ماذا يعني يوم الخمسين؟
إذ نأتي إلى الأصحاح الثاني من سفر الأعمال نقرأ: «ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معًا بنفس واحدة». ما هو معنى عبارة «يوم الخمسين»؟ لتوضيح الكلمة أرجو منكم أن ترجعوا إلى الأصحاح الثالث والعشرين من سفر اللاويين، هناك نقرأ: «وكلم الرب موسى قائلا:ً كلم بني إسرائيل وقل لهم: متى جئتم إلى الأرض التي أنا أعطيكم وحصدتم حصيدها، تأتون بحزمة أول حصيدكم إلى الكاهن. فيردد الحزمة أمام الرب للرضا عنكم. في غد السبت (أي اليوم الأول من الأسبوع) يرددها الكاهن» (ع9-11). إن هذا الأصحاح (لاويين23) هو أصحاح ممتلئ من الفائدة العميقة، والبركة للمؤمن؛ لأنه يقدم صورة كاملة إلهية، عن طرق الله في النعمة. إنه يعطينا أعياد الرب الهامة المقدسة. وبالتجاوز عن الأول - السبت - الذي يقف بمفرده، سنلاحظ أن أول وأعظم أعياد إسرائيل كان الفصح، وسابع الأعياد كان عيد المظال. وهما يشيران إلى الكفارة والمجد، الفداء والمُلك الألفي، وما بين العيد الأول والسابع نجد عيد الفطير (ع6-8)، ثم قيامة المسيح (ع10-14)، ثم تكوين الكنيسة في يوم الخمسين (ع15-21)، ثم إحياء إسرائيل (ع24،25)، وتوبتهم وقبولهم للمسيا (ع27-32). وإني أعتقد أنه لا يوجد شيء أكثر كمالاً، أو له مثل هذا الجمال الأدبي والتعليمي. أولا:ً دم الحمل، ثم القداسة العملية المؤسسة عليه، فقيامة المسيح وصعوده إلى المجد، ثم نزول الروح القدس في يوم الخمسين، ليكوِّن كنيسة الله؛ ثم بركة المسكين والغريب (ع22)، وبعده إيقاظ إسرائيل ـ توبتهم ورجوعهم القومي، وأخيرًا ظهور المجد وتأسيس ملكوت الرب يسوع. في لاويين 23: 5 نقرأ: «في الشهر الأول، في الرابع عشر من الشهر، بين العشاءين فصح للرب». والفصح هو الأساس لكل ما يتبع، وهو صورة ورمز لموت يسوع. إن الفصح، كما سبق ورأينا حينما كنا نتحدث عن (يوحنا7)، نجد تطبيقه الرمزي في صليب ربنا يسوع المسيح. إن الروح القدس يقول بوضوح في (1كورنثوس 5: 7): «لأن فصحنا أيضًا المسيح قد ذُبح لأجلنا». ذلك هو الأساس لكل معاملات الله معنا. وما هو الأساس لعلاقتنا مع الله؟ موت ابنه. وهنا في الفصح يظهر هذا الأمر بوضوح. ثم هناك «عيد الفطير» الذي يشير إلى القداسة العملية المؤسسة على الفداء، وهي الحالة التي تميِّز كل قديس. حزمة أول الحصيد ثم في (ع 10،11) نجد حقًا رمزيًا عجيبًا آخر. عندما دخل بنو إسرائيل إلى الأرض وحصدوا الحصيد، ماذا كان عليهم أن يفعلوا؟ كان عليهم أن يأتوا بحزمة أول الحصيد إلى الكاهن «فيردد الحزمة أمام الرب للرضا عنكم. في غد السبت يرددها الكاهن». وقد سبق ورأينا أن حزمة أول الحصيد ترمز إلى الرب المقام من الأموات؛ حيث قال الرب نفسه، بعد قيامته من القبر لمريم المجدلية: «اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم» (يو 20: 17). نعم، إن حزمة أول الحصيد الحقيقية هي المسيح المُقام من بين الأموات والصاعد إلى الله، كنموذج للحصاد الذي تأتي به «حبة الحنطة» إذ ماتت. والروح القدس يعطينا أعظم تفسير واضح لهذه العبارة، عندما يقول: «ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات، وصار باكورة