إن المسح بالدهن هو جزء رئيسي مُكَمِل لتتويج ملوك إسرائيل. وفي مسح أول ملكين في إسرائيل نتعلَّم دروسًا في غاية الأهمية. وهذا ما سنتأمل فيه بمعونة الرب في السطور التالية:
شاول ... رجل اختيار الشعب
(اقرأ من فضلك ١صم١٦: ١-١٣)
إن مسح داود ملكًا على إسرائيل هو رمز عجيب لمسح ربنا المبارك حينما كان هنا على الأرض. وهو يقدم لنا بعض الدروس الهامة ليومنا هذا.
لقد سبق وجاء الشعب إلى صموئيل قاضي إسرائيل قائلين: «اجْعَلْ لَنَا مَلِكًا يَقْضِي لَنَا كَسَائِرِ الشُّعُوبِ» (١صم٨: ٤). ونحن أيضًا أحيانًا نكون غير راضيين بنصيبنا في الحياة، ونريد أن نكون مثل الآخرين الذين حولنا. على أي حال علينا أن نحرص أن يكون ما نقوله هو في توافق مع فكر الرب ومشيئته كما هو معلن في كلمته. لكن هذا الطلب من الشعب ساء في عيني صموئيل، وقد صلى إلى الرب من أجله، وتلقى الإجابة: «فَقَالَ الرَّبُّ لِصَمُوئِيلَ: اسْمَعْ لِصَوْتِ الشَّعْبِ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَ لَكَ. لأَنَّهُمْ لَمْ يَرْفُضُوكَ أَنْتَ بَلْ إِيَّايَ رَفَضُوا حَتَّى لاَ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ» (ع٧).
وبعد التحذير الواضح من الله بواسطة صموئيل بالنسبة لنوعية الملك الذي سيختارونه، رفض الشعب أن يطيعوا صوت صموئيل، قائلين: «لاَ بَلْ يَكُونُ عَلَيْنَا مَلِكٌ» (ع١٩). وهذا ما يحدث أحيانًا معنا حيث تقودنا قلوبنا لنتبع طريقنا الخاص رغم التوجيهات الواضحة والإرشاد من الرب في كلمته.
وقد أخبر الرب صموئيل أنه سيُرسل إليه رجلاً من بنيامين في اليوم التالي، وطلب منه أن يمسحه رئيسًا أو حاكمًا للشعب (١صم٩: ١٦). وبواسطة العناية الإلهية، وصل شاول في وقته إلى بيت صموئيل. وقد أخذ صموئيل قنينة الدهن وصبها على رأس شاول وقَبَّلَه، مُخبرًا إياه أن الرب قد مسحه رئيسًا على ميراث الرب (١صم١٠: ١).
وقد برهن شاول حالاً أي نوع من الرجال هو بعصيان الرب: أولاً: قَدَّم ذبيحة لم يكن له الحق أن يقدمها (الذبائح كانت تُقَدَّم بواسطة الكاهن فقط)، ثم استبقى الجيد من غنيمة العمالقة رغم أن الله أمره أن يحرمها جميعها. وبسبب هذه الأفعال التي عَبَّرت عن العصيان، أخبر صموئيل شاول: «مَمْلَكَتُكَ لاَ تَقُومُ. قَدِ انْتَخَبَ الرَّبُّ لِنَفْسِهِ رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِهِ، وَأَمَرَهُ الرَّبُّ أَنْ يَتَرَأَّسَ عَلَى شَعْبِهِ. لأَنَّكَ لَمْ تَحْفَظْ مَا أَمَرَكَ بِهِ الرَّبُّ» (١صم١٣: ١٤). وفيما بعد كان على صموئيل أن يقول لشاول: «هُوَذَا الاِسْتِمَاعُ (الطاعة) أَفْضَلُ مِنَ الذَّبِيحَةِ، وَالإصْغَاءُ أَفْضَلُ مِنْ شَحْمِ الْكِبَاشِ ... لأَنَّكَ رَفَضْتَ كَلاَمَ الرَّبِّ رَفَضَكَ مِنَ الْمُلْكِ» (١صم١٥: ٢٢، ٢٣).
