الكنيسة مسكن لله بالروح
الروح القدس هو القائد والمنظم للاجتماعات في الكنيسة
وفي بيت الله، يجب أن يكون كل ترتيب أو تنظيم من الله، والروح القدس يقسم لكل واحد بمفرده كما يشاء. إن عمله، وهو على الدوام مستقل عن ترتيبات الإنسان، هو عظيم وظاهر بوضوح. ويجب أن يكون حضور الروح القدس مُعتَرفًا به في الكنيسة حينما تجتمع لتعبد الله. وإني أعتقد أنه لا يوجد شيء فشلت فيه المسيحية الاسمية أمام الله أكثر من هذا ـ في عدم خضوعها لسلطة وقيادة روح الله. ينبغي علينا أن ندخل إلى كنيسة الله بالشعور بأنه هو سينظم، وهو سيرتب، وهو سيراعي مجد المسيح، أفضل مما نستطيع نحن بأي تنظيم من اقتراحنا. يجب أن يُترَك كل شيء في كنيسة الله لعمل وإرشاد روح الله الذي يسكن في قلب تلك الجماعة. إنه بعمل قوانين للإيمان، واعترافات وأحكام وتنظيمات، تقطعون بذلك عمل وحرية وإرشاد الروح القدس. وإنه أمر جدير بالملاحظة أن كل قانون، وكل اعتراف ـ مهما كان الشخص الذي عمله أو كتبه، يتسم بحذف أي شهادة سديدة لحضور الروح القدس الشخصي في البيت، وسُكناه في المؤمن الفرد. إنني لا أقول إن هذه القوانين تنكر وجوده أو شخصيته، لكني أكرر ـ أنه أمر ملحوظ أن كل القوانين والاعترافات التي صيغت وأُذيعت، تحذف فكرة الحضور الشخصي لروح الله، كمَن يسكن في بيت الله، وفي المؤمن الفرد، لأجل كل ما يتعلق بترتيب البيت، وتعزية المؤمن. إن ذلك الحق الصميم للمسيحية نجده غالبًا في كل قانون أو اعتراف.
لقد نسيَ المسيحيون أن الروح القدس هو هنا. ربما يلتمسون معونته وتأثيره، لكن حضوره الفعلي يتجاهلونه، إذ هم يصلّون لأجل إتيانه. وما هي نتيجة هذا؟ أن الإنسان يعمل ترتيباته لأجل ما نسميه عبادة الله، بكيفية تجعله يصرف النظر عن ضرورة وجود روح الله. إن الروح القدس قد تُرك خارجًا في هذه الترتيبات، كما لو كان غير موجود هنا إطلاقًا. هذه الترتيبات تجهز ما يُسمى بالعبادة في الكنيسة بدون اهتمام بالحضور الفعلي، والإرشاد والعمل المباشر لروح الله. وكما تعرفون، فهناك قوانين وقواعد تأخذ مكان العمل الحر للروح القدس في بعض الأماكن، وفي البعض الآخر يتدخل الناس المعينون من الإنسان في ترتيبات العبادة. إن الكنيسة في كل هذا قد انحرفت عن الحق، ولم تصغِ إلى كلمات سيدها الذي تكلم به بكل وضوح من جهة هذا الأمر. وإنني أشعر بالحزن حينما أتكلم عن هذا، لكني لا أتجرأ أن أتنصل من الحق وأكف عن إعلانه، لأن البركة والنمو في النعمة لأولاد الله يتوقف على هذا الأمر الهام. إنهما يسيران معًا بمعدل واحد، إذ كلما أعطينا الروح القدس مكانه في حياتنا شخصيًا وفي وسط الجماعة، نتقدم روحيًا. وإني أعتقد أن الخطية الصارخة في المسيحية الاسمية في هذه الأيام هي الخطية ضد الروح القدس، أعني عدم الإيمان بحضوره الدائم في اسم المسيح. إن الروح القدس ليس له مكانه الصحيح في أفكار وقلوب أولاد الله.
لكني أسمع البعض يقولون: إذا لم تُعمل ترتيبات للعبادة، فمن المؤكد أنك ستواجه التشويش والارتباك. ولمثل هؤلاء الناس أوجه سؤالاً واحدًا بسيطًا: مَن الذي ينظم الأمور في بيتك؟ هل أنت أم خدامك؟ لا شك أن الإجابة هي: أنا الذي أنظم أمور بيتي. وإني أعتقد أن الله يستطيع أن يحافظ على الترتيب في بيته أفضل مما نستطيع نحن. ألا تعتقد هذا؟ دعونا نتذكر أن الكنيسة هي مسكن الله، وأن لها الحضور الحقيقي والدائم لروح الله. إن حضور ذلك الروح هو شيء حقيقي، وإذا وُجد اثنان أو ثلاثة فقط يهتمون بالاعتراف بالحق الخاص بجسد المسيح، والحق الخاص بمسكن الله، فهناك يوجد الرب يسوع، كما أن الروح القدس الذي هو دائم الحضور سيباركهم بركة عظيمة. إن الله دائمًا يكرم الإيمان، ويمكنكم أن تثقوا من أن أفضل الترتيبات التي يستطيع الإنسان أن يعملها، هي جهل يستحق الازدراء، إذا كانت تحل محل الترتيبات التي وضعها الله!
