(2) الحياة الأبدية مناخ الأبدية
1- مناخ الملك
إن أهم معاني الحياة الأبدية - كما رأينا - هي أنها حياة الله الأبدي التي لنا وفينا. ولكن لها معنى آخر جميلاًً باعتبارها المناخ الذى سنعيش فيه في الأبدية، ومقدمتها في الملك. فليست فقط لنا وفينا ولكن نحن فيها. وبهذا المعنى هي نصيب كل القديسين كما سنرى.
(1)- الحياة الأبدية ودخول الملكوت:
- إن الحياة الأبدية هي جو الملكوت في الشركة مع الملك. ودعونا نتتبع هذا في كلمة الله. فالوحي يستخدم تعبير الحياة الأبدية ليشير إلى دخول الملكوت، وهو المعنى المستخدم عن الحياة الأبدية في الأناجيل التلخيصية. وبهذا المعنى كانت الحياة الأبدية هي انتظار اليهود.
- وإذا رجعنا إلى نبوة دانيال نراه يتحدث عن مصير الراقدين في تراب الأرض، فيخبرنا أنهم يستيقظون إلى الحياة الأبدية (دا2:12). وهو عين ما ذكره الملك بفمه الكريم في متى 25 عمن ساعدوا وقبلوا اخوته، إذ يقول لهم: «تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم» (مت34:25). وإذا تتبعنا حديث الملك إلى نهاية الإصحاح نجده يضيف «فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية» (مت46:25). وهذا يؤكد أن أحد معاني الحياة الأبدية هو الدخول إلى المُلْك
الحياة الأبدية دخول المُلك
- ودخول المُلْك قد لقبه السيد بنفسه بميراث الحياة الأبدية وذلك في إجابته لبطرس حينما قرر المَلِك أن من ترك بيوتًا أو اخوة أو اخوات أو أبًا أو أمًا أو امرأة أو أولادًا أو حقولاً من أجل اسمه، يأخذ مئة ضعف في هذه الحياة، ويرث الحياة الأبدية. وسيتم هذا في التجديد، في وقت الملك كما حدده المسيح بنفسه (مت27:19-29)، حينما يجلس ابن الإنسان على كرسي مجده.
- وبذات المعنى سؤل الرب مرتين، مرة من فريسي ليجربه (لو25:10)، ومرة من رئيس غني بإخلاص (مر17:10، لو18:18) ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ وكما فهمنا فإنه من الممكن الآن أن نترجم هذا السؤال ماذا أعمل لأرث الملكوت أو ماذا أعمل لأدخل المُلْك؟ ولكن ما معنى أن دخول الملكوت هو الحياة الأبدية؟ هل هو الحصول على نوعية حياة الله، كما هو لمؤمني الكنيسة؟
الإجابة لا.
- فقبل وقوع حبة الحنطة في الأرض وموتها لم يكن ممكنًا لأحد أن يشارك الله في حياته الأبدية. وهذا هو أحد أغراض التجسد. إذ إنه يمكننا الآن أن نشترك في كل ما هو للمسيح كإنسان. فكل الأمجاد التي حصلها في ناسوته يمكن للبشر المساكين أن يشاركوه فيها.
- وليس هذا فقط، بل استلزم إعطاء الحياة الأبدية أن الآب يمجد الابن بطريقة خاصة ليستطيع له المجد أن يعطي حياة أبدية لكل من أعطاه الآب (قارن يو2:17). وواضح أن الحياة الأبدية كنوعية حياة الله هي قاصرة على عطايا الآب للابن ( يو2:17)، وهم مؤمنو الكنيسة (يو24،12،9،6،2:17).
- أضف إلى ذلك أن الحياة الأبدية كنوعية حياة هي وعد أزلي (تي 2:1) من الآب للابن ومؤمنو العهد القديم لا علاقه لهم بالأزل. فسمو الاعلان في العهد القديم لا يرجع إلا إلى تأسيس العالم. فلا عجب أن قال الرب عن المعمدان (أعظم المولودين من بين النساء) إن الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه؛ لأن المعمدان ليس له ذات نوعية حياة الله؛ الحياة الأبدية.
وأما أن دخول الملكوت له معنى الحياة الأبدية فهذا بمفهوم التمتع
والإقامة في مناخ الحياة الأبدية كما سنرى:
(2)- الحياة الأبدية مناخ الملكوت:
- سبق أن أشرنا أن تعبير حياة المدينة أو حياة القرية يستخدم للدلالة على طبيعة ومناخ الحياة الذي نقيم فيه. وهكذا فبالإرتباط بالملكوت فالحياة الأبدية لها معنى المناخ الذي يقيم فيه القديسون. وإذا دققنا النظر في كل الآيات التي تتحدث عن قديسي العهد القديم أو مؤمني الضيقة الذين سيرثون الحياة، نرى أن تعبير الحياة الأبدية يستخدم كحالة أو قل كمناخ يقيمون هم فيه، ولكنها ليست فيهم. فمثلاً في دانيال (3:12) نرى أن تعبير الحياة الأبدية يستخدم بالمفارقة مع الازدراء الأبدي. فالازدراء الأبدي ليس نوعية حياة للأشرار ولكنه الحالة التي سيكونون فيها. وهكذا فالحياة الأبدية ليست نوعية حياة للأبرار ولكنها المناخ حيث المَلِك موجود.
- وهو المعنى ذاته الموجود في متى 25 ”فيمضي الأبرار إلى الحياة الأبدية“. ربما يظن البعض أنها مكان إذ يقول إلى الحياة الأبدية. ولكنها مناخ وحالة أكثر منه مكان، إذ يؤكد الوحي أن الأشرار يمضون إلى العذاب الأبدي وليس إلى جهنم.
مؤمنو العهد القديم ليس لهم حياة أبدية (نوعية حياة الله). لكن هؤلاء المؤمنين لهم حياة أبدية (حالة ومناخ الملك).
- وكما أن رئيس سلطان الهواء قد سمم المناخ فقريبًا جدًا حينما سيملك رئيس الحياة، سيحمل الهواء عبير الحياة الأبدية. ولا بد لنا ولكل القديسين في كل الدهور أن نستنشق حياة أبدية تعويضًا عن السموم التي استنشقناها لا إراديًا. فدعونا ننتظر ذلك الوقت السعيد بصبر، ولنحرص من كل السموم المحيطة بنا، إلى أن نلقى حبيبنا وحياتنا الأبدية.