أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد فبراير السنة 2008
11ـ «مَاذَا فَعَلْتَ؟» (تك 4: 10) - علامة استفهام
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«أَحَبَّ اللَّعْنَةََ فَأَتَتْهُ، وَلََمْ يُسَرَّ بِالْبَرَكَةِ فَتَبَاعَدَتْ عَنْهُ» (مز 109: 17)، هذا هو حال قايين، بعد رفضه معاملات الرب بالنعمة، فسمع صوت القضاء: «مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ الأَرْضِ، الَّتيِ فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِكَ» (تك 4: 11).

آه ... لو رجعت ياقايين إلى نفسك (لو 15: 17)، وتبت عن طريقك (يه11)، لكان لك الرب ملجأ، وباب نجاة، ولتبدَّل حالك زمنيًا وأبديًا، لكنك الآن تصرخ نادمًا: «لأنِّي مُعَذَّبٌ فِي هذَا اللَّهِيبِ» (لو 16: 24).  مع الذين يقولون: «مَضَى الحَصَادُ، انْتَهَى الصَّيْفُ، وَنَحْنُ لَمْ نَخْلُصْ» (إر 8: 20).

وإن كان قايين قد قتل أخاه بيده، لكن الحقيقة أن القَتل كان في قلب قايين من قبل، لأنه كان يبغضه، والكتاب يقول: «كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاُه فَهُوَ قَاتِلِ نَفْسٍ»، وهذا دل على موت قايين روحيًا، لأَنَّ «كُلَّ قَاتِلِ نَفْسٍ، لَيْسَ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ» (1يو 3: 15).

لم يُشر الرب سابقًا، ولو من بعيد، إلى جريمة قتل هابيل؛ وإلى هذه اللحظة، لم ينطق الرب بكلمات الإدانة والقضاء، ذلك لأنه كان يحب قايين، ولا يريد هلاك نفسه، ولو أنه أبغض أفعاله (رو 1: 18) .. فقد أحبه:

  • قبل أن يُخطئ (تك 4: 6، 7).
  • وبعد أن أخطأ، وقبل القضاء (تك 4: 9).
  • وبعد القضاءِ عليه (تك 4: 15).

لكن لم يهتم قايين أن يستفيد من محاولات الرب معه، لذا تحول عنه الرب، مبادرًا بسؤاله: «ماذا فعلت؟»، ليس استفسارًا عما فعل، لأنه يعلم، بل قاصدًا شخصه. أى "ماذا فَعَلْتَ أَنْتَ؟"، مشيرًا إلى ما آل اليه من شر، لرفضه محاجاة الرب له.
ربما تهيأ قايين ليجيب، بطريقته الفجة، مبررًا ذاته.  لكن لم يمهله الرب، بل بادره بما يدينه، وهو «مَاذَا فَعَلْتَ؟»، كاشفًا ما لا يدركه - وقد ظن أن الصمت هو سيد الموقف، والنسيان هو المآل - إذ قال له الرب: «صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ اَلأَرْضِ»، لا ندري بماذا صرخ؟  لكنه كان مُشتكيًا، طالًبا النقمة.

وهكذا انكشف المستور، واتضحت أبعاد القضية، كان يجب أن يدرك أن الرب يعلم بما فعله، كما أدركت السامرية قائلة: «قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ» (يو 4: 29)، ويعترف بجريمته، فلو أقر بالقول: «قَدْ أََخْطَأْتَ»، ولجأ إلى العلاج الإلهي للخطية، المعلن له، لسمع القول: «الرَّبُّ أَيْضًا قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ» (2صم 12: 13) ... لكنه لم يفعل.

لذا سمع ـ بدلاً منها ـ كلمات الغضب، وأولها «مَلْعُونٌ أنْتَ مِنَ الأَرْضِ»، وما تبعها من كلمات قضاء بالعوز، والتشرد (تك 4: 11ـ 12) ... وقد تم.

ماذا كان رد فعله إزاء هذا؟  لم نجده باكيًا حاله، ولا ذارفًا دمعة حزن على أخيه.  بل تقسى قلبه، فلم يعِ عُظْمَ خطيته، ومصيره التعس، بل نسب لله قساوة في عقوبته له، قائلاً: «ذَنْبِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُحْتَمَلَ» (تك 4: 13)، ـ أى قصاصي أكثر مما استحق ـ ولم يخف من فعل الخطية، بل خاف فقط من نتائجها، وقد تركت بصماتها في حياته، إذ أصبح له ضمير مثقل بها، وأصبح أسيرًا للمخاوف والقلق، وقد «خَرَجَ مِنْ لَدُنِ الرَّبِّ» (تك 4: 16) ... ولم يعد.

عزيزي .. تأنى الرب على قايين وتحنَّن، لكنه استهان، وتقسى.  وسيأتى الوقت الذي سيسمع فيه ذلك الصوت، ضمن زمرة الهالكين: «اذهَبُوا عَنِّي يامَلاَعِيينُ، إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلائِكَتِهِ» (مت 25: 41).  فهل تقسي قلبك؟  «أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟».  احذر «وَلكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَباً فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ» (رو 2: 5، 6) ... فليتك تغتنم الفرصة!

نشأت راغب