أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يوليو السنة 2009
معمودية الروح القدس - دراسات عن الروح القدس
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

في الأصحاح الرابع من رسالة أفسس، نجد أن الرب عندما صعد، أعطى عطايا للكنيسة، وأن هذه العطايا كانت «لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح» (أف4: 12). إن رأس الكنيسة هو الذي يعطي هذه العطايا المختلفة، التي يعتبرها ضرورة لجسده على الأرض. إن الذي أمامنا هنا هو الصورة الزمنية للجسد. ومن حقك أن تسأل، ماذا تعني بالصورة الزمنية؟ أنه لم يحدث أبدًا أن وجدت لحظة لم يكن فيها جسد المسيح موجودًا في وحدته، منذ أن كوَّن الروح القدس هذا الجسد في يوم الخمسين، على أن أولئك الذين يُكوِّنون جسد المسيح في يومنا هذا على الأرض، ليسوا هم الذين كوَّنوه في زمان الرسول بولس. على أنه لم يحدث أبدًا في وقت ما، أن جسد المسيح كما يُرى على الأرض في صفته الزمنية، لم يكن كاملاً. والواجب أن يسير في وحدة كما يفعل الجسد الإنساني، بمعنى كونه «جسدًا واحدًا».

لقد أعطى الرب هذه المواهب: الرسل، الأنبياء، المبشرين، الرعاة، والمعلمين، لأجل تكميل وبُنيان جسده. إنه أمر عظيم أن نضع نصب أعيننا أن هذه المواهب أو العطايا تخص الجسد، جسد المسيح. إنها لا تخص جماعة معينة كما يتحدث الناس، وللأسف حتى قديسو الله! كلا! كلا! مثل هذه الفكرة تحمل دينونتها في ذاتها. إن الرب هو رأس الجسد، وقد أعطى عطايا لأجل تكميل جسده، وبالتالي فإن كل خادم للمسيح، وكل موهبة أعطاها يجب أن تُكرس لأجل هذا الجسد.

إن كل الأحكام والتنظيمات الإنسانية الخاصة بوضع خدام المسيح في هذا المكان، أو في تلك المدينة، كما هو الحال اليوم في دائرة الاعتراف المسيحي وتنظيماته، في الحقيقة تعزل الخادم عن سيده، وتؤخر أكثر من كونها تساعد عمل الله. ما أجمل وأكمل كلمة الله، التي تقرر وبصورة قطعية، أن الموهبة يجب أن تكون تحت سيطرة المعطي فقط، لأن الخدمة الحقيقية هي تلك التي تجري وتفيض من المسيح وحده. ليت كل أعضاء جسد المسيح يتعلمون علاقتهم برأسهم، وأيضًا علاقتهم بعضهم مع بعض. هناك عمل للجميع، وكل عضو يحتاج إلى كل الأعضاء. ما فائدة الأربعة الأصابع بدون الإبهام؟

إن ما يوضحه بوجه خاص الأصحاح الثاني عشر من الرسالة الأولى إلى كورنثوس، هو أن كل أعضاء الجسد ضرورية لبعضها البعض.

لكن يوجد وجه آخر، وهو الثالث والأشمل، أعني الوجه الأبدي للحق الخاص بالجسد كما هو موضح في أفسس 1، حيث يصلي الرسول أن المؤمنين يعلموا «ما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين، حسب عمل شدة قوته، الذي عمله في المسيح، إذ أقامه من الأموات، وأجلسه عن يمينه في السماويات، فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة، وكل اسم يُسمى، ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل أيضًا، وأخضع كل شيء تحت قدميه، وإياه جعل رأسًا فوق كل شيء للكنيسة، التي هي جسده، ملء الذي يملأ الكل في الكل» (أف1: 19- 23).

إن الكنيسة هي تكملة المسيح، فالمسيح منظورًا إليه من هذه الوجهة كالرأس والجسد، سوف لا يكون كاملاً بدون كل عضو في تلك الجماعة، التي قد اشتراها بدمه. وأنا أعتقد أن لنا هنا الصورة الأبدية للجسد، لأنها تشمل بوضوح كل قديس في أي زمن، كان عضوًا في ذلك الجسد، والمسيح لن يكون كاملاً بدون ذلك القديس. لذلك نجد في هذا الفصل، أن العلاقة التي لنا مع الرب يسوع كأعضاء جسده، رغم أنها معروفة هنا على الأرض، إلا أنها علاقة أبدية. فنحن سوف لا نكف عن الوجود في تلك العلاقة، رغم أن العروس هي بالأكثر الفكرة المتعلقة بالكنيسة في الأبدية.

