الفصل الثالث
نعمان يغطس في نهر الأردن(2مل 5: 10ـ 14)
نرى الآن نعمان ينصاع لنصيحة النبي ويغطس سبع مرات في نهر الأردن. على أنه لم يمكث في هذا ”القبر“ بل بالحري خرج منه شخصًا جديدًا. إنه مثال عظيم لنا نحن المسيحيين، ذلك لأننا اختبرنا تجديدًا تامًا بعد أن لبسنا الإنسان الجديد.
أ ـ اذهب واغتسل في الأردن:
لم يجد أليشع ضرورة لأن يتكلم إلى نعمان شخصيًا، وكانت لديه المبررات الكافية ليتصرف هكذا ـ كما سيتضح بعد قليل ـ ذلك لأن نعمان كان عليه أن يضع نفسه. كان ينبغي أن تنكسر كبرياؤه. لذلك، فإن النبي لم يخرج من منزله ليقابله، بل أرسل إليه رسولاً يحمل أمرًا محددًا: «اذهب واغتسل سبع مرات في الأردن» (ع 10). وأضاف الرسول الوعد في نفس الوقت: «فيرجع لحمك إليك وتطهر» نعم .. فقد كان البرص يسبب تآكل جسم الشخص المريض، ولذلك يقول: «فيرجع لحمك إليك».
لم يقبل قائد جيش أرام القوي، الأمر، وفسّره على أنه إهانة شخصية له. لقد كان يتوقع علاجًا مختلفًا تمامًا، وصْفَة معقدة أو شيء من هذا القبيل. قد يكون بعض سحرة بلده قد وصف له مثلها (ع 11). كان نعمان بالتأكيد – من وجهة نظره على الأقل - يستحق معاملة وعلاجًا كريمين. فهو على أي حال لم يكن شخصًا عاديًا، فضلاً عن ذلك، فقد كان بمقدوره أن يكافئ أليشع بسخاء. أما الأمر: «اذهب واغتسل سبع مرات في الأردن»، فهو ليس أمرًا كريمًا. أ لم يكن نهرا دمشق الصافيين المتدفقين أبانه (أو أمانة) وفرفر، أفضل من نهر الأردن الضيق العكر؟ أ لم يكن بمقدوره أن يأخذ حمامًا في منزله؟ هكذا فكَّر نعمان في نفسه. إنه لم يكن يريد أن يخلع ثقته في أنهار دمشق ولا في آلهتها. فهو لم يدرك إلا متأخرًا بأنه لا يوجد إله في كل الأرض إلا في إسرائيل (ع15).
كان على نعمان أن ينزل من مركبته العالية ويخلع ثيابه ويغطس في الأردن. وهكذا تخلى عن كبريائه، ثم أنه، بفعل هذا، لم يستمع فقط لالتماس عبيده، بل أيضًا صادق على أقوال رجل الله .. وهكذا .. أطاع الله
غضب نعمان وشعر بالمهانة العميقة، حيث سُمع صوته يأمر قادة المركبات: للخلف دُر! عودوا من حيث أتينا! وهكذا تحركت القافلة إلى الشمال وانحدرت نزولاً على جبال السامرة. وربما في مكان راحة ليس بالبعيد عن نهر الأردن استجمع عبيد نعمان شجاعتهم وتقدموا إليه بنصيحة (ع 13) وبالإكرام والاحترام اللازمين دَعوه يا أبانا. ثم تقدموا إليه بنصيحة صائبة ومفيدة. لو أن نعمان قد أُمر أن يفعل شيئًا صعبًا، أ لم يكن ليعمله؟ أ لم يكن ليسخّر كل وسيلة ممكنة ليرجع إليه لحمه؟ ثم إن النبي على أي حال لم يُعطهِ سوى أمرًا بسيطًا: «اغتسل واطهر». لماذا إذًا لا يستمع إلى كلمات رجل الله البسيطة هذه؟
ب ـ حياة جديدة في المسيح:
ويُحسب لنعمان أنه أصغى لكلمات مرؤوسيه. وهكذا «فنزل وغطس في الأردن سبع مرات حسب قول رجل الله» (ع 14). وذلك برغم أنه كان صعبًا للغاية أن يتضع إلى هذا الحد أمام عيون عبيده. كان عليه أن ينزل من مركبته العالية ويخلع ثيابه ويغطس في الأردن. وهكذا تخلى عن كبريائه، ثم أنه، بفعل هذا، لم يستمع فقط لالتماس عبيده، بل أيضًا صادق على أقوال رجل الله .. وهكذا .. أطاع الله.
