قام العالم ولم يقعد، وأعتقد أنه لن يقعد فيما بعد! وذلك بسب سلسلة من “الفيروسات” اجتاحت العالم في العقد الأخير مثل: “السارس .. إنفلونزا الطيور .. إنفلونزا الخنازير”، وأخيرًا وليس آخرًا هذا الفيروس الجديد الذي هو موضوع هذا المقال. وهو جيل جديد من الفيروسات، يُصنَّف بأنه متوسط الخطورة، ولكن ما يزيد من خطورة هذا الفيروس هو الارتفاع الملحوظ في درجة حرارة الأرض، والتي ستُمكِّنه من التحوير بسهولة فيما بعد، وارتفاع درجة حرارة الأرض في حدِّ ذاته كارثة بيئية جديدة أشار إليها الكتاب .(1)
والخنزير ضمن كل الخليقة التي تئن نتيجة دخول الخطية (رو8: 22)، ويعاني أيضًا من الفيروسات مثله مثل البشر والدواجن بل وسائر الحيوانات. ولقد وقع القصاص على هذا المتهم الذي بحق “لا ناقة له ولا جمل” في كل ما حدث، إلا أنه لعب في بداية الأمر دور وسيط، أستطيع أن أقول إنه لعبه رغمًا عن أنفه، فلقد أُرغم أن يلعب هذا الدور “التوسُّطي”.
والأمر بكل بساطة أن فيروس “إنفلونزا الطيور” انتقل من الطيور إلى الخنازير، كما أن فيروس “إنفلونزا الإنسان” انتقل من الإنسان إلى الخنازير، والخنازير بدورها لديها فيروس الإنفلونزا الخاص بها، فأصبحت الخنازير بذلك هي حلقة الوصل بين ثلاث أنواع مختلفة من الفيروسات، والخطورة كمُنت في أنَّه حدث في داخل الخنزير نوع من التهجين بين الفيروسات الثلاثة، ونتيجة هذا التزاوج خرج إلى حيز الوجود فيروس جديد لم يكن معروفًا للبشرية من قبل، وكأي كائن مُهجَّن هو يجمع الصفات الوراثية للأسلاف فيمكنه أن ينتقل بين البشر، الأمر الذي لم يحدث بسهولة في إنفلونزا الطيور أو إنفلونزا الخنازير باستثناء حالات قليلة - فالفيروسات كائنات متخصصة تنتقل بين الجنس الواحد وليس بين أجناس مختلفة - وهذا الفيروس الجديد، تحمل الصبغة الوراثية له شراسة كلٍّ من فيروس إنفلونزا الطيور وفيروس إنفلونزا الخنازير، فهو حينما يصل إلى الإنسان سيُحدث فشل قاتل في “الدورة التنفسية”، وخاصة أن جهاز المناعة في الإنسان ليس عنده القدرة على المقاومة، لأن هذا الفيروس “فصيلة جديدة”، لم يكوِّن جسم الإنسان أية أجسام مضادة له.
إذًا فقرار القضاء على الخنازير قرار متسرع وغير مسؤول، وهذا ما أعلنته منظمة الصحة الدولية، بل وما أعلنه وزير الصحة المصري نفسه، من أنه لا نفع مطلقًا يعود علينا من قتل الخنازير وإبادتها بهذا الأسلوب العنيف، بل على العكس تمامًا سيُزيد من البطالة وسيزيد من الأزمة الاقتصادية، فالفيروس الشرس الذي ينتقل بين البشر قد خرج إلى حيِّز الوجود، وبتعبير آخر لقد خرج “المارد من قمقمه”، فلا نفع من إغلاق “القمقم”، وسوف أقتبس مقولة أوباما حينما اقترحوا عليه إغلاق الحدود مع المكسيك فقال: “بعد أن انطلقت الخيول إلى حلبة السباق، فلن يُجدي نفعًا إغلاق الإسطبلات”. وبمناسبة ذكر الخيول، فلا أعتقد أن أوباما كان يعلم أنه ينطق بلفظ نبوي، فلقد ذكر التشبيه النبوي ذاته عن الخيول، والذي ورد ذِكره في رؤيا 6: 1-8.
