أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مايو السنة 2019
أفكار حول آيات إنجيل يوحنا الثماني
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

كل الآيات هي معجزات، بمعنى أنها أعمال فائقة للطبيعة للقوة الإلهية. غير أنه ليست كل المعجزات هي آيات، لأن الآيات تتضمن تعليمًا متمايزًا، علاوة على استعراضها للقوة الإلهية.

الآية الأولى:

تحويل الماء إلى خمر (يو ٢: ١-١٠)

الآية الأولى في إنجيل يوحنا مذكورة في الأصحاح الثاني. كان ربنا ضيفًا مدعوًا حاضرًا حفل عرس في قانا الجليل. وبتحويله الماء إلى خمر أظهر مجده. وبقوته هذه برهن على كونه يفوق كل ضيف بشري. وبعمله هذا أثبت حقيقة كونه مُضيف إسرائيل الحقيقي. إنه – تبارك اسمه – سوف يستحضر فرح الملكوت في يوم عرسه القادم، ولكن هذا لن يتأتى إلا بعد أن تمتلئ أجران الحجارة بماء التطهير. وينبوع التطهير (زك ١٢؛ ١٣) سوف يتبع الضيقة العظيمة. حينئذٍ يُدعى يهوه: «رَجُلِي» - من جانب شعبه - ولن يُدعىَ بَعْدُ: «بَعْلِي (سَيِّدي)». حينئذٍ يصير فرح الكروم من نصيبهم، عندما يُفتح باب الرجاء لإسرائيل، وتتحقق بركات وأفراح خطبتهم، لتبلغ الذرى (هو ٢: ١٤-٢٣). وهكذا سيصير الرب مُضيّف ورَجُل إسرائيل، في يوم استعلان مجده القادم. كل هذا وأكثر يُمكننا أن نسوقه في سياق تأملنا في هذه المعجزة الأولى.

ليتنا نحن الذين ننتمي، لا لإسرائيل، بل إلى عائلة الله السماوية، ليتنا نتعلَّم من هذه الآية، كيف أن المُنعِم، الغريب والمتواضع، الذي «إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ» (يو ١: ١١)، هذا الذي لم يكن معروفًا في عالم صنعته يداه، لم يكن سوى “رب المجد”.

الآية الثانية:

شفاء ابن خادم الملك (يو ٤: ٤٦-٥٤):

في الجليل أجرى الرب آيات قوته الشافية بين مساكين الشعب وأذل الغنم (انظر إشعياء ٩: ٢١؛ متى ٤: ١٤-١٦). وكانت الحالة الجسدية لابن خادم الملك، تشرح الحالة الروحية لأمة إسرائيل. كان على وشك الموت. ولكن رحمة الله الشافية كانت هناك مُتمثلة في الرب يسوع، كما هو لشفاء الأمة إذا طلبته.

وفي هذه المناسبة يُشير الرب يسوع إلى مثل هؤلاء الذين يُمكن أن يُقال عنهم: «لاَ تُؤْمِنُونَ إِنْ لَمْ تَرَوْا آيَاتٍ وَعَجَائِبَ» (ع ٤٨). فيهوه ذاته نزل إليهم، لبركتهم. فهذا الذي جاء إليهم لم يكن سوى “يهوه روفي” - «أَنَا الرَّبُّ شَافِيكَ» (خر١٥: ٢٦). عن رحمة الرب الشافية، والتي سيختبرها شعبه في يوم مجده العتيد، صارت في ذلك المجيد الذي وطأت قدماه أرضنا على سبيل نعمته. وفي موضع آخر نقرأ: «كَانَتْ قُوَّةُ الرَّبِّ لِشِفَائِهِمْ» (لو ٥: ١٧)، ومع ذلك لم يُشفوا جميعهم. كان عدم الإيمان عامًا، ومع ذلك فقد اختبر ابن خادم الملك هذه الرحمة. ويا له من أمر مبارك أن خادم الملك هذا آمن بكلمة الرب (ع ٥٠)، وأيضًا «آمَنَ هُوَ وَبَيْتُهُ كُلُّهُ» (ع ٥٣). وما أروع شهادة الرب عنه!

