الخلاص هو من صُنع الله وتدبيره «للرب الخلاص» (يونان2: 9). والوحي يدعوه خلاصًا عظيمًا «هذا مقداره» وذلك لأسباب عديدة نتأمل في بعض منها:
أولاً: لأن الذي يذيعه عظيم «ابتدأ الرب بالتكلم به» (عب2: 3). فالناموس تكلم به ملائكة، واليهود قبلوه «بترتيب ملائكة» (أع7: 53). ولكن الله كلَّمنا نحن في ابنه المحبوب الذي هو أرفع من الملائكة بما لا يُقاس، لذلك يجب أن تُعطى لرسالته أهمية عُظمى.
ثانيًا: لأن الذي أكمله عظيم «الذي بعدما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي». فذاك الذي نزل إلى أقسام الأرض السُفلى لكي يتمم خلاصنا، هو الآن في أسمى مكان في السماء. وقد استبدل الصليب بالعرش، وقصبة الاستهزاء بصولجان المُلك والسلطان. فإذا كان العامل عظيمًا بهذا المقدار، كم ينبغي أن يكون العمل عظيمًا!
ثالثًا: لأن الشقاء الذي ينقذ منه شقاء عظيم: وما أقل الذين يعرفون حالتهم الحقيقية في نظر الله! وما أكبر الفرق بين أفكار الإنسان عن نفسه وبين تقرير الله الصادق عن حالته! «لأنك تقول إني أنا غني وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء، ولست تعلم أنك أنت الشقي والبئس وفقير وأعمى وعريان». ولكن شكرًا لله لأن خلاصه العظيم ينقذ من هذه الحالة التعيسة «شاكرين الآب الذي أهّلنا لشركة ميراث القديسين في النور. الذي أنقذنا من سلطان الظلمة، ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته» (رؤ3: 17؛ كو1: 12،13).
رابعًا: لأن الغبطة التي يوصل إليها غبطة عظيمة «فإن المسيح أيضًا تألم مرة واحدة من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة لكي يقربنا إلى الله» (1بط3: 18). ولا يوجد أسمى من هذه الحالة لأن القُرب إلى الله معناه معرفة الله والتمتع بالشركة معه والوجود معه إلى الأبد، وهذه غبطة كاملة.
إذًا ما أحق أن يُدعى خلاص الله خلاصًا عظيمًا. نعم وما أعظمه وما أمجده! إنه خلاص من أعماق جهنم إلى أعالي السماء، ومن الغضب الآتي إلى ثقل المجد الأبدي. فهل خلاص كهذا يُهمَل؟ «كيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصًا هذا مقداره؟».