إن شاول الذي هو اختيار الشعب، وهو رمز للإنسان الأول، قد رُفِضَ ووُضع جانبًا لصالح الإنسان الثاني؛ مختار الله «رَجُل حَسَبَ قَلْبِهِ». ونستطيع أن نرى في هذا صورة لاختيار هذا العالم حينما صرخوا: «لَيْسَ هَذَا بَلْ بَارَابَاسَ!» (يو١٨: ٤٠)، وكان بَارَابَاسُ لِصًّا وقاتلاً، وهو رمز للإنسان الأول. أما الرب يسوع، اختيار الله، فهو «الإِنْسَانُ الثَّانِي ... الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ» (١كو١٥: ٤٧).
إن العالم يُعاني الآن نتائج اختياره، وسيستمر في المعاناة حتى يأتي الرب يسوع مرة ثانية. لقد فشل الإنسان الأول، لكن الإنسان الثاني قد تقرر وتثبت من الله فهو ”ابن داود الأعظم“.
داود ... الرجل الذي حسب قلب الله
قال الرب لصموئيل أن يملأ قَرْنَه دُهنًا، وأن يذهب إلى بيت لحم، إلى بيت يَسَّى الْبَيْتَلَحْمِيِّ، حيث رَأَى لِنفسه مَلِكًا من بين بني يسى. وكم نشكر الله لأجل بيت لحم، وذكرها المتكرر في الكتاب المقدس. إن ذكرها مرتبط ببداية قصة النعمة. في الأصحاح العاشر من سفر صموئيل الأول، مسح صموئيل شاول بقنينة دهن. والقنينة شيء سهل الكسر، لذلك فإن مُلك شاول وحكمه لم يستمرا طويلاً بسبب عصيانه. وقد تم القضاء على تلك العائلة. أما داود فقد مُسِحَ بقرن دهن. إن القرن قوي، وليس من السهل كسره، وهو بذلك يُشير إلى أن الله كان مزمعًا أن يُثبت مملكة داود إلى الأبد. وقد جاء ربنا يسوع - كما نعلم – من نسل داود حسب الجسد، حيث نقرأ عنه «لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ، مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هَذَا» (إش٩: ٧).
وقد ارتعد شُيُوخُ بيت لحم عند مجيء صموئيل، سائلين: «أَسَلاَمٌ مَجِيئُكَ؟ فقال صموئيل: «سَلاَمٌ» (١صم١٦: ٤، ٥). وهذا يُذكرنا بولادة الرب يسوع في هذا العالم، آتيًا ليس كديان، لكن كرئيس السلام (إش٩: ٦)، حاملاً معه من السماء كل محبة الله للإنسان.
وحتى هذه اللحظة لم يكن صموئيل مُلِمًا تمامًا بفكر الله ومسشيئته، فقد جاء إلى بيت يسى الذي أحضر بنيه أمامه. وعندما رأى صموئيل ”أَلِيآبَ“ البكر، قال: «إِنَّ أَمَامَ الرَّبِّ مَسِيحَهُ» (١صم١٦: ٦). كان ”أَلِيآبُ“ طويل القامة، مُذكرًا صموئيل بشاول الذي «مِنْ كَتِفِهِ فَمَا فَوْقُ كَانَ أَطْوَلَ مِنْ كُلِّ الشَّعْبِ» (١صم٩: ٢). لكن الرب قال لصموئيل: «لَيْسَ كَمَا يَنْظُرُ الإنْسَانُ. لأَنَّ الإنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَلْبِ» (١صم١٦: ٧). من هذه الكلمات نتعلَّم شيئًا هامًا له فائدة عظيمة لنا في هذه الأيام، وهو أن بواعثنا الداخلية ومشاعرنا، وليس فقط مظهرنا الخارجي وأفعالنا، هي الأكثر أهمية بالنسبة لله.
وقد عَبَّرَ يَسَّى بَنِيهِ السَّبعَةَ أَمَامَ صَمُوئِيلَ، وبالتوافق مع فكر الرب، قال صَمُوئِيلُ لِيَسَّى: «الرَّبُّ لَمْ يَخْتَرْ هَؤُلاَءِ ... هَلْ كَمُلُوا الْغِلْمَانُ؟». فأجاب يَسَّى: «بَقِيَ بَعْدُ الصَّغِيرُ وَهُوَذَا يَرْعَى الْغَنَمَ».