وأودُّ أن أخرج من هذه “الجائحة” الجديدة بدروس نبوية وروحية، فكثير من الإخوة يسألون هل هذه هي الأوبئة التي تكلَّم عنها الرب يسوع في نبوة جبل الزيتون: «وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا لاَ تَرْتَاعُوا لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ كُلُّهَا. وَلَكِنْ لَيْسَ المُنْتَهَى بَعْدُ. لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٍ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٍ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ. وَلَكِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ» (مت24: 6-8)؟ هل نحن وصلنا إلى بداية مرحلة “مبتدأ الأوجاع”؟ أقول بكل يقين إن العالم لم يصل بعد إلى “مبتدأ الأوجاع”، ولكن من الواضح أن الله بدأ في إعداد الخيول التي ستنطلق عمَّا قريب جدًّا في حلبة السباق، فمن سفر الرؤيا نحن نعلم أن الأوبئة يشار إليها بالحصان الرابع: «فَنَظَرْتُ وَإِذَا فَرَسٌ أَخْضَرُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ اسْمُهُ الْمَوْتُ، وَالْهَاوِيَةُ تَتْبَعُهُ، وَأُعْطِيَا سُلْطَانًا عَلَى رُبْعِ الأَرْضِ أَنْ يَقْتُلاَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْمَوْتِ وَبِوُحُوشِ الأَرْضِ» (رؤ6: 8)، ونحن كما رأينا في سلسلة المقالات السابقة عن نظرة إلى الأحداث العالمية أن الله بدأ إعداد كل الخيول التي سيدفع بها عمَّا قريب في حلقة السباق .(2)
ونحن كمؤمنين يجب علينا أن نفهم مخطَّط الله، والأزمنة والأوقات التي جعلها في حساباته (1تس1: 5)، فالكنيسة لن تحضر “مبتدأ الأوجاع”. والخيول المُعدَّة ستكون متتالية في توقيت ظهورها، وعلى الرغم من اعتقادي أن الفترة الزمنية بينها ستكون محدودة جدًّا، فهذا الفيروس إذا أردنا تصنيفه من جهة الترتيب الزمني فإنه يتبع الفرس الرابع؛ الأخضر. وهذا ما يُؤكِّد أننا لم نصل بعد إلى مبتدأ الأوجاع. إن هذا الفيروس لم يُصِب حتى وقت كتابة هذا المقال سوى بضعة آلاف من البشر، وحتى من بين المصابين نسبة الوفيات لم تتجاوز بضعة عشرات أو مئات فقط. ولكن الذي يخفى على كثيرين أن ما يتوقعه الخبراء في علم الفيروسات أن هذا الفيروس “سيتحوَّر” قريبًا جدًّا ربما في خلال شهور قليلة وعلى أبعد تقدير في أعوام معدودة، وهنا سينتُج عنه “جائحة” مرعبة لم يرها العالم من قبل، فالجائحة الأولى من نوع مماثل حدثت عام 1918 ولقد قتلت حوالي 30 إلى 40 مليون من البشر، وهو عدد مماثل لقتلى الحرب العالمية الثانية. ويَعتبر العلماء أن تلك الجائحة هي مجرد الموجة الأولى لسلالة هذا الفيروس الشرس الذي بدأ الآن في الظهور مرة أخرى مُغيِّرًا فقط الغلاف الخارجي له، ونظرًا لتقدم وسائل المواصلات، والتي لم تكن موجودة في عام 1918 فستكون النتيجة الحتمية المرعبة أن الموجة التالية من هذا الفيـروس ستقتل مابين 120 إلى 150 مليون من سكان العالم!! وعندما يحدث هذا فبكل يقين يكون العالم قد بدأ في مبتدأ الأوجاع. يا للفاجعة! إن المتوقَّع في بداية مبتدأ الأوجاع أن يُحصد من البشر 150 مليون نسمة، وعندما نعرف أن هذا ما يُقابل نبويًّا مرحلة الختوم فقط. فماذا ينتظر العالم المسكين في مراحل الأبواق والجامات ؟! (3)
