أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد سبتمبر السنة 2018
وَيْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ!
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ ... وَيْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هَذَا الْمَوْتِ؟ أَشْكُرُ اللهَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا!» (رو٧: ١٨، ٢٤، ٢٥)

المؤمن في رومية ٧ كان قد اختبر مسرات العالم غير المُشبعة وقت أن كان بعيدًا عن المسيح، أما الآن فقد أدار ظهره إلى العالم، موليًا وجهه شطر الآب، إلا أنه لا يزال يشعر بالحزن والاحباط، وما زال البؤس يزداد بداخله حتى ينفجر صارخًا: «وَيْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي؟». هذه حالة شخص عرف الرب يسوع كرجاء نفسه؛ شخص وُلد من الله، ومع ذلك لم يختبر العتق. والآب بصبر يسمح له أن يشعر بشره الطافح في داخله حتى يحول النظر عن داخله تمامًا إلى المسيح كمُخلِّصه – ليس فقط من الذنب والعقاب – ولكن أيضًا «مِنْ جَسَدِ هَذَا الْمَوْتِ». فالذي يزعجه ليس الآثام، بل الخطية الساكنة فيه. وهو ينزعج لذلك بالأحرى لأن ضميره قد استيقظ.

ولحل هذه المشكلة نقول أولاً إن الآب في محبته قد رتب خلاصًا تامًا للنفس ليس من أشكال الآثام فحسب، بل لمشكلة الخطية الأصلية. وهو شيئًا فشيئًا سيستحضر النفس لخلاص كامل من الجسد المائت. وهكذا تختبر النفس خلاصًا حاضرًا تامًا على أساس النعمة، يكون بمثابة عربون للبركات التي تتبع في المجد. أي لا تلبث النفس أن تتمتع بالتحرير الكامل. هذا التحرير من نصيب الإنسان الداخلي لا الخارجي. ومن ثم يقرر الرسول بولس «إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (رو٨: ١)، ذلك لأن المؤمن يتطلع الآن إلى الرب يسوع، ويستريح عليه، ويوجد فيه وحده.

هذه – في عجالة – الإجابة على اعتراف النفس ببؤسها وصراخها وتتطلعها إلى مُخلِّص. إنها نفس اختبرت الإحياء، ولكنها تتطلع لا إلى غفران الخطايا، بل إلى مُخلِّص من الإنسان العتيق، وما زالت تبحث حتى تجده في آخر؛ الذي هو المسيح. كلي