أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مارس السنة 2008
ومن فم الرب لم يسألوا - ومن فم الرب لم يسألوا
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

كان داود رجل الله يستشير الرب عادة، ولو أنه في بعض الأحيان لم يستشر الرب. وفي هذا العدد سنتحدث عن المرة الخامسة التي فيها استشار داود الرب

(6)

"وسأل داود من الرب قائلاً: أ أصعد إلى الفلسطينيين؟ أتدفعهم ليدي؟ فقال الرب لداود: اصعد لأني أدفع الفلسطينيين ليدك"
(2صم5: 19)

سمع الفلسطينيون أنَّهم قد مسحوا داود ملكًا، وقد أغاظهم هذا الأمر جدًّا، فمن ناحية هناك عداوة قديمة مع قاتل جبَّارهم هو جليات، والذي بسببه ذاقوا مرارة الهزيمة والانكسار، ومن ناحية أخرى كيف يشتدَّ عود داود ويُنصَّب ملكًا على إسرائيل، وهو الذي منذ فترة قليلة كان يعيش بينهم كأحد رعاياهم، تحت إمرة واحد من ملوكهم، ألا وهو أخيش ملك جت (1صم27: 2)، فكيف الآن تقوم له قائمة، ويُصبح ندًّا قويًّا لهم، من أجل ذلك ”صعد جميع الفلسطينيين ليُفتِّشوا على داود“ (2صم5: 17)، إنَّه في نظرهم مُجرَّد شخصٍ  قد حالفه الحظ فأصبح ملكًا، وعليهم الآن أن يبحثوا عنه، ليوقفوه عند حدَّه، فلا يُصبح فيما بعد مصدر قلق أو خطر بالنسبة لهم. وهكذا نقرأ أنَّهم ”انتشروا في وادي الرفائيين“ (2صم5: 18).

والعجيب أنَّهم اختاروا وادي الرفائيين مسرحًا لحربهم ضد داود؟! فلهذه البقعة مكانة خاصة، بل غلاوة خاصة جدًّا عند داود، فهي في المقام الأول ضمن الأرض التي صارت من نصيب يهوذا عندما قَسَم يشوع الأرض على الأسباط (يش15: 8)، وكانت مدينة بيت لحم حيث وُلد داود تقع في هذا الوادي الخصب، وادي الرفائيين، ولا شك أنَّ هذا المكان يحمل ذكريات طيبة لداود، وهو الذي كان راعيًّا للغنم، فكثيرًا ما كان يتجوَّل مع أغنامه في هذا الوادي الخصيب، وكثيرًا ما شرب من ماء بئره.
 ولقد زاد حنينه يومًا، عندما كان هاربًا من وجه شاول وهو ساكنٌ في مغارة عدلام، لمكان مولده ونشأته، فتأوَّه قائلاً من يسقيني ماء من ماء بئر بيت لحم؟ وكان آنذاك جيش الفلسطينيين نازلاً في وادي الرفائيين، وهكذا نقرأ عن مخاطرة الأبطال الثلاثة الذين شقّوا محلة الفلسطينيين، واستقوا ماء من بئر بيت لحم (2صم23: 13-17).

وها الفلسطينيون هنا يصعدون إلى ذات الموضع ليفتشوا على داود، ويصنعوا حربًا معه، فماذا يكون ردّ فعل داود؟ هل يصعد لمحاربتهم، أم يتجاهلهم، ويظلّ كما هو في مكانه؟ إنَّ الموقف العام يُحتِّم على داود أن يصعد حالاً لمواجهتهم دون تأخير أو تردّد، وذلك لأسباب كثيرة، منها:

  1. ألم يسبق أن كانت له صولات وجولات ضد هؤلاء الفلسطينيين، بل وغيرهم (1صم27: 8، 9)، وها قد لاحت فرصة جيِّدة يُظهر فيها مقدرته وسطوته أمام الشعب كله، وهم الذين منذ بُرهة قصيرة وضعوا ثقتهم به ومسحوه ملكًا عليهم؟!
  2. لقد سبق وأحرز انتصارات باهرة بنفر قليل من الرجال، لا يتعدَّى عددهم 600 رجل، وها هو الآن مَلكٌ تحت إمرته جيشٌ كاملٌ بعدته وسلاحه، فعلام التأخّر، والتردّد؟
  3. لم يكن هو الذي ابتدأ هذه الحرب، بل لقد دُفع إليها دفعًا، فإن صعد لمحاربتهم، فهو بذلك ليس إلاّ مدافعًا عن نفسه، وعن شعبه، وعن بلاده، وهذا واجبٌ عليه، وليس من الصواب كملك أن يتنصَّل من هذه المسئولية.
    غير أنَّنا نراه كما هي عادته الرائعة، سواء كان منبوذًا  طريدًا من شاول، أو ملكًا متوَّجًا على الشعب، لا يعرف أن يفعل شيئًا قبل أن يستشير الرب، ولذلك نجده يتوجَّه للرب طالبًا منه الإرشاد والنصح في ماذا يفعل أمام تحرُّش الفلسطينيين به؟ وعندما أخذ الموافقة من الرب نجده حالاً يتقدَّم لمنازلة الفلسطينيين، ويعطيه الرب نصرة كبيرة عليهم.

(يتبع)

عاطف إبراهيم