وإن كنا نحن ككنيسة لن نحضر بالطبع تلك الأيام لأن وعد الله لنا: «أَنَا أَيْضًا سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ لِتُجَرِّبَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ» (رؤ3: 10). ولكن سيكون هناك أتقياء على الأرض، هم “البقية التقية”، وهم لهم أيضًا وعود بالحفظ الإلهي في وسط كل هذه الضربات، فكما أن الضربات القديمة وقعت على كل أرض مصر، ولم تقع على بيوت العبرانيين (خر8: 20، 24؛ 9: 4، 26؛ 10: 23). هكذا في الأيام الأخيرة سيحفظ الله مختاريه من تلك الضربات، ويكفي الإشارة فقط إلى مزمور 91، حيث يقول الكتاب: «لأَنَّهُ يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِ، وَمِنَ الْوَبَإِ الْخَطِرِ... يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ أَلْفٌ وَرَبَوَاتٌ عَنْ يَمِينِكَ. إِلَيْكَ لاَ يَقْرُبُ. إِنَّمَا بِعَيْنَيْكَ تَنْظُرُ وَتَرَى مُجَازَاةَ الأَشْرَارِ. لأَنَّكَ قُلْتَ: “أَنْتَ يَا رَبُّ مَلْجَإِي”. جَعَلْتَ الْعَلِيَّ مَسْكَنَكَ لاَ يُلاَقِيكَ شَرٌّ وَلاَ تَدْنُو ضَرْبَةٌ مِنْ خَيْمَتِكَ» (ع3-10). فمن الواضح أن التطبيق النبوي لهذا المزمور هو عن زمان الضيق الذي فيه سيرى المؤمن بعينيه مجازاة الأشرار بسقوط ألوف وربوات البشر من على يمينه ويساره بالضربات التي من ضمنها الفيروسات، ولكنه موعود بالحفظ من المخاطر، حيث يحتمي تحت أجنحة القدير ويتمتع بظل خوافيه.
دعونا في الختام نُعظِّم الرب الذي يجمع كل الخيوط بين يديه، فحتى هذا الفيروس الضئيل الذي هو عبارة عن جزء صغير جدًّا من الخلية، يسيطر عليه، ويتحكَّم فيه، ويسخِّره لخدمة مقاصده وأغراضه، فهو بحق، كما تغنَّى عنه داود في مزموره: «الرَّبُّ فِي السَّمَاءِ كُرْسِيُّهُ» (مز11: 4)، وكما أشار إليه حبقوق في نبوته: «أَمَّا الرَّبُّ فَفِي هَيْكَلِ قُدْسِهِ. فَاسْكُتِي قُدَّامَهُ يَا كُلَّ الأَرْضِ» (حب2: 20)، وكما تكلَّم عنه كاتب العبرانيين: «أَخْضَعْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ» (عب2: 8).
وأيضًا نُعظم الرب حينما نقرأ بإمعان أحداث سفر الرؤيا، ونحن نرى الناس وقد ابتدأت ترتعد فرائصها وترتجف أوصالها ويكاد أن يُغشى عليها من خوف ما سيأتي على المسكونة (لو21)، إذ بذلك نتيقَّن من كل قلوبنا أن الرب «قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ» (مت24: 33), وهكذا نرفع عيوننا نحو السماء مع كل الذين ينتظرون مجيئه قائلين: «آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ» (رؤ22: 20).
مسعد رزيق(1) قد نفرد حديثًا خاصًا عن هذه الظاهرة في مقال لاحق بمشيئة الرب.(2) يمكن للقارئ أن يرجع إلى هذه المقالات في مجلة المراعي الخضراء عددي: نوفمبر 2008؛ ويناير- وفبراير 2009(3) نفهم من سفر الرؤيا (الأصحاحات 6-9، 16) أن الويلات والنكبات التي ستحدث على الأرض ستتوالى بتزامن متتابع مُلخَّصة في: “سبعة ختوم”، و“سبعة أبواق” و“سبعة جامات”.