وفي هذا شرح جميل لطريق الخلاص. ينبغي أن نقرِّ بحالتنا الساقطة، وبخطيئتنا، وبرصنا أمام الله. وأن نتخلى أمامه عن كبريائنا وننزل من مركبتنا العالية ـ مركبة الكبرياء والاعتداد بالذات. ينبغي أن نتبع الطريق الذي حدده الله في كلمته. إن العلاج الإلهي هو أن نقرّ بخطايانا وأن نخلع الإنسان العتيق، وأن ننزل إلى نهر الموت. وبكلمات أخرى ينبغي، بالإيمان، أن نَتْحِد أنفسنا مع المسيح الذي مات لأجل خطايانا، هذا وليس ثمة سبيل آخر للخلاص والتطهير وقبول الحياة الجديدة. قال الرب يسوع: «ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي» (يو14: 6).
أطاع نعمان وغطس في الأردن سبع مرات. واسم ”الأردن“ يعني ”الانحدار“ أو ”التدفق إلى أسفل“. ونهر الأردن ينبع من مكان ما بين لبنان وجبل حرمون، ويجري إلى أن يصب في البحر الميت الذي يقع في مستوى أسفل من سطح البحر. وهو في ذلك مثال واضح لموت المسيح، الذي نزل من علياء السماء ولم يعمل لنفسه حسابًا، فأطاع حتى الموت.
والرقم ”سبعة“ يحدثنا عن الكمال. كان على نعمان أن يغطس في الأردن «سبع مرات» كان عليه أن يصل إلى منتهى الاتضاع. نعم، ينبغي ألا يكون ثمة دور للإنسان العتيق. وهكذا دُفنا مع المسيح بالمعمودية واتحدنا معه في شبه موته (رو6: 4، 5). ولكن نعمان لم يمكث في قبر الماء. لقد صعد منه خليقة جديدة «فنزل وغطس في الأردن سبع مرات حسب قول رجل الله، فرجع لحمه كلحم صبي صغير وطهر» (ع 14).
وفي هذا صورة للحياة الجديدة التي قبلناها كمسيحيين. ليس فقط أننا مُتنا مع المسيح، ولكن أيضًا أُقمنا معه إلى حياة جديدة.
جـ ـ بركة سُباعية:
ع 14 يسلِّط الضوء على عدد من البركات المهمة في العهد الجديد. إذًا فنزول نعمان في الأردن تشرح لنا هذه البركات:
1 ـ طهرنا من خطايانا وآثامنا التي لصقت بنا ونجَّستنا في عيني الله القدوس (يو13: 10؛ عب10: 22).
2 ـ خلصنا من قوة الخطية التي دمرتنا واستَشرَت وتغلغلت في كياننا وحياتنا (رو8: 2).
3 ـ وُلدنا ثانية (يو3: 3 – 5).
4 ـ أُحيينا مع المسيح (أف 2: 5؛ كو2: 13).
5 ـ إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت (2كو5: 17؛ تي 3: 5).
6 ـ خلعنا الإنسان العتيق ولبسنا الإنسان الجديد (كو3: 9، 10).
7 ـ من الآن فصاعدًا نستطيع أن نعيش في جدة الحياة (رو6: 4).
وهنا أيضًا يظهر أن الكتاب يتكلم عن تطهير الأبرص لا عن شفائه (إلا نادرًا). وهنا أيضًا نجد أن الخطية تنجسنا في نظر الله الذي عيناه أطهر من أن تنظرا الشر. كان وعد النبي لنعمان إن هو أطاع «... واطهر» (ع 10) ومن ثم نقرأ هنا: «فطهر» (ع 14). وهكذا كل واحد منا آمن بالمسيح هو «طاهر كله» (يو13: 10).
(يُتبَع)