بينما كان نوح رجلاً بارًا كاملاً في جميع أجياله ويسير مع الله، امتلأت الأرض شرًا وفسادًا، ورأى الرب تصور قلب الإنسان إنما هو شرير كل يوم. «فَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: نِهَايَةُ كُلِّ بَشَرٍ قَدْ أَتَتْ أَمَامِي ... فَهَا أَنَا مُهْلِكُهُمْ مَعَ الأَرْضِ. اِصْنَعْ لِنَفْسِكَ فُلْكًا ...» (تك6: 13، 14).
كان الطوفان، ذلك الغمر الجارف؛ دينونة الله العاصفة على شرّ الإنسان وخطيته، بينما كان الفلك هو الطريق الإلهي الوحيد للخلاص المُقدَّم للإنسان مُمثَّلاً في نوح وعائلته. وهو إشارة إلى كفاية شخص المسيح وعمله «الَّذِي مِثَالُهُ يُخَلِّصُنَا نَحْنُ الآنَ ... بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1بط3: 21).
كان الفلك من تصميم الله وتخطيطه. الله هو الذي دبَّره لاستبقاء حياة للجنس البشري من دينونة لم تُبقِ نسمة واحدة من العالم الأثيم. هذا الفلك لم يكن شيئًا غير عادي بل مألوف المنظر. صورة للمسيح كمَن أتى في شبه الناس (في2: 7، 8).
صُنع من خشب جفر إشارة إلى إنسانية ربنا يسوع المسيح. وكان مطليًا بالقار من الداخل والخارج، فما كان يسمح بنفاذ قطرة واحدة من مياه الدينونة إلى الذين هم فيه، والذي احتموا به. لا شر ولا خطر، إشارة لكفاية شخص المسيح وعمله لمن يحتمي فيه «إِذاً لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (رو8: 1).
كان الفلك متناسب المقاييس ومتناسق الأبعاد إشارة إلى كمال وجمال إنسانية الرب يسوع المسيح. وكانت له مساكن، فهو فلك واحد وحيد يجمع عشائر وأجناس مختلفة، إشارة إلى لا محدودية الخلاص المُقدَّم للعالم كله «إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ» (رو3: 22).
وكانت له طوابق تمثل الارتقاء إلى العالي وإلى الأعلى، لكن حتى الأدنى مع الأرقى، الكل في أمان. الجميع خلصوا خلاصًا كاملاً مُطلقًا غير مشروط، بغض النظر عما بينهم من فوارق السن والجنس والنوع، إشارة إلى أمان وضمان كل مَن يلجأ إلى المسيح (يو3: 36).
كان للفلك كوى في سقفه الأعلى، الناظر منها يرى السماء، ولا تقع عينه على الجيف الطافية وعفنها. هكذا كان المسيح لنا على الصليب الحِمى من كل دينونة الله المُرعبة على الخطية. وكذلك الأمان والضمان لنا من كل ضرر. وفيه لنا أيضًا أن نعاين الله في وجهه (2كو4: 6).
«وَالدَّاخِلاَتُ دَخَلَتْ ذَكَراً وَأُنْثَى مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. وَأَغْلَقَ الرَّبُّ عَلَيْهِ» (تك7: 16). إن الله الآن يأمر ويدعو كل خليقته لتدخل إلى فلك النجاة الوحيد، وتحتمي به من القضاء الرهيب الذي سيأتي حتمًا عن قريب.