ودعوني أكرر، أنه ليس بالإيمان، بل بقبول الروح القدس، تكوَّن جسد المسيح في يوم الخمسين، وأن تلك المعمودية التي حدثت مرة واحدة لا يمكن أن تتكرر أبدًا، رغم أن كل مؤمن جديد يأخذ مكانه في جسد المسيح. إنه منذ يوم الخمسين وحتى الآن، كل شخص وُلِدَ من الله، حينما يقبل غفران خطاياه، يقبل الروح القدس، وبالتالي يُحضَر إلى تلك الوحدة التي تمت بالروح القدس، والتي لا يمكن أن تُكسَر بواسطة الإنسان. إنها وحدة من عمل الروح القدس، وكل مؤمن عند قبوله الروح القدس ينضم بذلك إلى تلك الوحدة. وهكذا لا توجد معمودية جديدة، لكن الروح القدس الذي في يوم الخمسين عمَّد أولاً التلاميذ، لم يَزَل يمكث على الأرض بسُكناه في المؤمن، لأجل راحته الشخصية وفرحه، وهو يضعه في نفس اللحظة في مكانه في جسد المسيح، والذي كما تعلمنا، تكون بواسطته لأننا «جميعنا بروحٍ واحد أيضًا اعتمدنا إلى جسدٍ واحد».

الكنيسة مسكن الله بالروح

ننتقل الآن إلى الصورة الثانية التي تُقدَّم بها الكنيسة وهي «مسكن الله بالروح». لقد تكوَّن الجسد، وفي نفس الوقت تكوَّن مسكن الله، بنزول وسُكنى الروح القدس. وستجدون هذا الحق موضحًا في أفسس 2، ليتنا نتحول إليه. «لأن به لنا كلينا قدومًا في روحٍ واحد إلى الآب. فلستم إذًا بعد غرباء ونُزلاً، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله. مبنيين (هنا نجد البناء) ـ على أساس الرسل والأنبياء، ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية». وأعتقد أننا نفهم أن هؤلاء الأنبياء هم أنبياء العهد الجديد ـ كما هو واضح تمامًا من الأصحاح الرابع من الرسالة، وهم قد أعطوا بواسطة المسيح المرتفع، فهم ليسوا أنبياء العهد القديم. ففي ذلك العهد لم يكن الرسل معروفين، كما أن أنبياء ذلك العهد لم يكن لهم الحق الخاص بالكنيسة، الذي كان حينئذٍ «سرًا مكتومًا في الله» (أف3: 9). نحن مبنيون على أساس الرسل والأنبياء، أي على خدمتهم المكتوبة، التي نجدها في أسفار العهد الجديد. فنحن لنا كتابات الرسل، وأنبياء العهد الجديد، ونحن مبنيون عليها.

إن قلوبنا وأذهاننا، تستريح على ذلك الذي أوصله لنا الروح القدس بواسطة أقلام هؤلاء الكتَّاب. لقد وضعت الكنيسة تدبيريًا في مكانها على الأرض بواسطة خدمتهم. لقد كانوا في الأساس. ولهذا يمكنكم أن تفهموا بسهولة لماذا لا يوجد رسل الآن. لأنه ليست هناك حاجة إليهم. أنا أعرف أن هناك من يدَّعون بأنه ما زال يوجد خلفاء للرسل، لكن ذلك ادعاء خطير لأي إنسان لكي يتبناه، لأنه في رؤيا 2 يقول الرب لملاك كنيسة أفسس «وقد جربت القائلين أنهم رسل وليسوا رسلاً، فوجدتهم كاذبين» (رؤ2: 2). ربما تقول هذه كلمات خطيرة. نعم هي كذلك، ولكنها ليست كلماتي أنا. إنها كلمات الله. نعم، ليس هناك حاجة إلى الرسل الآن، لأن الأساسات قد وضعت بواسطة إعلان الحق الذي أعطاه الله لهم، والذي سجلوه بالروح القدس. إذا كنت تبني بيتًا، فسوف لا تفكر أن تضع أساسًا آخر غير الذي وُضع مرة. وإذا وُضعَ هذا الأساس مرة، فإن الشيء الطبيعي هو المُثابرة في البناء. وهنا يأتي دور المبشرين والمعلمين. إن المبشر يخرج خارجًا ليربح النفس للمسيح، ويُحضرها إلى الكنيسة. وعندما يُحضَر المؤمن إلى الجماعة، فإن الراعي يعتني به ومهتم بأمره، ويعينه في صعوباته، ويعزيه في ضيقاته. ثم يقوم المعلم بتعليمه بواسطة الحق المُعلن في الكلمة.

(يتبع)

و.ت.ب.ولستون