هذا هو أول تعريف لنا بداود، وحتى الآن، لم نُخْبَر باسمه، لكنه من البداية هو صورة للرب يسوع؛ راعي الخراف. إن هذا يُذكرنا بكلمات الرب نفسه «حِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ فِي الْعَالَمِ كُنْتُ أَحْفَظُهُمْ فِي اسْمِكَ. الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي حَفِظْتُهُمْ، وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ» (يو١٧: ١٢). كم هو ثمين أن نعرف أنك – أنت وأنا – كنا عطية محبة الآب للابن، من قبل تأسيس العالم. ونحن محفوظون وفي آمان بقوة الآب والابن!
وهكذا يأتي داود أمامنا كالابن الثامن ليَسَّى. ورقم ثمانية في الكتاب المقدس يتكلَّم عن بداية جديدة (اليوم الثامن يُشير إلى بداية اسبوع جديد)، نظام جديد للأمور بحسب قصد الله. ويا لها من بداية جديدة كانت حينما جاء ربنا يسوع إلى العالم!
وتدبيريًا، فإن الحالة الأبدية توافق اليوم الثامن. أما في الوقت الحاضر فنحن نعيش بين التدبيرين السادس والسابع. والمسيحية ليست تدبيرًا في طرق الله المرتبطة بالزمن. إن طرق الله في الزمن مرتبطة بالأرض. والكنيسة ليست أرضية، لكنها سماوية في أصلها، وصفتها، ونصيبها. أما المُلك الألفي الذي سيأتي قريبًا، فهو التدبير السابع. كما أن الحالة الأبدية - التي سوف لا تنتهي أبدًا – فتقابل اليوم الثامن؛ يوم الله (٢بط٣: ١٢).
ثم نقرأ أن يَسَّى «أَرْسَلَ وَأَتَى بِهِ (بداود)» (ع١٢). وفي المقابل نقرأ عن الله من جهة الرب يسوع أنه «مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ» (عب١: ٦).
ويُوصف داود أنه «أَشْقَرَ مَعَ حَلاَوَةِ الْعَيْنَيْنِ وَحَسَنَ الْمَنْظَرِ» (ع١٢). هذا يُذكرنا بالرب يسوع الذي كُتِبَ عنه «أَنْتَ أَبْرَعُ جَمَالاً مِنْ بَنِي الْبَشَرِ. انْسَكَبَتِ النِّعْمَةُ عَلَى شَفَتَيْكَ، لِذَلِكَ بَارَكَكَ اللهُ إِلَى الأَبَدِ» (مز٤٥: ٢). وقد قال الله لصموئيل: ««قُمِ امْسَحْهُ، لأَنَّ هَذَا هُوَ».
إن معنى اسم ”داود“ هو ”محبوب“. وربنا يسوع هو ”المحبوب“. ففي مستهل خدمته الجهارية، انفتحت له السماء، وسُمِعَ صوت الآب قائلاً: «هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ»، وقد شُوهد الروح القدس نازلاً مثل حمامة وآتيًا عليه (مت٣: ١٦، ١٧). وهذه هي المرة الأولى التي فيها اُستعلن الآب والابن والروح القدس في الكتاب المقدس. إن الحق الخاص باللاهوت كان محتجبًا في أزمنة العهد القديم، لكن الآن قد أُظهر الإعلان الكامل والنهائي عن الله، وهو الحق المُميّز للمسيحية. وقد وُصِفَ ربنا يسوع كابن الله الحبيب (أو المحبوب)، ونحن من خلال النعمة الغنية، وبالإيمان به، يُقال عنا «أَنْعَمَ عَلَيْنَا فِي الْمَحْبُوبِ» (أف١: ٦)، ولنا نفس مكان القرب والإعزاز لقلب الآب، الذي لابنه المحبوب!
ممسوح من الله
أخذ صموئيل قرن الدهن، ومسح داود في وسط إخوته. والقرن – كما سبق ورأينا – يوحي أن مملكته ستثبت. والدهن - في الكتاب المقدس – يرمز للروح القدس. وتحقيقًا للرمز نقرأ: «وَحَلَّ رُوحُ الرَّبِّ عَلَى دَاوُدَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَصَاعِدًا» (١صم١٦: ١٣). وفي العدد السابع من المزمور الخامس والأربعين، المُقتَبس في عبرانيين١: ٩ نقرأ «أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلَهُكَ بِدُهْنِ الاِبْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ رُفَقَائِكَ».
