يلذ لنا أن نتامل - على سبيل المفارقة - في مشهدين وداعيين، حدثنا عنهما لوقا الطبيب الحبيب في كتاباته للعزيز ثاوفيلس. يرد الحديث عن المشهد الأول في أعمال 20: 17-38 ، والمشهد الثاني نجده في لوقا 24: 50-52. أولاً: بولس في ميليتس كان بولس في ميناء ميليتس، ومن هناك أرسل واستدعى قسوس كنيسة أفسس، وحدَّثهم حديثاً جميلاً عن خدمته بينهم وتعبه لأجلهم. وفي ختام ذلك الحديث الحلو، جثا الجميع على ركبهم وصلوا. إلا أن ذلك المشهد الوداعي اتسم بطابع الحزن الشديد، إذ يقول الكاتب: «وكان بكاء عظيم من الجميع......متوجعين ولا سيما من الكلمة التي قالها، إنهم لن يروا وجهه أيضًا» (أع 20: 37، 38). ونظرًا لأن بولس هو الإناء الذي استخدمه الرب لاستنارتهم، بالإضافة إلى أنه قضى بينهم وقتًا طويلاً حسب قوله لهم: «متذكرين أني ثلاث سنين، ليلاً ونهارًا، لم أفتر عن أن أنذر بدموع كل واحد» (أع 20: 31)؛ فقد توّلدت لديهم محبة قوية جدًا نحو بولس، من ثم كان وقع العبارة التي قالها بولس: «والآن ها أنا أعلم أنكم لاترون وجهي أيضًا» (أع 20: 25)؛ وقعًا مؤلمًا جدًا، وموجعًا لأبعد الحدود. وإذ علموا أنهم لن يروا وجهه ثانيةً، بكوا بكاءً عظيمًا. ثانيًا: صعود المسيح لقد أخرج الرب تلاميذه من أورشليم إلى بيت عنيا، وهناك «رفع يديه وباركهم، وفيما هو يباركهم، انفرد عنهم، وأُصعِد إلى السماء» (لو 24: 50، 51). ولقد حمل هذا المشهد الوداعي تاثيرًا طيبًا ومباركًا للتلاميذ، فسجل الكاتب رد فعلهم وقال: «فسجدوا، ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم» (لو 24: 52). تُرى ما هي أسباب هذا الفرح؟ بالتأكيد هو أولاً كلام سيدهم المشجع لهم: «وها أنا معكم كل الأيام إلى إنقضاء الدهر» (مت 28: 20). إلا أن هناك سببًا قويًا يكشفه لنا سفر أعمال الرسل، وهو كلام الملاكين: «وقالا أيها الرجال الجليليون: ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؟ إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء، سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء» (أع 1: 11). إذاً لقد بكى قسوس أفسس بكاءً عظيمًا، لأنهم لن يروا ثانية من أحبوه. بينما فرح التلاميذ فرحًا عظيمًا، لأن أمامهم رجاء مجيء سيدهم ثانية من السماء. ونحن بدورنا نشكر الله من أعماق قلوبنا لأن أمامنا رجاءً حيًا، وبقوة هذا الرجاء نحيا، وبدونه ما كان لحياتنا أيّة قيمة. «إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاءٌ في المسيح فإننا أشقى جميع الناس» (1كو 15: 19). لذا يحق لنا أن نبتهج، لأننا سنرى عِيانا وجه حبيبنا، ويلذ لنا أن ننشد قائلين:
وجهًا لوحه سأراه أشدو بملء البهجة |
|
وجهًا لوجه في سماه مُخلصٌ بالنعمة |