الراقدين» (1كو 15: 20). لقد مَلك الموت على الإنسان، لكن وُجد شخص لم يكن للموت أي سلطان عليه، لكنه دخل إلى الموت، ثم قام من الموت باكورة لأولئك الذين رقدوا. لكن علينا أن نتأمل في ”باكورات الحصاد“ الأخرى. لقد قال الرب: «إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير». وفي (لاويين 23: 14) نقرأ «وخبزًا وفريكًا وسويقًا لا تأكلوا إلى هذا اليوم عينه، إلى أن تأتوا بقربان إلهكم». لا يمكن أن تكون هناك إمكانية للحصول على السلام أو الراحة أو التمتع بالبركة الحقيقية أمام الله، إن لم تحصل ليس فقط على اليقين بأن المسيح قد مات لأجلك؛ لكن أيضًا أن المسيح قد قام، وهو موجود أمام الله ومقبول لأجلك. «ثم تحسبون لكم من غد السبت من يوم إتيانكم بحزمة الترديد سبعة أسابيع تكون كاملة. إلى غد السبت السابع تحسبون خمسين يومًا»(ع 16،15). التقدمة الجديدة للرب يوم الخمسين هنا تجد يوم الخمسين (Pentecost). والكلمة اليونانية: Pentecost، تعني: "خمسين". وفي يوم الخمسين كان عليهم أن يقدموا تقدمة جديدة «ثم تقربون تقدمة جديدة للرب». كان على بني إسرائيل أن يقدموا رغيفين خبز ترديد في ذلك اليوم، إن الصورة الرمزية التي نقرأ عنها في لاويين23، نجد تحقيقها في الأصحاح الثاني من سفر الأعمال. في الرمز نقرأ: «من مساكنكم تأتون بخبز ترديد، رغيفين عُشرَين يكونان من دقيق، ويخبزان خميرًا باكورة للرب» (ع17). لكن قد سبق وقرأنا أن ”حزمة الترديد“ كانت هي ”الباكورة“، فكيف يكون هذان الرغيفان المخبوزان ”باكورة“؟ تذكروا أن المسيح وشعبه لهم نفس الحياة التي له الآن، كالشخص المقام، ولهم نفس الطبيعة ونفس المركز ونفس العلاقة أمام الله. وبالمثل كما أن هو له المجد، قَبِلَ الروح القدس كإنسان أولاً، هكذا أيضًا شعبه على أساس الكفارة التي تمت عن طريق موته، يقبلون الروح القدس، كما يعلن لنا الأصحاح الثاني من سفر الأعمال. وعن رغيفي الخبز اللذين يُرَددان، نقرأ: «يكونان من دقيق، ويخبزان خميرًا». أليس عجيبًا أن الخمير، الذي هو على الدوام في الكتاب المقدس رمز لمبدأ الشر المُفسِد، يأتي ذكره هنا؟! ما الذي نتعلمه من هذا؟ لا شك في أن الحق المتضمن في رغيفي الخبز، المقدمان للرب في يوم الخمسين، هو الروح القدس نازلاً؛ لكي يُكوِّن الكنيسة - جماعة الله - ويقدمها أمام الله، في كل قبول عمل الرب يسوع المسيح وشخصه. صحيح أن لنا الغفران الكامل لخطايانا بواسطة اسمه، وأن خطايانا كلها قد غُسِّلت ومُحيت تمامًا في دمه، كما نعلم أننا متبررون بالإيمان باسمه، حيث حمل جميع خطايانا، كما دينت الخطية على الصليب - لكن ليس معنى هذا أنه لا يوجد شر في داخل المؤمن أو الكنيسة. إن كلمة الله تقول: «إن قلنا إنه ليس لنا خطية، نُضل أنفسنا وليس الحق فينا» (1يو 1: 8). لقد غُفرت جميع خطايانا، لكن لا يزال الجسد موجودًا في المؤمن، وهو أمر مُعترف به على الدوام. إن حقيقة كون الجسد (أو الطبيعة الخاطئة) لا يزال موجودًا في المسيحي مُوضح برمز الخمير الذي يعني، كما سبق ولاحظنا، ما هو شرير في الكتاب المقدس. لكن لاحظوا أنه كان مخبوزًا. إن كل امرأة تعرف، أنه إذا وضعت خميرة في الدقيق فإن الخميرة تستمر في عملها حتى يختمر العجين كله. إلى أن تفعل شيئًا بسيطًا، ما هو هذا الشيء؟ تضعه في الفرن وتخبزه، حينئذ يتوقف عمل الخميرة. في هذا نجد تعليمًا عمليًا عظيمًا لأنفسنا؛ لقد دان الله شر الجسد في الصليب، وأبعده عن نظره، شرعيًا بواسطة عمل ابنه. ونحن علينا أن نضع الجسد في حكم الموت، في داخلنا، ولا نعطي له الفرصة. لكى يعمل فينا. وفي العدد الثامن عشر من لاويين23 نقرأ: «وتقربون مع الخبز سبعة خراف صحيحة حولية، وثورًا واحدًا ابن بقر، وكبشين محرقة للرب مع تقدمتها وسكيبها وقود رائحة سرور للرب. وتعملون تيسًا واحدًا من المعز ذبيحة خطية، وخروفين حوليين ذبيحة سلامة». شكرًا لله؛ لأن الشر الذي يرمز إليه الخمير الموجود في الرغيفين، قد قوبل بطريقة إلهية وكاملة بواسطة قيمة ذبيحة الخطية - التي هي رمز لموت المسيح، ذلك الموت الذي ماته لأجلنا. إن موت المخلص الكفاري قد قبله الله، وهذه الكفارة تبرئ المؤمن والكنيسة، من أي إمكانية للاتهام بالجرم. ورغم أن وجود الخطية في الجسد لا يزال معترفًا به في المؤمن، إلا أنه تحت السيطرة. لقد قوبل وجوده بطريقة إلهية كاملة بواسطة ذبيحة الخطية التي قد قدمها المسيح. إذًا، فإن حزمة أول الحصيد والتي ترمز إلى المسيح المُقام، قد قُدمت أمام الرب. وقد قُبِلَ له المجد هناك. أما رغيفا الخبز المخبوزان خميرًا، فليس لديَّ أي شك في أنهما يرمزان إلى الكنيسة، مقبولة في كل قيمة قبول الميسح نفسه. مع ملاحظة أن الكنيسة تتكون من عنصرين هما: اليهود والأمم. اليهود نراهم يدخلون في أعمال2، والأمم في أعمال10. وهذا ما يشير إليه الرغيفان. لكن حينما نتقدم في العهد الجديد نجد ليس رغيفان، بل رغيف واحد (1كو 10: 17)؛ تعبيرًا عن وحدة الكنيسة. وبالارتباط مع الأصحاح 23 من سفر اللاويين، أود أن أشير إلى فقرة جذابة تلفت الأنظار في الرسالة إلى المؤمنين في رومية، حيث يقول الرسول بولس أن النعمة أُعطيت من الله؛ «حتى أكون خادمًا ليسوع المسيح لأجل الأمم، مباشرًا لإنجيل الله ككاهن؛ ليكون قربان الأمم مقبولاً مقدسًا بالروح القدس» (رو 15: 16). في هذه العبارة نجد الارتباط بين «رغيفي الترديد»، ويوم الخمسين واضحًا. إذًا، عيد الخمسين يرمز إلى نزول الروح القدس، آتيًا لكي يُكوِّن ويقدم الكنيسة أمام الله في كل قبول ذلك الشخص المبارك وعمله، الذي مجَّد الله تمامًا؛ بموته، والذي أقامه الله من الموت، وأجلسه عن يمينه في المجد. وإذ ذاك «إياه جعل رأسًا فوق كل شيء للكنيسة، التي هي جسده، ملء الذي يملأ الكل في الكل» (أف1: 23،22). تلك الكنيسة مكونة من الخطاة سواء من اليهود أو الأمم، بعد أن أحياهم بروحه، وغسَّلهم بدمه، وهم الآن يسكن فيهم الروح القدس. إذًا، في أعمال2 نجد يوم الخمسين، اليوم الذي تاق إليه الرب وقد أتى. لقد صعد بعد أن ظهر لمدة أربعين يومًا، ثم قضى التلاميذ عشرة أيام في الصلاة، وعندئذ أتى «موعد الآب» من الإنسان الممجد عن يمين الله الذي أجلسه الله شخصيًا، هناك على أساس العمل الذي به قد مجد الله بلا حدود. وقد صار له الحق بواسطة الفداء في أن يأخذ إلى المجد، جميع أولئك الذين يؤمنون باسمه.