الآية الثالثة:

شفاء مريض بركة بيت حسدا (يو ٥: ١-٩):

هنا نتعلَّم أن كل ما كانت ترمز إليه بيت حسدا؛ بيت الرحمة، كان مُتجسِّدًا في شخص ربنا يسوع. ومن اللافت أن مدة مرض الإنسان المفلوج كانت “ثَمَانٍ وَثلاَثِينَ سَنَةً”. وإسرائيل بعد “ثَمَانٍ وَثلاَثِينَ سَنَةً” من التيهان في البرية، اقتربوا للغاية من ميراثهم. وهذا الوقت كان متزامنًا مع حادثة الحيَّة النحاسية (قارن عدد ٢١: ٤-١٦؛ تثنية ٢: ١٤). فإسرائيل في الجسد، وعلى أساس حفظ الناموس، لا يُمكنه أن يُقبِل إلى ميراثه الإلهي الموعود به. وههنا في يوحنا ٥ كان الرجل المفلوج إلى جوار البركة عاجزًا يائسًا؛ لم يكن له “إِنْسَانٌ” (ع ٧)، ولكن رحمة الله اقتربت إليه في شخص «إِنْسَانٌ يُقَالُ لَهُ يَسُوعُ» (يو ٩: ١١). وبعمله هذا، إذ شفى الرجل برحمته، أظهر نفسه باعتباره رب العهد الجديد، كما نقرأ في مكان آخر: «إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً» (هو ٦: ٦؛ مت ٩: ١٣).

ويبدو أن هذا الرجل المذكور في يوحنا ٥ – ورغم تلامسه مع رحمة الرب وقوته – لم يتجاوب معهما مثلما فعل خادم الملك في يوحنا ٤. وكعادتهم تذمر اليهود على الرب لعمله هذا في يوم السبت (يو ٥: ١٠-١٦). وبعد ذلك وَجَد الرب يسوع الرجل، وقال له: «هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ، فلاَ تُخْطِئْ أَيْضًا، لِئَلا يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ» (ع ١٤)، ولكننا نقرأ بعدها: «فَمَضَى الإِنْسَانُ وَأَخْبَرَ الْيَهُودَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الَّذِي أَبْرَأَهُ» (ع ١٥). لقد اغتنم الرجل الشفاء برحمة وقوة الرب يسوع، الذي سدَّد عوزه وأشبع احتياجه، ولكن يبدو أنه استاء من كلمة الرب التي وجهها إلى ضميره. ومهما يكن من حال، فقد ظهر في هذه الحادثة عمل وكلمة الرب، والتي أفضت إلى راحة الرب في رحمته وقوته وقداسته. ثم يتبع في بقية الأصحاح عرض هائل لعظمة ابن الله.

الآية الرابعة:

إشباع الجموع (يو ٦: ٥-١٤)

بإطعامه الجموع أعلن الرب بوضوح أنه هو يهوه المُشار إليه في مزمور ١٣٢: ١٥ «طَعَامَهَا أُبَارِكُ بَرَكَةً. مَسَاكِينَهَا أُشْبِعُ خُبْزًا». ونلاحظ أن هذا الاقتباس هو من المزمور المعني بيهوه الذي سيأتي إلى راحته. وكم ستكون عظيمة البركة التي ستُسبّغ على إسرائيل، عندما يتبوأ الرب مكانه الصحيح، وحينئذٍ «يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعًا» (مز ١٣٣: ١)، حيث سيأتي شعب الله الأرضي ليخضع للإدارة الفعالة للكاهن الممسوح. وطبقًا لما ورد في نبوة زكريا ٦: ١٣ «هُوَ يَحْمِلُ الْجَلاَلَ وَيَجْلِسُ وَيَتَسَلَّطُ عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَيَكُونُ كَاهِنًا عَلَى كُرْسِيِّهِ».

