أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2008
آيات عسرة الفهم
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«تَحْيَا أَمْوَاتُكَ. تَقُومُ الْجُثَثُ. اسْتَيْقِظُوا. تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ التُّرَابِ. لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ وَالأَرْضُ تُسْقِطُ الأَخْيِلَةَ»
(إش26: 19).

****

الفصل الذي وردت فيه هذه الآية هو فصل مجيد، ولهذا فإنه يبدأ بترنيمة.  ويدور موضوعه حول شعب الله، الشعب الذي أحبه الرب.  وإن كان هذا الشعب قد قاسى، على مدى تاريخه الطويل، الكثير والكثير جدًا، نتيجة تمرده على إلهه؛ فإننا هنا - كما في كل شيء آخر – نجد أن «نهاية أمر خير من بدايته».

والآيات التي تسبق مباشرة الآية موضوع دراستنا (ع16-18) تُحدِثنا عن حيرة البقية وأحزانهم وتوسلاتهم للرب في فترة الضيقة العظيمة، أيام ضد المسيح، إذ يقول النبي عنهم: «سكبوا مُخافتَةً عند تأديبك إياهم»، بمعنى أنهم سكبوا قلوبهم في صلاة سرية، وكانت كلماتهم هامسة بصوت خافت، وذلك من شدة المذلة والإنكسار.

ولكن النبي ينتقل في الآية التالية إلى البركة التي تنتظرهم في النهاية، فيتكلم عن قيامتهم الروحية والقومية، فيخاطب الرب بالقول: “تحيا أمواتك”. في مباينة مع أعداء الشعب الذين قال عنهم النبي: «هم أموات لا يحيون» (ع14).  وطبعًا لا يقصد في هاتين الآيتين الأموات حرفيًا في القبور، لأنه بالنسبة للأشرار سيقومون ويدانون، وبالنسبة للأبرار فإن الرب «ليس هو إله أموات، بل إله أحياء، لأن الجميع عنده أحياء» (لو20: 38).

وعلينا أن نعرف أن هناك ثلاثة أنواع من القيامة مذكورة بوضوح في كلمة الله، يجب التمييز بينها، وهي: القيامة الروحية، من الموت الأدبي والروحي (انظر أفسس 2: 4-6)؛ والقيامة القومية وهي المذكورة هنا، وفي حزقيال 37: 1-14، وفي دانيآل 12: 1-3، وأيضًا في هوشع 6: 1، 2؛ ثم القيامة الحرفية عند مجيء الرب وصوت البوق الأخير (1كو15: 51-56).  فليس في كل مرة يرد في الوحي تعبير القيامة يكون المقصود به القيامة الحرفية.  ففي حزقيال 37 لا يمكن أن العظام اليابسة حرفيًا تتكلم (ع11)، وعليه فهي لغة الشعب وقد ضاعت كل آمالهم القومية.  ثم إن القيامة المذكورة في دانيآل 12 ليست قيامة حرفية لسببين: 

أولاً: لأنه لا يقول إن جميع الذين في تراب الأرض سيقومون، بل يقول: ”كثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون“.  فلو كان المقصود هو القيامة الحرفية لقال جميع الذين في تراب الأرض يقومون. 

والسبب الثاني: لأن القيامة – كما نتعلم من فصول أخرى في الكتاب المقدس - ليست قيامة عامة، فيها يقوم الأبرار والأشرار معًا، بل هناك قيامة أولى، تسمى ”قيامة الحياة“، وقيامة أخرى للأشرار تُسمى ”قيامة الدينونة“ (يو5: 28، 29)، وهم الذين يقول عنهم الرائي: «وأما بقية الأموات فلم تعش حتى تتم الألف السنة» (رؤ20: 5).

إن النبي في الآية موضوع دراستنا يقصد شعب الله، والذي رغم أنهم الآن في حالة ”لوعمي“، أي ”ليسوا شعبي“، فإنهم ما زالوا موضع الغلاوة والإعزاز، ولذلك يدعوهم هنا ”أمواته“، أي أموات الرب. هؤلاء هم شعبه العزيز الذي لم ينسه الرب.  سوف يقومون من الموت الروحي والقومي، إذ إنهم معرفون عنده، وأحباء لديه، من أجل الآباء (رو11: 28).

ولقد رأى حزقيال أيضًا هذه الأمة وإذا هي مثل عظام يابسة.  وعندما سأله الرب: «يا ابن آدم: أتحيا هذه العظام؟» أجابه يا سيد الرب أنت تعلم.  وكأنه يقول ”لو أردت تقدر“. والرب أمر النبي أن يتنبأ على تلك العظام، فحصلت على الحياة، وصاروا ”جيشًا عظيمًا جدًا جدًا“ (حز37: 10). ولذلك فإن النبي هنا يستطرد قائلاً: «تقوم الجثث».

وكما يتحدث النبي دانيآل في أصحاح 12: عن الراقدين في تراب الأرض؛ يتكلم النبي إشعياء هنا عن ”سكان التراب“.  ومما يؤكد أن هذه الأعداد لا يقصد منها القيامة الحرفية أن الرب لم يقتبس هذه الأقوال، رغم وضوحها الشديد،  في محاجته مع الصدوقيين بخصوص القيامة (لو20: 27-40)، لأنها لا تتحدث عن القيامة الحرفية.

ثم يستطرد النبي فيقول: «استيقظوا ترنموا يا سكان التراب». أو في ترجمة أخرى ”استيقظوا مترنمين“. فليس فقط أن الأمة سوف تقوم قيامة قومية، ولكنها ستقوم قيامة مجيدة، بحيث أنهم سيستيقظون مترنمين!

ونحن نعلم أنه بالنسبة لمن سيقومون القيامة الحرفية في الاختطاف سيقومون أيضًا مترنمين. وستكون الترنيمة الجميلة التي سيقولها الأحياء المتغيرون هي: «أين شوكتك يا موت؟» فيجيبهم المقامون بالقول: «أين غلبتك يا هاوية؟» (1كو15: 55).
ثم يقول النبي مخاطبا الرب: «لأن طلك طل أعشاب». ونحن نعرف أن الماء يعني الكثير في الوحي، والطل أو الندى يعني أكثر، فهو صورة للحياة ووسيلة للإنعاش.  ويرتبط في الوحي المقدس برضى الله (تث33: 28؛ هو 14: 5 انظر أيضًا مزمور 110: 3). ويذكر النبي كيف سيكون للطل تأثير عجيب على الشعب المشبَّه هنا بالعشب (قارن إشعياء 40: 6، 7).  إذًا فهم سيقومون في قيامتهم القومية ليس في حزن بل في ترنيم، ليس في ضعف وشحوب بل في مجد وقوة، لا ليعانوا من غضب الرب من جديد بل ليتمتعوا برضاه.

ثم يقول النبي: «والأرض تسقط الأخيلة»: وهي عبارة صعبة في تركيبتها اللغوية، فيرى البعض أنها تعني أن الأرض ستخرج من باطنها هذا الشعب الميت على مدى آلاف السنين (قارن مع رؤيا 20: 13)، ويرى البعض الآخر أن الأخيلة هم أعداء الشعب (ع14)، سوف يسقطون وينتهون، فهم رغم تجبرهم إلى زوال.

يوسف رياض