«هُوَذَا أَنَا
أَمَةُ الرَّبِّ.
لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ»
(لو١: ٣٨)
لا شك أن للرب قصدًا في حياتنا، فهو الفخاري الأعظم الذي يُشكل أوانينا. وأعظم قياس للنجاح ليس هو الوعظ والإبهار، بل أن يتصور المسيح فيك مع الزمن. ففي صمتك وكلامك، وصبرك واحتمالك، ومحبتك وعطائك يرى الناس صورة المسيح الذي يحيا فيك، وهذا هو التأثير الذي يبقى عندما يُنسى الوعظ والكلام.
وعلينا أن نُقيِّم الأشياء والأشخاص التقييم الصحيح، ونضع كل شيء في حجمه الحقيقي بمقاييس الله وفي ضوء الأبدية. وعندئذ سنكتشف أن معظم ما كان كبيرًا وله قيمة في عيوننا هنا على الأرض لا قيمة له في السماء، وليس ما يمدحه الناس هو المُزكَّى عند الله. إننا سنترك كل شيء عن قريب وأعمالنا ستُمتحن بالنار، ولن يبقى سوى ما كان حقيقيًا وما عُمل لمجد الرب بدوافع مقدسة وبقوة الروح القدس، وتحت شعار «يَنْبَغِي أَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ».
إن كل يوم يُضيفه الرب لحياتنا هو فرصة جديدة، ربما تكون الأخيرة، لنُعبِّر فيها عن حبنا للرب ونجتهد في خدمته ونعمل إرادته وما يجلب السرور لقلبه. والحياة عبارة عن فرص تأتينا مرة ولا تتكرر، فعلينا أن نفتدي الوقت القصير. وإذا تذكرنا ذلك كل صباح سنبدأ يومنا بتوجه جديد ونطلب معونة لهذا اليوم وقيادة الروح القدس طول اليوم، وعند المساء سنشعر بابتسامة رضاه عن هذا اليوم، وأننا عملنا ما كان يريدنا أن نعمله.
إن الخضوع هو طريق البركة، وهو منهج حياة وليس موقفًا عارضًا، وهو من أصعب الاختبارات، لكنه أثمن شيء في نظر الله. إنه يعني حمل النير وتقبُّل المشيئة الإلهية وكل ما يسمح به بروح الشكر والرضى. إن سمة العالم هي التمرد والعصيان وفعل الإرادة الذاتية المستقلة عن الله. وما أندر من يقول مع المطوبة مريم: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ»، أو من يقول مع المرنم: “سلمتك سيدي نفسي والكيان ... افعل بي ما تشاء .. أنا لك”. أما أروع مثال للخضوع ظهر على الأرض فكان رب المجد طوال حياته وحتى الصليب. فقد كان شعاره: «نَعَمْ أَيُّهَا الآبُ، لأَنْ هَكَذَا صَارَتِ الْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ»، وذلك في أصعب الأوقات. وفي جثسيماني وهو يعتصر ألمًا وحزنًا أمام أهوال الصليب، نسمعه يقول للآب: «لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ»، وأيضًا «الْكَأْسُ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ أَلاَ أَشْرَبُهَا؟». وكلما كان الأمر صعبًا كلما كان الخضوع ثمينًا.