وسيتمتع إسرائيل بالحياة في فترة المُلك الألفي، إذ يقبِل إلى فرح وقوة بركة الكاهن الجالس على العرش. حينئذٍ يصير أيضًا هناك نهضة وبركة تلقائية إلهية، مع ما يتبعها من بركة للإنسان (مز ١٣٤). لنقرأ مزامير المصاعد الثلاثة هذه، ودعونا نُذكّر أنفسنا أن وسيلة حصولنا على هذا كله، هو ذلك الشخص المجيد المعبود، الذي أشبع المساكين خبزًا في يومهم (يو ٦).

الآية الخامسة:

المشي على الماء (يو ٦: ١٥-٢١)

ترد في هذا الأصحاح الآية الخامسة أيضًا، حيث مَشَى الرب يسوع على الماء. وكما جاء إلى تلاميذه في ذلك اليوم، في قلب العاصفة، هكذا سيأتي إلى مختاريه، في ظلمة ورياح يوم الضيقة العظيمة القادم. وهو – تبارك اسمه – سيضع حدًا للعاصفة بظهوره المجيد، وسيأتي بخاصته إلى السماء المُشتهاة. فهو سَيِّد البحار؛ فالرياح والأمواج تحت سيطرته. وهو الذي قيل عنه في أيوب ٣٨: ٨-١١ «مَنْ حَجَزَ الْبَحْرَ بِمَصَارِيعَ ... جَزَمْتُ عَلَيْهِ حَدِّي، وَأَقَمْتُ لَهُ مَغَالِيقَ وَمَصَارِيعَ، وَقُلْتُ: إِلَى هُنَا تَأْتِي وَلاَ تَتَعَدَّى، وَهُنَا تُتْخَمُ كِبْرِيَاءُ لُجَجِكَ؟».

نعم، سيضع الرب حدًّا لعاصفة الضيقة المُزمعة أن تنصب على اليهود من قِبَل لظى نيران الوحشين؛ الروماني واليهودي. وسيُقصِّر الرب أيام المعاناة بظهوره بالقوة والمجد العظيم، وسينشر أيام السلام والبركة.

هذا ما أستعرضه أمامكم في هذه الآية الخامسة من إنجيل يوحنا. ولكن دعونا نذكر أننا إذ نتعلَّم الكثير من الإشارات التدبيرية من هذه الآيات، إلا أنه - فوق الكل - تسطع أمجاد ربنا يسوع المسيح.

الآية السادسة:

شفاء المولود أعمى (يو ٩: ١-٧)

الموضوع العظيم للأصحاحات الباكرة من إنجيل يوحنا، هو الشهادة للإنسان. بيد أن الفكر الموضوع أمامنا الآن هو عمل الله في الإنسان. وهكذا رأينا فيما سبق كلمة الله للإنسان، أما الآن فنحن بصدد عمل الله في الإنسان. فإذا كان خلاص إسرائيل، أو الأمم، من ظلمة الجهل بالله، عملاً إلهيًا في الأساس، فهذا هو مدلول هذه الآية. فتنازل ابن الله إلى هذا العالم، في اتضاع ونعمة التجسد، والمرموز إليه بالطين الذي اختلط بالتفل، إنما هو تكثيف لعمى اليهود. فإذا كانوا ينتظرون مسيحًا، فبالتأكيد ليس هو المسيح المتواضع. لقد كان تطلعهم إلى مُخلِّص؛ رجل حرب قوي.

