هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها؟« (تك11:3)
بعد أن تناول الرب الإله في سؤاله السابق لآدم: » من أعلمك أنك عريان؟«، ما أنتجته الخطية فيه من عُري وعار، يواصل الرب الإله الحديث معه بهذا السؤال »هل أكلت ...؟«، وفيه يتناول الرب الإله الخطية ذاتها، وهى الأكل من الشجرة التي نهاه عن الأكل منها.
وإن كان الرب الإله لم يوجه إلي آدم كلمات توبيخ أو تأنيب كان يستحقها، وذلك حتى لا يُبتلع من الخوف، ولا ييأس من الخلاص من القضاء الإلهي، فيفقد القدرة على التجاوب مع نعمة الله المتجهة إليه؛ فإننا مع ذلك نرى في سؤال الرب الإله هذا لومًا وعتابًا لآدم على خطيته.
وإذ نتساءل، لماذا يسأل الرب الإله آدم قائلاً: »هل أكلت«؟ مع أن الرب كان يعرف أنه أكل، نرى أن الرب الإله أراد من آدم ما يلي:
-
أن يقر بخطيته، وهي الأكل .. وقد كان » وقال آدم المرأة ... أعطتني ... فأكلت
-
أن يذكر من أين سقط ليتوب »أذكر من أين سقطت وتب« (رؤ5:2).
-
أن يعي بأنه كان يجب عليه أن يخضع لوصية الرب الإله ولا ينقاد وراء امرأته (تك17:3).
وهنا نجد أن نعمة الله تحاصر آدم، لكي تقوده إلى الاعتراف والتوبة » وأُضيِّق عليهم لكي يشعروا« (إر18:10)، لأنه وإن كان هو إله لا يُسر بالشر (مز4:5)، لكنه لا يريد هلاك آدم، لأنه »هكذا يقول السيد الرب إني لا أسر بموت الشرير، بل أن يرجع الشرير عن طريقه فيحيا« (حز11:33).
وبنظرة أعمق، نجد في هذه الواقعة ما هو أبعد من مجرد الأكل من الشجرة المنهى عن الأكل منها، ذلك لأن وصية الرب الإله لآدم، وضعته في امتحان، وهو الاختيار بين عمل إرادة الله - وفي هذا الحياة عينها، أو عمل إرادته الذاتية - وفي هذا انفصال عن الله، وهو الموت بعينه. وبكل أسى نجد أن آدم قد اختار عمل إرادته الذاتية، وبذلك صار تحت حكم الموت إذ تعدى الوصية المعطاة له من الرب الإله » لأن كل من يفعل الخطية يفعل التعدي أيضًا، والخطية (فعل الإرادة الذاتية) هي التعدي« (1يو4:3)، وفي هذا صار آدم مثالاً للخطاة » لكنهم كآدم تعدوا العهد« (هو7:6).
وأجاب آدم على سؤال الرب الإله له: »هل أكلت؟« فقال: »المرأة التي جعلتها معي هيَ أعطتني من الشجرة فأكلت« (تك12:3)، وفي هذه الإجابة نجد ما يلي:
-
أقر آدم بأكله من الشجرة، وبهذا حكم على نفسه بعواقب فعلته وهو الموت.
-
أنشأت الخطية جرأة غير مقدسة من آدم ضد الله، إذ أراد أن يبرر نفسه ويستذنب الله.
-
أحال آدم المسئولية على امرأته وتخلى عنها، إذ أدخلت الخطية فيه الجُبن.
-
لم يدرك آدم أنه رأس المرأة، إذ سمع لقول امرأته (تك17:3)، وبهذا تشوش الترتيب الإلهي لأول بيت أقامه الله.
ولقد أراد آدم أن يحصر القضية بين الرب الإله والمرأة، وأن يترك للرب تسوية الأمر معها، وكأنه بريء بل ومجني عليه - وفي هذا انحطاطٌ - وذلك لأن الضمير الشرير يخاف من الله ومن عواقب الخطية، ولا يريد أن يعترف بخطاياه.
وبعد أن اتضحت أبعاد القضية بكل جوانبها، لم يُسرع الرب الإله بكلمات القضاء على آدم، بل تحول عنه إلى حواء ثم إلى الحية، ليصل إلى منابع الخطية من أصلها (تك3: 13-19)، وإن كان الرب الإله قد بدأ بآدم في المحاكمة، لأنه رأس المرأة والذي أعطيت له الوصية، لكن الرب الإله يبدأ في القضاء بالحية لأنها مصدر الشر، فلا يناقشها بل ينطق بكلمات القضاء عليها.
ونجد أن آدم لم يتأثر وحده بنتائج سقوطه، لأنه وإن كان حكم الله قد صدر عليه بالتعب كل أيام حياته (تك3: 17-19)، لكن تلك النتائج امتدت إلى نسل آدم »لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد (وهو آدم) جُعل الكثيرون خطاة« (رو19:5)، وأيضًا »كأنما بإنسان واحد (وهو آدم) دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس« (رو12:5)، كما امتدت هذه النتائج إلى الأرض، إذ قال الرب الإله لآدم: »ملعونة الأرض بسببك« (تك7:3)، بل تأثرت الخليقة كلها »إذ أخضعت الخليقة للبُطل« (رو20:8).
ولقد صار آدم مُمْسكًا في ذات الفعل، إذ لم يقدر أن يتخلص من ذنبه، كان يَنتظر أن يسمع صوت القضاء الإلهي »موتًا تموت« (تك17:2)، ولكن قبل أن يعود الرب الإله للحديث معه مرة أخرى، نجده يستمع إلى حديث الرب الإله مع الحية وموضوعه نسل المرأة الذي يسحق رأس الحية (تك15:3)، وبذلك لمع أمامه الرجاء بالحياة، فامتلأ قلبه به، لذلك »دعا آدم اسم امرأته حواء، لأنها أم كل حَيِّ« (تك20:3) - ولم يدعها أم كل ميت. وإن كان آدم لم يصدق الله في وعيده له بالموت، لكنه صدقه في وعده له بالحياة.
وإن كان حكم الموت (الأدبي والروحي) تم في الإنسان نتيجة دخول الخطية «لأن أجرة الخطية هي موت» (رو22:6)، لكننا نجد رجاء الحياة في هذا القول المبارك »فإنه إذ الموت بإنسان (وهو آدم) بإنسان أيضًا (وهو المسيح) قيامة الأموات، لأنه كما في آدم يموت الجميع (جميع الناس) هكذا في المسيح سيُحيا الجميع (جميع المؤمنين)« (1كو15: 22,21).
عزيزي القارئ ... إلى أي من الرأسين أنت تنتمي؟ هل إلى آدم الساقط رأس الخليقة الساقطة؟ أم إلى المسيح رأس الخليقة الجديدة؟ ليتك تتمسك بالمسيح الرأس، فيتم فيك هذا القول »إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة« (2كو17:5).