أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2009
معمودية الروح القدس
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

لعلكم تتذكرون أن كل ما تحدثنا عنه سابقًا بالارتباط مع الروح القدس، كان ذا طابع فردي وشخصي تمامًا. ولم نتطرق إلى أي شيء جماعي. أما الآن فسيكون موضوعنا هو الحق المرتبط بالجماعة. سوف نتأمل في الجماعة، الكنيسة في صورها المتنوعة مكونة بالروح القدس نازلاً إلى الأرض يوم الخمسين. إن ذلك الذي هو فردي يجب أن يسبق دائمًا ما هو جماعي، ولا بد للنفس أن تكون مميزة لِما تمتلكه شخصيًا من بركة، قبل أن تتهيأ لكي تتأمل ذلك الذي يخصها بالارتباط مع آخرين.

في العهد الجديد تقدم لنا ”الجماعة“، أو ”كنيسة الله“ على الأرض، بطريقة رباعية. وقد استُخدمت أربع صور لكي تعبِّر عن طبيعتها، وغرضها، ونصيبها. هذه الصور الأربعة هي: جسد، وبيت، ومنارة، وعروس. وكل صورة لها مكانها الخاص وتعلمنا درسًا خاصًا أيضًا. إن الكنيسة في صورها الثلاث الأولى مرتبطة بمكانها الحاضر على الأرض، فهي جسد المسيح، وبيت الله، والمنارة من جهة مسؤوليتها عن الشهادة للعالم. أما باعتبارها العروس، فهي تُرى في هذه الصورة بالارتباط مع زمان المُلك الألفي، وفي الأبدية (انظر رؤيا19؛ رؤيا21).

 والصورتان الأولى والثانية هما اللتان ستكونان موضوع حديثنا في هذه المرة. وكِلتا الصورتين هما النتيجة المباشرة لمعمودية الروح القدس. إن جسد المسيح، ومسكن الله هما علاقتان متميزتان فيهما تقف الكنيسة بالارتباط مع المسيح، وبالارتباط مع الله، على أن العلاقتين مرتبطتان بعضهما ببعض، لأن كليهما نتيجة عمل الروح القدس. فنحن نصير أعضاء جسد المسيح بواسطة الروح القدس، والكنيسة تصير ـ وهي فكرة عجيبة ـ مَسكن الله، بنفس ذلك الروح.

الكنيسة جسد المسيح وبيت الله

إن تكوين جسد المسيح يعتمد على حقيقة أن الرب يسوع المسيح هو ابن الإنسان المرتفع والمُمجَّد في يمين الله، لأنه لم يكن ممكنًا له أن يصير رأسًا للجسد إلا بعد أن قام من الأموات، ولذلك أقول بجسارة إن رأس الجسد لم يَمُت أبدًا. ربما يقول أحد: ماذا؟ المسيح لم يَمُت إطلاقًا؟ إنني لم أقُل ذلك. وأكرر أن رأس الجسد لم يَمُت إطلاقًا. إن ذاك الذي هو الآن رأس الجسد كان ميتًا. لقد عاش كالمسيا وقدَّم نفسه لشعبه الأرضي إسرائيل، لكنهم رفضوه وقتلوه. كانت لحظة رفضه هي الفرصة التي انتهزها ليكمل مقاصد الله ومشوراته. إن الصليب بكل ثماره المُدهشة والعجيبة لله وللإنسان، هو أمامنا. حينئذٍ بدأ الله عملاً جديدًا ـ الكنيسة. لكن كان لا بد أولاً من إتمام الفداء، وانشقاق الحجاب، وقيامة المسيح وتمجيده، قبل أن يكون ممكنًا له أن يصير «رأس الجسد». ثم نزل الروح القدس كما نقرأ هنا «لأننا جميعنا بروحٍ واحد أيضًا اعتمدنا إلى جسدٍ واحد» (1كو12: 13). إن فكرة الجسد تربطنا بالمسيح في المجد. أما كون الكنيسة مسكن الله بالروح، والذي نقرأ عنه في أفسس2، فهو مرتبط بالأرض. إن الكنيسة - جسد المسيح - هي مسكن الله بالروح. والذي يقصد الله أن نتعلمه من تشبيه الجسد المتحد مع الرأس، هو أننا ننتسب إلى المكان الذي يوجد فيه الرأس، أي المجد السماوي. أما الكنيسة كمسكن الله، فهي تُرى في الأرض (في الوقت الحاضر) (أف2: 22) وفي المجد (مستقبلاً) (رؤ21: 2، 3) ونحن المسيحيون الذين نجتاز الآن في هذا العالم، نكوِّن جسد المسيح، وبيت الله. ويا لها من حقائق عجيبة!

معمودية الروح القدس ومعمودية النار

وقبل أن أوضّح بمعونة الرب، هذين الجانبين من الحق، أحب أن أقول كلمات قليلة عن معمودية الروح القدس، لأني موقن أنه يوجد في أذهان كثيرين من أولاد الله الأعزاء، تشويش ليس بقليل من جهة ما يريد الله أن نفهمه من هذا التعبير. وإذا تحولنا إلى أول مكان في الكتاب المقدس ورَد فيه هذا الحق، فسنحصل على نور من جهة هذا التعبير. لذلك أرجو منكم أن ترجعوا إلى الأصحاح الثالث من إنجيل متى، هناك نسمع لأول مرة عنه من شفتي يوحنا المعمدان. ففي العدد الحادي عشر، وهو يخاطب أولئك الذين خرجوا إليه تائبين، لكي يعتمدوا، نسمعه يقول «أنا أعمدكم بماء للتوبة، ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني، الذي لست لست أهلاً أن أحمل حذاءه: هو سيعمدكم بالروح القدس ونار. الذي رفشه في يده، وسينقي بيدره، ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن فيحرقه بنار لا تُطفأ».