أما الآن فقد جاء المسيح، كما تنبأ عنه الأنبياء. ورجاء البركة الوحيد لإسرائيل أن يقبلوا ويُطيعوا هذا المُرسَل. مبارك هو الله، فإن اليوم قادم لا محالة، عندما تتحوَّل قلوبهم وتتجه إلى الرب. حينئذٍ سيتوبون عن عدم إيمانهم، وعن ادعائهم المزعوم بالمعرفة، وحينئذٍ لن يفتخروا بعد بأنهم مبصرون. وحينئذٍ يقرون بخطيتهم وجهلهم، وهو – تبارك اسمه – سيفتح عيونهم العمياء، وسيُرفَع البرقع عن قلوبهم، وسيعترفون عن طيب خاطر، مقتبسين كلمات إشعياء النبي: «هُوَذَا هَذَا إِلَهُنَا. انْتَظَرْنَاهُ فَخَلَّصَنَا. هَذَا هُوَ الرَّبُّ انْتَظَرْنَاهُ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِخَلاَصِهِ» (إش ٢٥: ٩)، وأيضًا «اَلْمَلِكَ بِبَهَائِهِ تَنْظُرُ عَيْنَاكَ. تَرَيَانِ أَرْضًا بَعِيدَةً» (إش ٣٣: ١٧).

يا له من تغيير! فبعد أن كان لسان حالهم، في يوم عماهم القومي: «لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ» (إش ٣٥: ٢)، «حِينَئِذٍ تَتَفَتَّحُ عُيُونُ الْعُمْيِ» (إش ٣٥: ٥)، ستنتهي فترة عماهم القضائي (انظر أيضًا رومية ١١: ٢٥-٢٧).

إنهم في عدم إيمان رفضوا الرب عندما جاء إليهم في نعمة غير محدودة لا نظير لها، وهكذا – وفقًا لنهاية يوحنا ٩ – فقد أُسلموا إلى العمى، وسيظلون في هذه الحالة إلى أن يأتي الرب يسوع في القوة والمجد العظيم (انظر أيضًا إشعياء ٦؛ يوحنا ١٢: ٣٧-٤١). وكما هو واضح في هذه الآية، فالرب هو الوحيد القادر أن يُنير ظُلمتهم، وهو سيفعل ذلك في ظهوره، إذ يفتح عيون قلوبهم، فهو واهب النور.

الآية السابعة:

إقامة لِعَازَر من الموت (يو ٩: ١-٧)

هذه الآية معنية بمجد القيامة الذي ظهر في ابن الله. وما عمله الرب مع لعازر، سيعمله أيضًا مع الأمة الراقدة بين الأمم. ووفقًا لدانيال ١٢: ٢ فعندما تنقضي فترة الضيقة العظيمة، ستكون هناك قيامة قومية «وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ، هَؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ». وفي حزقيال ٣٧ نقرأ عن الوادي الممتلئ بالعِظَام: «هَذِهِ العِظَامُ هِيَ كُلُّ بَيتِ إِسْرَائِيلَ. هَا هُمْ يَقُولُونَ: يَبِسَتْ عِظَامُنَا وَهَلَكَ رَجَاؤُنَا. قَدِ انْقَطَعْنَا». ولكن «هَكذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هَأَنَذَا أَفتَحُ قُبُورَكُمْ وأُصْعِدُكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي، وَآتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ عِنْدَ فَتْحِي قُبُورَكُمْ وَإِصْعَادِي إِيَّاكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي. وأَجْعَلُ رُوحِي فِيكُمْ فتَحْيُونَ، وَأَجْعَلُكُمْ فِي أَرْضِكُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أنَا الرَّبُّ تَكَلَّمْتُ وَأَفْعَلُ، يَقُولُ الرَّبُّ» (حز ٣٧: ١١-١٤).

