«أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ
لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي» (مز23: 4)
إننا نعبر في برية طابعها العام هو الألم، والرحلة مع أنها قصيرة فهي عَبْر وادي البكاء، وكلنا نذرف الدموع ونتجرَّع الألم بسبب الظروف المعاكسة التي نواجهها في رحلتنا نحو السماء، خاصة فراق الأحباء. والإشارة الأولى في الكتاب للبكاء ارتبطت بالموت (تك21: 16)، كذلك الإشارة الأخيرة (رؤ21: 4)، ولا شك أنه أصعب صور التجارب.
إننا في غربتنا سنظل نئن ونذرف الدموع إلى أن يأتي الرحيل ويبطُل الأنين، ونقابل الرب في الهواء، ونمكث جواره بلا نحيب. وإلى أن يأتي ذلك الحين فإن الرب هو الرفيق الذي يعزينا ويواسينا ويُجدد عزمنا في المسير.
ويُمكننا أن نحصل على التعزية والتشجيع من خلال قناعات راسخة يتركها الرب في أعماقنا، تلك التي أرساها لنا الكتاب فغيَّرت معاني الموت والحياة عما هو راسخ في أذهان الناس. فعلى سبيل المثال:
مخلصنا قد «أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ» (2تي1: 10).
بمعنى أنه أزال رُعبه ورهبته، ولم يعد له سطوة أو سلطان علينا بعد أن كسر شوكته بقيامته المجيدة، ضامنًا قيامة جميع المؤمنين في لحظة مجيئه. فالموت انتصار وليس انكسار، فنحن نعرف أن به نخلع هذه الخيمة الضعيفة القابلة للفناء، لنلبس مسكنًا سماويًا مجيدًا، بيتًا غير مصنوع بيد أبديًا، عند مجيء المسيح، وبه ننطلق من حيِّز الجسد المحدود لنكون مع المسيح في رحاب المجد.
«الْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ» للمؤمن (في1: 21)،
فبه يستريح من أتعابه، ويضع عصا الترحال لينهي تغربه في العالم، ويستوطن عند الرب في السماء (2كو5: 1). إن الحياة تجعله حبيسًا على الأرض، أما الموت فهو مركبة ستحمله إلى السماء حيث السعادة والهناء والأمان الحقيقي، بعيدًا عما يُعكر أو يُكدر.
المؤمن الذي يرقد فهو يرقد بمشيئة يسوع وتحت إشرافه وبين يديه الحانية «أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي» (مز23: 4).
إنه في تلك اللحظة يرى المسيح وجهًا لوجه، ويرى الملائكة من حوله تحمله في كرامة سماوية إلى المجد، ليظل هناك حيًّا إلى الأبد (لو20: 38)، مع ربوات المفديين الذين سبقوه. فهو لن يشعر بالوحدة أو الوحشة هناك.
الأموات في المسيح سيقومون أولاً عند مجيء الرب،
ونحن نتغيَّر، ونُخطف جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء، وهكذا نكون كل حين مع الرب بلا افتراق بطول الأبدية.
وبهذه القناعات لا نحزن كالباقين الذين لا رجاء لهم