سفر التكوين الأصحاح الرابع والثلاثون
وفي «شكيم» حاول يعقوب أن يُسكِّن ضميره ببناء مذبح وتقديم ذبائح، ودعا المذبح «إيل إله إسرائيل»، أي أن الله إلهه فقط، وليس إله عائلته! ولكن أ ليس هو مسئولاً عن بيته أيضًا؟ تُرى كيف كان حال بيته آنذاك؟ هذا ما نراه في هذا الأصحاح (تك34) الذي لا يُختم بمذبح، بل بمذبحة!
بعض الملاحظات التي قيلت في مجمع المنيا – ديسمبر 2004
إن خطوة واحدة على طريق الانحراف عن مركزنا قدام الرب، تنتهي بعديد من الخطايا والفضائح والأحزان. وهنا نرى النتائج السيئة لِما يمكن أن يحدث في البيوت وبين الأولاد، عندما يتجه الأب إلى العالم لأجل مصالحه الزمنية ويهمل علاقته مع الله. ولقد استخدم الله كل الظروف التي حول يعقوب لتأديبه وتدريبه «لا تضلوا! الله لا يُشمخ عليه. فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا» (غل6: 7).
وبعد الطوفان، سمح الله بإقامة حكومة الإنسان، وصارت السلطة على الأرض للحاكم. ولكن لما كان الحاكم هو نفسه الإنسان الساقط، لذلك لم يكن منه إلا أنه استخدم سلطانه والسيف الذي بيده في فساده وظلمه، فأصبح طاغيًا. وكان أول هؤلاء الحكام الطغاة هو «نمرود» مؤسس مملكة بابل «الذي كان جبار صيد أمام (ضد) الرب» (تك10: 9). وهكذا تبرهن أيضًا أن حكومة الإنسان لا تصلح كسلطة.
وفي تدبير الآباء، نرى حرص الله على استمرارية وجود سلطة على الأرض، لكنه لم يتركها للضمير ولا للحاكم، لكن أعطاها لرب البيت وخوَّل الله رأس العائلة سلطانًا وجعله مسئولاً أن يمارس هذا السلطان في مخافة الله ولأجل مجده. وعلى الأب المؤمن أن يمثل الله وسط بيته، ومن أجل ذلك يجب عليه أن يأتي باستمرار عند قدمي سيده، ليتعلم في الشركة معه، ماذا ينبغي أن يفعل والكيفية التي بها يفعل.
ولقد كان أول الآباء هو إبراهيم الذي دعاه الله بالنعمة من وسط سلالة مؤسسي بابل المشتتة، وأخرجه من العالم المتمرد على الله. وفي تكوين 18: 17- 19 يقول الرب: «هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله ... لأني عرَّفته لكي يوصي بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب، ليعملوا برًا وعدلاً، لكي يأتي الرب لإبراهيم بما تكلم به». فبعدما تبرهن فشل الإنسان تحت الضمير، وفشل حكومته، أصبح المسئول عن إجراء سلطة الله على الأرض هو كل رب بيت في بيته.
أولاً: أب لا يُمارس سلطانه، وهو يعقوب
الذي لم يكن مُدركًا لمسئولياته أمام الله أولاً، وأمام أسرته ثانيًا. لقد فشل في أخذ مركزه الصحيح، وتخاذل عن القيام بمسئولياته كرأس العائلة. لقد تساهل في تربية أولاده، وترك لهم الحبل على الغارب حتى يفعلوا ما يشاءون. لم يدربهم في طُرُق الرب، ولم يضع أمام ضمائرهم إنذارات الرب. لا نراه مطلقًا يمارس سلطانه عليهم في إطار من المحبة والإعزاز. ولا نعتقد أنه بكى أمام الرب من أجلهم. بل على العكس، لم يكن منصفًا بين زوجاته وأولاده؛ كما رأينا في الأصحاح السابق
وعندما سمع يعقوب بما حدث لابنته الوحيدة، التي لم تَعُد إلى بيته إلا بعد عدة أيام (تك34: 17، 26)، بدا عاجزًا على التصرف واتخاذ قرار. وليس ذلك فقط، لكنه أيضًا ترك سلطة إدارة شئون البيت واتخاذ القرارات لأولاده. وهنا قدم بنو يعقوب مشروعهم الخبيث لختان كل ذكر من أهل المدينة (تك34: 5، 7، 13).
ثانيًا: أب يسيء استعمال سلطانه، وهو حمور، رئيس الأرض، وأبو شكيم،
الشاب الذي أخذ دينة ابنة يعقوب واضطجع معها وأذلها، ثم قال لأبيه «خُذ لي هذه الصبية زوجة» (ع4). فخرج حمور أبو شكيم ليتكلم مع أولاد يعقوب قائلاً: «شكيم ابني قد تعلقت نفسه بابنتكم. أعطوه إياها زوجة وصاهرونا» (ع8). لقد عكس ذلك الشاب الأحمق ترتيب الله، وتركه أبوه لهوى نفسه، ولم يغضبه قط، ولم يَقُل له لماذا فعلت هكذا؟! بل إنه يذهب إلى يعقوب وأولاده لتسوية المسألة وتقديم عرض الزواج ليأخذ ابنه الصبية التي أرادها. وكان هو وابنه مستعدان للدفع مهما ارتفع الثمن! (ع8- 11).
إن سلطة وهيبة الأب في بيته وعلى أولاده، لا يمكن أن تُمارس إلا في الخضوع لله الذي منحها. وهكذا بالاتكال المستمر المتواصل على الرب والسير يوميًا معه، بهذا وحده يستطيع الإنسان أن يسوس بيته بالحق. وهو ما لم يفعله يعقوب!!