أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مارس السنة 2008
للمتألمين
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

معزون ليسوا متعبين

قال أيوب: «مُعزُون مُتعبون كلُكم» (أي16: 2)، هذا لأنه عانى من أصحابه الثلاثة الذين ربما ظنوا أنهم يعزونه، ولم يدروا أنهم يتعبونه؛ هذا لأنهم لم يكونوا في محضر الرب، وبالتالي لم يستقوا أفكارهم منه، بل كانت كلماتهم مبنية إما على خبرات السابقين أو الآراء الشخصية.

لكن هذا لا ينطبق على كل تعزية تأتي إلينا من الآخرين، فهناك تعزية مصدرها الله وعندما يرسلها لنا من خلال المؤمنين كأنه هو بنفسه الذي يعزينا، وهؤلاء قد يكون الرب عمل فيهم بالألم، وهذا ما نراه في حياة بولس إذ قال: «مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح أبو الرأفة وإله كل تعزيةٍ، الذي يُعزينا في كل ضيقاتنا، حتى نستطيع أن نُعزي الذين هم في كل ضيقةٍ بالتعزية التي نتعزى نحن بها من الله» (2كو1: 3، 4).

فبولس أخذ من الرب معونة وتعزية خلال تجاربه، أصبحت هذه التعزية رصيدًا لحساب المؤمنين في التجارب التي يواجهونها، وبالتالي يستطيع بولس أن يقدم لهم من ذات نوع التعزية التي أخذها من الرب لتعزيتهم، هذا خلاف أن تعزيته كانت من خلال اختبار، وهو في هذا يُشبه سيده، ولو في زاوية صغيرة، ذاك الذي كُتب عنه: «لأنه في ما هو قد تألم مُجربًا يقدر أن يعين المُجربين» (عب2: 18)، فلم تكن تعزيته من برج عال وكأنه لا يشعر بآلام مَنْ يعزيهم فيقسو عليهم، وربما يوجه لهم اللوم، بل هي تعزية مصدرها الله تصدر من شخص له أحشاء المسيح، يشعر من واقع الاختبار بما تجتاز فيه النفس المُجرَّبة من مرارة، وربما يكون هذا سبب من أسباب سماح الله لنا بالتجارب.

إن كان الله في حكمته يسمح لنا بضغوط، لكنه من جهة أخرى يرسل لنا تعزيات ومعونات لنستطيع أن نحتمل، وهذه التعزيات قد يعطيها لنا الرب مباشرة أو قد يرسلها لنا من خلال آخرين، والتعزية هي شعور بالراحة يعطيه الرب لنا في داخلنا من خلاله يشعرنا بأن الظروف التي نمر بها ليست بلا رجاء، أو ليست بدون نظير، كما يصورها لنا إبليس، بل لها مخارج، والله قادر أن يخرجنا من وجه الضيق إلى رَحب لا حصر فيه، وحتى لو سمح لنا أن نجتاز في وادي ظل الموت فله في الموت مخارج، وأنه يقصد من وراء الضيق الخير والبركة.

من ناحية أخرى لا يجب أن نرفض تعزيات الرب ونحن في عمق الألم مثلما رفضها يعقوب «أبى أن يتعزى»، وذلك عندما أحضروا له قميص يوسف المُلطّخ بالدم، فناح عليه ظنًا منه أنه مات، وفي موقف لاحق قال لأولاده إن يوسف مفقود، مع أنه كان في ذات الوقت حيًا ومتسلطًا في أرض مصر.

والأمهات أيام ميلاد الرب اللواتي قتل هيروس أولادهن من سن سنتين فما دون تمت فيهن النبوة: «راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين».

ليتنا نتقبل تعزيات الرب عندما يرسلها لنا، وليت الرب يستخدمنا في تعزية الآخرين الذين يمرون بنفس نوع الألم التي سمح الرب لنا بها في أوقات سابقة، وتمتعنا من خلالها بيد الرب التي قدمت المعونة والرثاء لنا في ضعفاتنا، فالألم الذي سمح به الرب لنا أصبح المؤهل الأول لنا في تعزية الآخرين، أما المؤهل الثاني فهو مدى شبعنا بكلمة الرب، فهي مادة التعزية ومن خلال ما تحويه من مواعيد تمتلئ القلوب بالرجاء والعزاء «لأن كل ما سبق فكُتب كُتب لأجل تعليمنا، حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب يكون لنا رجاءٌ» (رو15: 4).

ولنا وصية الرسول بولس بالروح القدس: «عزوا بعضكم بعضًا بهذا الكلام»
(1تس4: 18)، فعندما نقدم بقيادة الروح القدس جزءًا من كلمة الرب للنفوس المتألمة، كم يكون هذا سبب عزاء لها!

أنور داود