تُوّجت قصة حبّ المسيح لنا بالصليب الذي عُلّقَ عليه لمدّة ست ساعات، بسبع عبارات ما أروعها، قطرت من شفتيه. ومن اللافت أنّ العبارات الثلاث الأولى قيلت في ساعات النهار الثلاث الأولى، بينما سُمعت العبارات الأربعة الاخيرة في نهاية الساعات الثلاث التالية، والتي اكتنفتها ظلمة عجيبة دامسة، أرخاها الله على الأرض، عندما كان المسيح وحيدًا يدفع ثمن خطايانا.
إنها آخر وأغلى الكلمات، مطعّمة بالآهات. وكما في الحياة، هكذا في الممات، قدّم سيّدنا الآخرين في حياة اتّسمت بالتضحية وإخلاء الذات. اسمع معي كلمات النعمة التي خرجت في عمق آلام المسيح، من فم لم يعرف إلاّ الحب فأظهر الاهتمام والغفران، الرحمة والحنان، لأنّه يحبّ الإنسان. أرجوك اسمع بتقدير أول تلك العبارات: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لو٢٣: ٣٤).
يسوع المسيح هو الشخص الوحيد الذي لم يفعل خطية، ولم يعرف خطية، ولم تكن فيه خطية، ورغم ذلك فقد وقف العالم كله ضدّه، بل وحُكم عليه بالموت. نراه هنا في غمرة آلامه يُصلّي للآب من أجل أعدائه، ليغفر لهم بعدما عذّبوه ظلمًا وعلّقوه على الصليب دونما ذنبٍ اقترفه.
لقد سامح ذاك البار صالبيه الذين اقترفوا أرهب جريمة في تاريخ البشرية كلها. كان مسمّرًا على الصليب لكن قلبه كان لا يزال جائلاً يطلب لهم الغفران، وفمه ناطق بصلاة لم يُعطلها الألم، ولم تُوقفها عداوة البشر.
قبل سويعات وقف جميع الشعب وقفة رجل واحد، وكانت أصواتهم تجلجل: «دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا» (مت٢٧: ٢٥)، ولو لم يصلّ المسيح لأجلهم هذه الصلاة، لكي تُحسب خطيتهم خطية سهو، لكانوا قد دُمغوا بخطية العمد التي لا تغتفر حسب شريعتهم.
حقًا قيل عنه بروح النبوّة: «أَمَّا أَنَا فَصَلاَةً» (مز١٠٩: ٤)، ولقد تمّم تعاليمه السامية عمليًا، أوليس هو القائل: «صَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ» (مت٥: ٤٤).
بهذه الكلمات فتح المسيح لهم، لي ولك بابًا للغفران الأبدي، فبصليبه أمكن لكل مَن يؤمن به أن ينال باسمه غفران الخطايا ... إنها دعوة شخصية لك فهل تقبلها؟