجَبُوا بِهِ اللَّعْنَةَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ, وَلَمْ يَرْدَعْهُمْ... »(1صم 3: 13،12). ثم نجد القضاء المروِّع في (1صم 4)، حيث مات حفني وفينحاس، وأُخذ تابوت الرب، ومات عالي إذ انكسرت رقبته.
عزيزي القارىء لاحظنا من خلال شيخينا السابقين صدق القول الإلهي: «حَاشَا لِي! فَإِنِّي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي, وَالَّذِينَ يَحْتَقِرُونَنِي يَصْغُرُونَ» (1صم 2: 30). لذا دعني أسألك: أيهما تُكرم أكثر الرب أم بنيك؟. ليتك لا تنسَ قول المسيح: «وَمَنْ أَحَبَّ ابْناً أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي» (مت 10: 37).