«لأن حبك أطيب من الخمر» (نش1: 2)
إن محبة المسيح أطيب وأفضل من كل أفراح العالم، بل نستطيع أن نقول بكل تأكيد إنه لا توجد مقارنة بين محبة المسيح الدائمة وأفراح العالم الفانية، محبة المسيح السامية وأفراح العالم الزائلة. وإذا كان الخمر هو رمز الأفراح الطبيعية للإنسان- أفراح العالم- لكن كل هذه الأفراح بما لها من جاذبية، لا تُقارن مع محبة المسيح، فلقد فقدت جاذبيتها وبريقها لكل عين ولكل قلب تذوّق حلاوة محبة المسيح وتغذى عليها، فصارت في جوفه ينبوع أفراح لا يُنطق بها. فيسوع المسيح نفسه هو بهجة القلب «الذي وإن لم تروه تحبونه، ذلك وإن كنتم لا ترونه الآن، لكن تؤمنون به، فتبتهجون بفرح لا يُنطق به ومجيد» (1بط1: 8).
وإن كانت الكرمة لها جذورها في الأرض، لذلك كان يجب على النذير أن لا يذوق شيئًا من نتاج الكرمة، من العجم إلى القشر، كل أيام انتذاره (عدد6: 1- 9). فيجب أن ينفصل تمامًا عن كل مُتع العالم وأفراحه - نتاج الكرمة - وينتذر للرب. لذلك قال ربنا المبارك- النذير الحقيقي «وأقول لكم إني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديدًا في ملكوت أبي» (مت26: 29).
وحيث أننا ارتبطنا بذلك النذير، فنحن معه تحت هذا العهد ”عهد انتذاره“ ولكي يكون هذا الانتذار انتذارًا حقيقيًا لله، يجب علينا أن لا نجد فرحنا وشبعنا وبهجتنا إلا في محبة المسيح، ذاك الذي ينتظر بشوق - بعيدًا عن أفراح الأرض - مجيء الصباح الألفي السعيد، عندما يأتي ثانية، وذلك في صورة ملكي صادق الحقيقي، لكي ينعش جيوش شعبه المنتصر، نسل إبراهيم، بخبز وخمر المملكة (تك14: 18)، حيث يسند قلوبهم بالخبز ويُفرحها بالخمر (مز104: 14، 15). ونحن أيضًا يجب أن ننتظر صابرين حتى ذلك الوقت حيث سنُظهر معه في مجد سماوي، وعندئذ سوف تكمل أيام انتذارنا عندما يرتبط الرب يسوع كالملك مع شعبه الأرضي في أورشليم، وهكذا تفرح كل الأمم بفرحهم وتُسرّ بسرورهم. وهكذا تعرف ابنة صهيون معنى هذه الكلمات التي قيلت قديمًا في عُرس قانا الجليل «أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن» (يو2: 10).
ليُعطنا الرب نعمة أيها الأحباء، حتى لا ننهل من أفراح العالم، ونُبهر ببريقه لأنه إلى لحظة وعاقبته حزن. لنحيا حياة التلذذ بمحبة المسيح، تلك المحبة التي تسبي القلب وتجلب الفرح والسرور، وهكذا نحيا حياة الانفصال عن كل مُتع وأفراح العالم، منتظرين بشوق مجيء ربنا يسوع المسيح، حيث نتمتع معه بالفرح الأبدي والحقيقي.