إن المعمدان يتنبأ عن الشخص الآتي ـ الرب يسوع ـ أنه سيقوم بخدمة ذات وجهين. فهو سيعمد بالروح القدس وهذا يشير إلى البركة، وبنار ـ وهذا يشير إلى الدينونة. كثيرون من الناس يعتقدون أن النار تعني القوة. هذا ليس صحيحًا! إن النار ليس لها قوة إلا في أن تدمر، وذلك ليس ما تريده أيها القارئ العزيز. فأنت لا تريد قوة مُهلكة ومدمرة. إن النار هي دائمًا في الكتاب المقدس رمز للدينونة. وهنا نجد جانبين لخدمة الرب يسوع على الأرض. كان عليه أن يعمد بالروح القدس، وتلك هي أعمق وأغنى بركة مُمكنة. وكان عليه أيضًا أن يُعَمِّد بالنار. وذلك سيكون في يوم مستقبل لم يأتِ بعد.

ثم يوضح المعمدان كلماته، بينما هو يستمر في حديثه «الذي رفشه في يده، وسينقي بيدره، ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن فسيحرقه بنار لا تُطفأ».  إن الفكرة الواضحة في الكتاب المقدس المرتبطة بالنار، هي الامتحان وإبادة ذلك الذي لا يستطيع أن يحتمل النار. كمثال لذلك، نجد في الأصحاح الثالث من الرسالة الأولى إلى كنيسة كورنثوس «فعمل كل واحد سيصير ظاهرًا: لأن اليوم سيبينه، لأنه بنار يُستعلن، وستمتحن النار عمل كل واحد ما هو» (ع13). إن الكل سيُمتحن بواسطة النار، والذهب والفضة، والحجارة الكريمة، أي كل ما هو معمول بنعمة الله، سيحتمل النار، بينما الخشب والعشب والقش ـ أي ما هو زائف، وأيضًا الأشخاص الزائفون رغم اعترافهم بالمسيح ـ فسيحترقون.

لكن المعمدان يخبرنا بأن الرب مزمع أن « يجمع قمحه إلى المخزن». إلى مَن يشير القمح؟ إلى كل الذين هم له ـ كل الذين بواسطة النعمة هم منه، وفيه. هم حبات القمح الحقيقية. ألم يَقُل له المجد لبطرس: «سمعان، سمعان، هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة»؟ نعم. يا لها من حقيقة مباركة أن سمعان كان حنطة. لو لم يكن كذلك، لَمَا أراد الشيطان أن يغربله. إنه لا يغربل إطلاقًا التبن. إنني لا أُنكر أن التبن موجود في وسط الحنطة، لكن بالنسبة للتبن ـ الذي يشير إلى غير المخلَّصين، الخطاة غير المولودين ـ فإن الشيطان لا يضيِّع وقته. فهو ليس في حاجة أن يغربلهم، لأن الكل هو تبن. إنه يقود الخاطئ معصوب العينين إلى الهلاك الأبدي. إنهم فقط أولاد الله، أي كل مَن وُلد من الله ـ الذين يسميهم الرب حنطة، هم الذين يغربلهم الشيطان ويجربهم، ويسعى أن يعثرهم. لكن دعونا لا ننسى بهذه المناسبة، أن الرب يقول أيضًا لبطرس: «ولكني طلبت من أجلك، لكي لا يفنى إيمانك» (لو22: 31). وبناءً على ذلك، فإن النور الذي قد أعطاه الله للنفس المتجددة لا يمكن أبدًا أن يُطفأ. إنني لا أشك أن الله قد يسمح للشيطان أن يغربل المؤمن وأن يجربه، وذلك للتخلُّص من التبن. إنه يستخدم الشيطان كمذراة ليُزيل التبن منا. يجب أن نتعلم ضعفنا الشخصي، وعدم نفعنا، وإذا فشلنا في أن نتعلم ذلك في شركة مع الله، فنحن سنتعلمه برفقة الشيطان، كما فعل بطرس في قصر رئيس الكهنة حينما أنكر سيده، الذي سبق وصرَّح بجسارة أمام الجميع أنه مستعد أن يموت عنه. لكن هذا شيء مختلف تمامًا عن الدينونة المُرعبة التي تأتي على أولئك الذين ليسوا حنطة. «وأما التبن فيحرقه بنار لا تُطفأ». لذلك فإنه أمر خطير وهام لكل مَن يقرأ هذه السطور أن يسأل نفسه: هل أنا حنطة أم تبن؟ إنني أسألك يا صديقي بكل وقار، هل أنت حنطة أم تبن؟ هل أنت مولود من الله، أم أنك لا تزال خاطئ مسكين في خطاياك، رغم أنك مُتَديِّن بالاعتراف العَلَني؟ إذا لم تكن قد وُلدت من الله، ولم تغتسل بدم ابن الله، ولم تقبل الروح القدس ـ فمهما كان ما تفكره عن نفسك، ومهما كان ما يفكره أي شخص آخر عنك، فإن حالتك الحقيقية ومصيرك المستقبل موصوفان هنا «وأما التبن فيحرقه بنار لا تُطفأ». إنه حق خطير للخطاة غير التائبين.

و. ت. ب. ولستون