بيت الله ومسؤولية الإنسان
لكن هناك وجه آخر لبيت الله، يجب أن أُشير إليه باختصار وهو مسئولية الإنسان من نحو هذا البيت. حتى الآن، كنا ننظر إليه كدائرة للامتياز غير المحدود، حيث روح الله ساكنًا فيه. وحينما حدث هذا في البداية، كان الجسد والبيت في الواقع شيئًا واحدًا. كانا متساويين في الانتشار في يوم الخمسين. لكن البيت الذي يبنيه المسيح بالنعمة (مت16: 18؛ أف2: 22؛ 1بط2: 5) هو شيء باقٍ وأبدي، بينما ما يبنيه الإنسان كمسؤول هو شيء آخر تمامًا. الأول صائب ليس فيه فشل، أما الثاني فهو فاشل وناقص تمامًا، ولذلك فهو سيُدان. هذا الجانب الهام من الحق نجده في 1كورنثوس 3 حيث يقول الرسول: «حسب نعمة الله المُعطاة لي كبنَّاء حكيم قد وضعت أساسًا، وآخر يبني عليه. ولكن فلينظر كل واحد كيف يبني عليه». لقد وضع بولس الأساس الصحيح، ولا يستطيع أحد أن يضع أساسًا آخر. لكن البناءين الآخرين قد يبنون «ذهبًا، فضة، حجارة كريمة، خشبًا، عشبًا، قشًا». وستمتحن النار عمل كل واحد، وبقاء العمل يتوقف على المواد المُستخدمة في البناء. إن الإنسان يبني، ومسؤوليته لها دور، والنتيجة تتوقف على مواد البناء، فإذا كان قد بنى على نحو رديء، فالنتيجة ستكون الدينونة.
إن ما كان في البداية بيت الله، ومكوَّن فقط من قديسين حقيقيين، قد صار الآن «بيتًا كبيرًا» يجلب العار والإهانة لله. هذا مُبيَّن في 2تيموثاوس 2: 17- 22. لكن أساس الله الراسخ قد ثبت، وله ختم ذو شعارين: الأول: «يعلم الرب الذين هم له»، والثاني: «ليتجنب الإثم كل مَن يسمي اسم المسيح». هذا هو جانب المسؤولية. وبذلك نجد الحالة الحقيقية للبيت ـ بيت الرب ـ كما استودع للإنسان. ثم يقول الرسول: «ولكن، في بيت كبير ليس آنية من ذهب وفضة فقط، بل من خشب وخزف أيضًا، وتلك للكرامة وهذه للهوان، فإن طهر أحد نفسه من هذه، يكون إناءً للكرامة مقدسًا، نافعًا للسيد، مستعدًا لكل عملٍ صالح».
إن مَسلك القديس وسط هذا الشر، ليس أن يترك البيت ـ لأنه لا يستطيع أن يفعل هذا ـ لكن أن يطهر نفسه من الشر، «ويتبع البر، والإيمان، والمحبة، والسلام، مع الذين يدعون الرب من قلب نقي». لكن نهاية هذا البيت هي الدينونة. إن حالة البيت مُعطاة لنا في 2تيموثاوس3 حيث تظهر صورة التقوى دون قوتها. وهذه الحالة التي تسود على آخرة المسيحية، لهيَ أكثر حزنًا مما وُجد قبل إعلانها (قارن رومية1: 26- 32؛ 2تي3: 1- 8). وهي ستبلغ ذروتها في الارتداد و«إنسان الخطية» الذي يصفه الرسول بولس في 2تسالونيكي2.
كون ذلك هو نهاية بيت الله على أساس المسؤولية، ظاهر من الشهادة التي يعطيها الرسول بطرس «لأن الوقت لابتداء القضاء من بيت الله. فإن كان أولاً منا، فما هي نهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله؟» (1بط4: 17).
إن هذه الصورة للكنيسة، في مسؤوليتها، هو الذي يأتي أمامنا في رؤيا2، 3 حيث الرب يمشي وسط المناير بصفة قضائية. هناك نجد لاودكية تعطينا الصورة النهائية للكنيسة، كالشاهد المسؤول لله على الأرض. فهي سيتقيأها المسيح من فمه كشيء كريه تعافه النفس، وستُدان بواسطته ـ بواسطة ذاك الذي قد حملت اسمه زورًا، وجلبت عليه العار والهوان بشدة.
ومن الأهمية بمكان أن نضع في أذهاننا أنها الكنيسة من هذه الوجهة من المسؤولية هي التي ستُدان. أما كجسد المسيح، فإن كل عضو هو في أمان أبدي. لقد أعطتنا النعمة مكاننا هناك، ولا بد أن تكمل هذه النعمة عملها الخاص. إن بناء المسيح ـ سيكون كاملاً ومُتقنًا، وسيظهر في المجد. أما ما بناه الإنسان، فقد كان بناءً رديئًا، وأصبح فاسدًا، وفيما بعد سيتعرض لأعمق وأقسى دينونة من الله.
أي رحمة بلا حدود أن تكون عضوًا في جسد المسيح، و«حجرًا حيًا»