وهناك تأكيد آخر عن مسح الرب يسوع والغرض من مسحه يوضحه بنفسه حينما وقف في مجمع الناصرة مُقتبسًا إشعياء٦١: ١، ٢ قائلاً: «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ». ثم يستمر البشير لوقا قائلاً: «ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ ... وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ. فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هَذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ» (لو٤: ١٨-٢١). وفي بيت كرنيليوس، استطاع بطرس أن يقول: «يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ، الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ» (أع١٠: ٣٨).
أوصاف المسيح
ظل داود في بيت أبيه لفترة. وعندما بَغَتَ روح رَدِيء مِنْ قِبَلِ الرب شاول، اقترح عبيده عليه أن يُفَتِّشُوا عَلَى رَجُلٍ «يُحْسِنُ الضَّرْبَ بِالْعُودِ»، ليُساعد في تهدئة شاول (١صم١٦: ١٦). وكان هناك واحدٌ مِنَ غِلمَانِ شاول يعرف داود، وربما قضى بعض الوقت برفقة داود، وبالتأكيد كان يعرف كثيرًا عن داود. وهذا تشجيع لنا لكي نقضي وقتًا كافيًا في شركة مع ربنا يسوع، حتى يُمكننا أن نعرفه معرفة عميقة يكون لها التأثير الفعال في حياتنا.
هذا العبد تحدث عن سبع أوصاف لداود يمدحه بها أمام شاول (ع١٨). هذه الأوصاف تقدم لنا صورة عجيبة جديرة بالاعتبار لربنا يسوع. وسيكون من المفيد لنا أن نتأمل في كل واحدة منها بالترتيب:
(١) «هُوَذَا قَدْ رَأَيْتُ ابْنًا لِيَسَّى الْبَيْتَلَحْمِيِّ»: إن الرب يسوع ليس فقط من جذع يَسَّى حسب الجسد (إش١١: ١)، بل أيضًا هو ابن الله الوحيد. ففي العدد السابع من المزمور الثاني يقول الله عنه: «أَنْتَ ابْنِي. أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ» (انظر أيضًا عب١: ٥). وفي مزمور٤٥: ٦، ٧ والمُقتَبس في عبرانيين١: ٨ يتكرر ذلك الإعلان عن بنوته «وَأَمَّا عَنْ الاِبْنِ: كُرْسِيُّكَ يَا اللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ». هذه الآيات الكتابية عظيمة الأهمية لأن فيها نجد الله يُخاطب الرب يسوع، كالله في الأزل. إنها تبرهن مساواته في اللاهوت مع الآب والروح القدس. ويوحنا يُميزه باعتباره «اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ» (يو١: ١٨). إن يوحنا يكتب خمس مرات عن الرب ”كالوحيد“ (٤مرات في إنجيله، ومرة في رسالته الأولى). إن الرب يسوع هو الابن الوحيد الفريد الأزلي.
(٢) «يُحْسِنُ الضَّرْبَ (بالعود)»: إن الرب يسوع هو قائد تسبيحات شعبه، وهو بالحقيقة ”إِمَامِ الْمُغَنِّينَ“ «أُخَبِّرُ بِاسْمِكَ إِخْوَتِي، وَفِي وَسَطِ الْكَنِيسَةِ أُسَبِّحُكَ» (مز٢٢: ٢٢؛ عب٢: ١٢).
(٣) «جَبَّارُ بَأْسٍ»: هذا الوصف يتحدث عن شخص غني، شجاع، قدير، قوي، ذي ثروة، وذي فضيلة وشجاعة أدبية. وكل هذا يذكرنا ببوعز الذي قيل عنه إنه «جَبَّارُ بَأْسٍ» (را٢: ١)، والذي صار ولي راعوث وفاديها، وقد كان راغبًا وقادرًا أن يفدي الميراث. ونحن نعرف جيدًا أنه يُعطي صورة جميلة للرب يسوع في كل أوصافه المدونة بأعلاه.
