أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد أكتوبر السنة 2006
«لِمَاذَا اغتْظْتَ؟!» - علامة استفهام
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

(تك6:4)

وجه الرب هذا السؤال إلى قايين، بعدما قدم قربانًا للرب من أثمار الأرض، وإذ لم ينظر الرب إليه ولا إلى قربانه اغتاظ جدًا، وكان حريٌ به أن يدرك أنه أخطأ لهذه الأسباب: 1. إن هذا القربان من نتاج الأرض التي لُعنت بسبب الخطية (تك17:3). 2. إن طريق الاقتراب الى الرب ليس عن طريق الأعمال لأنه «ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد» (أف9:2). 3. إن الرب يطلب ذبيحة دموية، كما فعل لآدم وحواء لأنه «بدُونِ سفك دم لا تحصل مغفرة» (عب22:9). ونرى في تقدمة قايين هذه دليلٌ على شعوره بأنه خاطئ، وأن الخطية فصلت بينه وبين الرب «آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين الهكم» (أش2:59)، وأنه يحتاج إلى وسيلة ليقترب بها إلى الرب. لكن لم يكن لديه الإيمان بأن طريق الاقتراب إلى الرب هو عن طريق الذبيحة، كما كان لدى هابيل أخيه، إذ «بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين» (عب4:11)، وقد «قدم من أبكار غنمه ومن سمانها» (تك4:3)، إذ ظن قايين أن الرب يجب أن يقبل أى قربان يستحسنه من وجهة نظره، لذلك «نظر الرب إلى هابيل وقربانه. ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر» (تك4:4،5)، ولماذا؟ لأن هذا القربان لا يتطابق مع فكر الرب من جهة الفداء، ولا يتناسب مع حالة قايين كخاطئ، فلذلك اغتاظ قايين جدًًا. ونرى أن هذا الغيظ ناتج عما في قلب قايين من: 1. تَدَيُّن: أراد أن يقترب إلى الرب مقدمًا من نتاج أعماله. وهو بعد في خطاياه. 2. ذات: استكثر أن يرفض الرب قربانه إذ حسب نفسه أنه بار ومقبول في ذاته. 3. كبرياء: كان في عيني نفسه أنه أفضل من هابيل، وذلك لأنه الأكبر وأيضًا لأن عين أمه عليه، إذ ظنت أنه النسل الموعود به (تك1:4). 4. أنانية: كان هو البادئ بتقديم قربانه، لأنه أراد أن يستحوز أولاً على رضاء الرب واهتمامه. 5. حسد: حسد أخوه هابيل لأن الرب قبل قربان هابيل ورفض قربانه. 6. جهل: يقول الحكيم «لأن الجاهل يُظهر كل غيظه» (أم11:29). ولكن بالرغم من حالة قايين المذرية، وما صار فيه من غيظ، نجد أن الرب يتعامل معه بالنعمة، إذ بادر الرب بالحديث معه بهذا السؤال: «لماذا اغتظت؟»، وكأنه يقول له: «هل اغتظت بالصواب؟» (يون4:4)، وذلك ليفتح له بابًا للحوار معه «هلم نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج. وإن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف» (إش18:1)، حتى يدرك قايين خطأه ويرجع عن طريقه الرديء، فيقبله الرب ويرحمه «ليترك الشرير طريقه، ورجل الإثم أفكاره، وليتب إلى الرب فيرحمه، وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران» (إش7:55). وهكذا لم يتكلم الرب معه بكلمات الرفض أو التوبيخ بسبب رداءة تصرفه، وأيضًا لم يكشف ما هو فيه من كبرياء وجهل. لكن ليت قايين كان قد تجاوب مع معاملات الرب له بالنعمة، مُجيبًا على سؤاله له: «لماذا اغتظت؟» بالقول: ”يا رب إنني لم أكن مُحِقًا في غيظي، وأنا قد أخطأتُ في الدنو منك بطريق الخطأ «لأنني فعلت بجهل في عدم إيمان» (1تي13:1)، وأشكرك لأجل تنازلك بالحديث معي، إذ لم تغلق أمامي باب الرحمة، وها أنا ألجأ إليك خاضعًا لشخصك، وأقول لك: «يا رب ماذا تريد أن أفعل؟» (أع6:9)“. ولكنه لم يفعل. آه .. لو تجاوب قايين مع معاملات الرب معه، لهدأت نفسه وزال غيظه، وتبدل مصيره الأبدي من العذاب إلي العزاء، لكن وبكل أسى لم يُجِبْ قايين على سؤال الرب، ومضى بغيظه. وليته أدرك الحقيقة ورجع عن طريقه، وفعل كما فعل نعمان السرياني في يومه عندما «مضى بغيظ» (2مل12:5)! ثم عندما خضع لكلام الله بفم أليشع النبي، نال الشفاء من ضربة البرص التي كانت ستودي به الى الموت .. وهذا هو مصير قايين «لأن الغيظ يقتل الغبي» (أي2:5). أحبائي.. تُرى أين قايين الآن؟ وإلى أين قادته أعماله ورفضه لصوت الرب؟ إنه الآن في العذاب الأبدي، يصرخ نادمًا على فرصة لم يغتنمها، ليته تجاوب مع الرب، لكان تبدل حاله! «ليتك أصغيت لوصايايَ، فكان كنهر سلامك وبرك كلجج البحر» (إش18:48). وبكل حزن يوجد الآن من يسلكون هذه الطريق التي ابتدعها قايين، أعني طريق الأعمال، ولسان حالهم: «ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟» (مر17:10)، ولكن «ويل لهم لأنهم سلكوا طريق قايين» (يه11). عزيزي القارئ ... هل سمعت لصوت الله؟ وهل أدركت طريق الخلاص؟ اعلم أن هذا الطريق هو المسيح الذبيح العظيم الذي قال عن نفسه: «أنا هو الطريق والحق والحياة» (يو6:14)، وبدونه لا خلاص. فاترك تمسكك ببرك الذاتي، واحتمِ في المسيح، واحذر لأنه «توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت» (أم12:14) ... إنه طريق قايين.

نشأت راغب