أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مارس السنة 2019
اسم الله في سفر ملاخي
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«حِينَئِذٍ كَلَّمَ مُتَّقُو الرَّبِّ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ، وَالرَّبُّ أَصْغَى وَسَمِعَ، وَكُتِبَ أَمَامَهُ سِفْرُ تَذْكَرَةٍ لِلَّذِينَ اتَّقُوا الرَّبَّ وَلِلْمُفَكِّرِينَ فِي اسْمِهِ» (ملا ٣: ١٦). هذه الآية الجميلة قيلت بصدد نهاية التدبير الخاص بأمة إسرائيل، قبل مجيء الرب يسوع بالجسد ببضع مئات قليلة من السنين. وهي تتطلع إلى مجيء المسيح. وأراد الروح القدس أن يلفت انتباهنا إلى الحقيقة أنه إذا كانت الأمور صعبة ومعاكسة، إلا أنه توجد دائمًا بقية تفكر في اسم الرب. والتفكّر في اسم الرب يتضمن المحبة له، والاهتمام بأموره. وفي العلاقات الطبيعية، فإن التفكّر في أصدقائنا يبعث على السرور. فالمسألة هي رابطة المحبة التي تربطنا بهم. وهكذا الحال هنا. فأولئك الذين يعيشون في عصر مظلم، الذين يسعون ليكونوا حسب الحق أمام الرب، الذين يتفكرون في اسمه، ويتكلمون عنه الواحد مع الآخر، أولئك يتمتعون بالشركة معه في ذلك اليوم. فإذا كنا على المستوى الفردي نُحب الله، فإننا نجد لذتنا في الشركة مع أولئك الذين يُحبونه أيضًا، مُتكلّمين الواحد مع الآخر في علاقة حميمة، مُشجعين أحدنا الآخر، ولا نُقدِّم للآخرين سوى هذا الإله؛ وسنجد حينئذٍ أن الفرح الحقيقي إنما يكمن في التفكر في اسم هذا الإله المجيد. إخوتي الأعزاء: لدينا من الأسباب ما يجعبنا دائمًا نفكر في اسمه.

والآن إذا حللنا أفكارنا في نهاية يومنا، فماذا ستكون؟ مزيج من شتى أنواع التصورات والأهواء والأوهام، تطوف بمخيلتنا. وما أقل تلك الأفكار التي تدور حول الله. بل وما أقل تلك الأفكار المنشغلة بإكرامه. ليت مرغوبنا يكون التفكر في اسم الرب على نحو أكثر إيجابية. وطالما كانت شركتنا معًا، طالما توافرت الظروف التي تُعين على التفكير الصحيح، وتوافرت القوة اللازمة للانفصال عن العالم وأموره، والتي لا تجلب سوى التشويش والكدر. أما في هدوء الاجتماع معًا إلى اسم الرب، مُتفكرين في الله والرب يسوع المسيح، فستنتعش نفوسنا، وتتنقى أذهاننا. فهل بإمكاننا الخروج إلى هذا العالم الكرب الصاخب، وفي الوقت نفسه نفكر في الله بهدوء؟ هذا أمر غير مطابق للواقع، وأشك إن كنا قادرين على القيام به، ولكن حين نكون معًا، نحن الذين نُحب الله والمسيح، فإن روح الله يستطيع أن يسيطر على أفكارنا، ويوجهها. وهذا هو الذي يعني الله. وتفكر كيف أن الله يُسرّ بنا حينئذٍ، حتى أنه يكتب أمامه سفر وسجلات تحوي كلام الذين أعطوا القفا لهذا المشهد الشرير. هذا هو فكر الله تجاه الذين يُحبونه.

إخوتي الأعزاء: نحن أقلية. نسبيًا أتكلَّم. فقليلون هم الذين يتفكرون في الله. وهم الذين يأخذ الله سفر تذكرة بشأنهم. إن الله لا يهتم بكثرة الأغلبية. هو – تبارك اسمه – معني فقط بالمتفكرين في اسمه. ولكن توجد أمور أخرى مكتوبة في سفر آخر مختلف. وفي يوم قادم سيُفتَح هذا السفر الآخر أمام العرش العظيم الأبيض، وكل مَن لم يُفكِر صحيحًا نحو الله وابنه، سيمضي إلى أبدية تعيسة، بدون المسيح (رؤ ٢٠: ١١-١٥). ولكن شكرًا لله الذي أعدَّ سفرًا يُسجَل فيه باستقامة كل ما يسره ويُشبِع قلبه؛ سِفْرُ تَذْكَرَةٍ محفوظ، خاص بالمفكرين في اسمه، والمتكلّمين بعضهم مع بعض، الواحد مع الآخر. إن الترتيب الصحيح هو أن المسيح أولاً ثم الاجتماعات. وأحيانًا لا يتسنى لنا الحضور للاجتماع، إلا أنه كلما أكثرنا من الوجود معًا، كلما حصلنا على معونة أوفر، وتعاظمت بركتنا التي نجنيها لأنفسنا، ومن ثم نتشجع ونتأهل إلى الخروج إلى العالم، مُبشرين بالمسيح. إننا في الشركة المسيحية نحصل على معونة ودعم وقوة.

«وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا، فَتَخْرُجُونَ وَتَنْشَأُونَ كَعُجُولِ الصِّيرَةِ. وَتَدُوسُونَ الأَشْرَارَ لأَنَّهُمْ يَكُونُونَ رَمَاداً تَحْتَ بُطُونِ أَقْدَامِكُمْ يَوْمَ أَفْعَلُ هَذَا، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ» (ملا ٤: ٢، ٣). تتعلق هذه الكلمات حرفيًا بتدبير آخر مختلف عن التدبير الخاص بنا، وشركة مختلفة عن تلك التي لنا. ولكني أود أن أختم بكلمة عن النصرة. فهناك يومٌ رائعٌ قادمٌ. انظر اليوم كيف تُحيط بنا المتاعب والأمراض. كل هذا سيتم شفاؤه. فالبر سيشرق والشفاء في أجنحته. كل شيء سيُوضع في مكانه الصحيح. توجد اضطرابات عديدة اليوم، ولا نستطيع أن نُصححها. وليس حسنًا بالمرة أن ننخرط في السياسة، ولا في أية وسيلة يُدعى أنها لتصحيح العالم الحاضر الشرير، بكل مشاكله وشروره. بل علينا أن ننفصل عنه، مُستودعين إياه بين يدي المسيح القادرتين، وهو كفيل بأن يضع الأمور في نصابها الصحيح. وواجبنا اليوم أن نعيش حياة تُكرم الله، ونجتهد أن نكرز بالمسيح لغير المولودين من الله، ومِن ثم نجذب النفوس خارجًا من هذا العالم الذي يمضي في طريقه إلى الدينونة، ونستحضرهم إلى مناخ يؤَّمِن لهم البركة الأبدية. وشمس البر سيضع الأمور في ترتيبها الصحيح.

إخوتي الأعزاء: إذا أردنا تطبيق هذا الكلام على تعليم العهد الجديد، فسنصل إلى الأمر الذي نتوقعه بشوق: مجيء الرب يسوع المسيح. ننتظر سماع صوت البوق إيذانًا بحلول يوم اليوبيل. ويا له من نفير رائع، وصيحة نصرة مباركة، حين «الرَّبَّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاء ِوَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهَكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ» (١تس ٤: ١٦، ١٧). هذا هو رجاؤنا، وقد يحين في أية لحظة. وتلك هي الخطوة الأولى لوضع الأمور في نصابها الصحيح. فالكنيسة ستُخطَف لتكون مع المسيح، ويأخذ المسيح صولجان السيادة على العالم. وستُطهِر الدينونات المتعاقبة هذه الأرض من كل شر، حتى يؤسس المسيح مُلكه لمجد الله وبركة العالم المسكين. هذا هو رجاؤنا معشر المؤمنين. وهذا هو سر فرحنا وافتخارنا أننا ارتبطنا بهذا الاسم المجيد. وأولئك الخائفون الرب منا، المؤمنون بالرب يسوع المسيح، يتطلعون إلى هذا الحدث برجاء أكيد وشوق شديد، منتظرين بركة نفوسنا.

أختم هذه الرسالة بهذه الملحوظة: “اذكروا ناموس موسى!” دعونا لا ننسى أن كلمة الله هي الدستور الذي يحكم سلوكنا، لا تصورات البشر، ولا أفكار العقلانيين. إن ما يحكمنا هو تطبيق كلمة الله على حياتنا، وما يتبع من توقير لاسم الله. ثم إن مخافة اسم الله، والرغبة في التجاوب معه بالسبح والسجود، هو بمثابة بخور عطر في أنفه. كان هذا بيانًا بموقفنا اليوم: لنا امتياز هائل بالتجاوب مع الله بالطريقة التي يرغبها. فإذا حكمت كلمة الله حياتنا، فإننا – لا ريب - سنجد أنفسنا في حالة مباركة متوافقة مع الاسم الكريم الذي دُعيَّ علينا، لمسرة قلبه، تبارك اسمه.

(تمت)


(تابع ما قبله)

فرانك ولاس