(٤) «رَجُلُ حَرْبٍ»: وهذا يذكرنا على الفور بمعركة داود مع جليات، وبنصرة داود عليه معترفًا بأن «الْحَرْبَ لِلرَّبِّ» (١صم١٧: ٤٧). وفي يوم قريب قادم، سيأتي ربنا يسوع لكي ينتقم من أعدائه، وستتعالى الصرخة في أورشليم: «اِرْفَعْنَ أَيَّتُهَا الأَرْتَاجُ رُؤُوسَكُنَّ، وَارْتَفِعْنَ أَيَّتُهَا الأَبْوَابُ الدَّهْرِيَّاتُ، فَيَدْخُلَ مَلِكُ الْمَجْدِ. مَنْ هُوَ هَذَا مَلِكُ الْمَجْدِ؟ الرَّبُّ الْقَدِيرُ الْجَبَّارُ، الرَّبُّ الْجَبَّارُ فِي الْقِتَالِ! ... رَبُّ الْجُنُودِ هُوَ مَلِكُ الْمَجْدِ» (مز٢٤: ٧-١٠). إن الرب سيدخل المدينة منتصرًا كالشخص «الْجَبَّارُ فِي الْقِتَالِ»، وأيضًا «رَبُّ الْجُنُودِ» مع قديسيه.
(٥) «فَصِيحٌ (أو حكيم في القضايا)»: إنه حكيم في القضايا والمشورة «وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلَهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ» (إش٩: ٦). ونحن قد عَيَّنَنا الله لبركات عتيدة «حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ (أو مشورة) مَشِيئَتِهِ» (أف١: ١١). ونحن جميعًا نحتاج إلى مشورة حكيمة في بعض الأوقات. وكم هو مناسب إذًا أنه في مرحلة متأخرة في تاريخ الكنيسة، وفي الحالة المؤسفة التي لكنيسة لاودكية، أن الرب يقول: «أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَابًا بِيضاً لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ» (رؤ٣: ١٨). إن رغبة الرب هي دائمًا لأجل إغناء شعبه، الآن وفي كل الأبدية.
(٦) «رَجُلٌ جَمِيلٌ»: كان داود جميلاً في مظهره. وفي يوحنا ١٠ نجد أن كلمة ”صالح“ تُترجم أيضًا ”جميل“. وبالنسبة لنا فإن الرب يسوع هو بالحقيقة الراعي الجميل! وحينما كان هنا، كان بالنسبة للعالم «لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ» (إش٥٣: ٢). لكن بالنسبة لنا، وعلى أساس النعمة، نستطيع أن نستخدم كلمات العروس ونقول عنه «حَلْقُهُ حَلاَوَةٌ وَكُلُّهُ مُشْتَهَيَاتٌ. هَذَا حَبِيبِي، وَهَذَا خَلِيلِي، يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ» (نش٥: ١٦).
(٧) «الرَّبُّ مَعَهُ»: هذا أهم العناصر في الأوصاف السبعة التي نتأمل فيها. ففي الأزل، قبل أن يأتي الرب إلى هذا العالم، نقرأ عنه «فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ (مع) اللَّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ» (يو١: ١). إن وجوده الأزلي، وشخصيته المتميزة داخل اللاهوت، ولاهوته الجوهري، كلها رُسمت في ذلك البيان الهام. وعندما وصف يوحنا مجيء الرب في الجسد، قال: «فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ (أو مع) الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا» (١يو١: ٢). وفي تقديم إبراهيم لابنه إسحاق على جبل المريا، نقرأ العبارة التي تكررت مرتين «فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعًا» (تك٢٢: ٦، ٨). هذه الكلمات تذكرنا بالمودة الكاملة التي وُجدت بين الآب والابن، والتي تُعتبر هذه الحادثة صورة لها. إن كلمات ربنا في نهاية طريقه على الأرض ممتلئة بالمعاني «هُوَذَا تَأْتِي سَاعَةٌ، وَقَدْ أَتَتِ الآنَ، تَتَفَرَّقُونَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَاصَّتِهِ، وَتَتْرُكُونَنِي وَحْدِي. وَأَنَا لَسْتُ وَحْدِي لأَنَّ الآبَ مَعِي» (يو١٦: ٣٢). وقد شهد بطرس لهذا الحق نفسه في بيت كرنيليوس «يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ، الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْراً وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ» (أع١٠: ٣٨).
وفي ختام هذه التأملات نستطيع أن نردد كلمات الرسول بولس: «لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أنْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ ... فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا» (كو١: ١٩؛ ٢: ٩).
له كل المجد.