اقرأ من فضلك كل هذه الفقرة الرائعة من المكتوب، فقوة الرب ستتجلى بكل وضوح في قيامة شعبه إسرائيل؛ أعني السواد الأعظم من الأمة، الذين تشتتوا بين الأمم، ومِن ثمَّ صاروا أمواتًا قوميًا. ومجد الرب سيظهر في استحضار هؤلاء إلى الحياة. هذا هو تعليم هذه الآية التي نحن بصددها. لذلك قال الرب يسوع بصدد إقامة لِعَازَر «هَذَا الْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ، بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ اللَّهِ، لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللَّهِ بِهِ» (يو ١١: ٤). ثم مُجددًا يقول في الآية ٤٠ من أصحاحنا: «أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللَّهِ؟». فرجاء إسرائيل العظيم في قيامة قومية، وستتحصل عليه بقوة ابن الله، ولهذا يُعبَّر عنه بقيامة الأموات.

«قُومِي اسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ» (إش٦٠: ١) ... يومًا ما ستسمع إسرائيل كلمات الترحيب هذه، حينئذٍ ستقوم إسرائيل من قبرها المُظلِم، لتقف أمام مجد ربها. عندئذٍ تنقضي أزمنة الأمم، ويخرج ذاك المجيد من صهيون، ليُخلِّص كل بني إسرائيل، وعظام يابسة تحيا، «تُولَدُ أُمَّةٌ دَفْعَةً وَاحِدَةً» (إش ٦٦: ٨)، عندها تُرفرف راية محبة الرب يهوه، وهناك يسكنون في أمان، في سلام مُقيم، وهو يسكن في وسط هتاف تسبيحهم (انظر إشعياء ٦٠).

الآية الثامنة:

صيد السمك الكثير (يو ٢١: ١-١٤)

باختصار كانت تلك هي المرة الثالثة التي أظهر فيها ربنا نفسه لتلاميذه، بعد قيامته من بين الأموات. كان التلاميذ - وهم يرمزون إلى البقية التقية الحقيقية - خلال ليل غياب الرب عنهم، لم يُمسكوا صيدًا. وعملاً بتوجيهات ربهم المُقام، ألقوا شبكتهم إلى البحر، فجمعت صيدًا هائلاً حتى إنهم لم يقدروا أن يجذبوها من كثرة السمك، الذي بلغ ١٥٣ سمكة كبيرة «وَمَعْ هَذِهِ الْكَثْرَةِ لَمْ تَتَخَرَّقِ الشَّبَكَةُ» (ع ١١)، بخلاف مناسبة مماثلة في بداية تاريخهم مع الرب، كما هو مُسجَّل في لوقا ٥: ١-١١.

وتُحدثنا هذه الآية التي نحن بصددها عن خدمة البقية، الذين سيُلقون شبكة بشارة الملكوت في بحر الأمم. فعندما تُرفع الكنيسة إلى المجد، سيستعيد الله معاملاته مع الأرض. إن رسُل الملك العتيد، صيادي الناس، سوف يحصدون حصاد البحور. والنتيجة أنه تعمُّ البركة، في الملك الألفي، حين سيُقبِل الأمم إلى نور إسرائيل (إش ٦٠). حينئذٍ سيتم المكتوب: «حَدَثَ لِجَمْعِ كُلِّ الأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ، فَيَأْتُونَ وَيَرُونَ مَجْدِي. وَأَجْعَلُ فِيهِمْ آيَةً، وَأُرْسِلُ مِنْهُمْ نَاجِينَ إِلَى الأُمَمِ ... الَّتِي لَمْ تَسْمَعْ خَبَرِي وَلاَ رَأَتْ مَجْدِي، فَيُخْبِرُونَ بِمَجْدِي بَيْنَ الأُمَمِ» (إش ٦٦: ١٨، ١٩).

وهكذا فإننا هنا قدمنا بعض الأفكار التدبيرية، وغرضنا الأسمى هو إظهار مجد ربنا الإلهي. فيا ليت قلوبنا تتحد مع قلوب أولئك الذين شهدوا عقب مشاهدتهم لآيته الأولى في عرس قانا الجليل، والذين قيل عنهم: «هَذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تلاَمِيذُهُ» (يو ٢: ١١).

نورمان أندرسون