«فقالت (الحية)، للمرأة: أ حقًا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟» (تك3: 1)
هذا أول سؤال في الكتاب المقدس، وكان من الشيطان مستخدمًا الحية، موجهًا إلى الإنسان الأول، متمثلاً في حواء، وكان غرضه:
1. التشكيك في صدق أقوال الله، وفي محبته للإنسان.
2. أن يفقد الإنسان المكانة التي أعطاها له الله، الذي خلقه على صورته كشبهه، وسلَّطه على جميع أعمال يديه، وباركه (تك1: 26و 27).
لقد أتى الشيطان إلى حواء مستخدمًا الحية. ولماذا الحية؟ لأنها ”أحيل جميع حيوانات البرية“، وهذه صفة تتوافق مع عدو الخير. ولماذا حواء؟ لأنها الإناء الأضعف، والأسهل في الغواية. وكان يجب على حواء أن تدرك الآتي:
1. أن ما حدث هو حيلة من العدو، فهي تعلم أن الحيوانات لا تتكلم.
2. أن صوت المتكلم غريب، وهي لم يسبق لها سوى التعامل مع الله، فلا ينبغي أن تفتح قلبها لذلك الغريب أو تناقشه.
3. أن لا تجاوب الحية على سؤالها لأن:
أ. الله لم يتكلم معها شخصيًا، بل مع آدم (تك2: 16)، فهو أدرى بما يعنيه الله من وصيته له.
ب. لأن آدم الرجل هو رأس المرأة (حسب الترتيب الإلهي)، فكان يجب عند اتخاذ القرار أن تلجأ إليه ليجيب على سؤال المتحدث الغريب.
لكن حواء حينما أجابت على تساؤل الشيطان (تك3: 2)، أخذت مكانًا غير مكانها، وظنت أنها قادرة على الأخذ والعطاء في الكلام، فسقطت في الآتي:
1. أجابت بأن الله أوصى بعدم الأكل لها ولآدم. وإذ أرادت أن تأخذ مكان الأهمية، وفي نظر مَنْ؟ في نظر العدو! كان هذا بداية السقوط.
2. حذفت من أقوال الله لآدم ”تأكل أكلاً“ (تك2: 16)، فلم تستوعب محبة الله ونعمته، ولم تدرك أن مَنْ يحذف من أقوال الله يحذف الله نصيبه من سفر الحياة (رؤ22: 20) – وهذا تقدمًا في السقوط.
3. زادت على أقوال الله، إمعانًا في إبراز أهمية أقواله، ومعرفتها لها، إذ أضافت ”ولا تمساه“ (تك3: 3)، ولم تدرك أن «ناموس الرب كامل» (مز19: 7)، ومَنْ يزيد على كلامه، يزيد الله عليه الضربات (22: 18) ـ وهذا قلب السقوط.
4. غيَّرت في أقوال الله، وبذلك شككت في يقينية أحكامه، إذ أبدلت قوله «موتًا تموت» (تك2: 17)، بقولها «لئلا تموتا» (تك3: 3)، مما يوحي، أن الله لا يعني تمامًا ما يقول- وهذا قمة السقوط.
لكن أحبائي .. هل تحتاج كلمة الله إلى زيادة، أو حذف، أو تبديل، حتى نُجمّلها؟ وهل يحتاج الوحي إلى تفسير، أو تأويل من عندنا، لنعطيه قصدًا آخر، غير الذي قصده الله؟ وقد نتج عن هذا الخطأ عدة أمور:
1. أعطت حواء عدو الخير فرصة لتكذيب قول الله فيما يعنيه من قوله: «موتًا تموت»، إذ كشف الشيطان عن وجهه القبيح، بقوله «لن تموتا» (تك3: 4). وتركها لتتصارع مع نفسها بين الحقيقة والكذب، بعد أن كان أمامها الحق فقط، فرأت الأمور منقلبة، إذ رأت محبة الله عداوة، والثمرة المُحرَّمة مُمتعة ومسرة. وبذلك أصاب العدو بسهمه الهدف الذي قصده، وانقادت إلى الكذب، وسقطت في الخطية
2. انفصل الإنسان عن الله، ومات أدبيًا، إذ تم فيه قول الله «موتًا تموت» لقد انفصل عن الله، إذ سقط في الخطية وحصل التعدي (1يو3: 4).
3. تشوهت صورة الإنسان، التي أوجده الله عليها، إذ خلقه على صورة الله وشبهه، وفقد المقام، ومركز السيادة على الخليقة، إذ فقد سلطانه.
4. فقد الإنسان الثقة في الله فوثق في نفسه، وهذا قاده إلى الثقة في الشيطان، وحسب أن الله عدو له.
5. شعر الإنسان بالخوف من محضر الله، بعد أن كان يترقب مجيئه، فاختبأ منه. لكن إن فشل الإنسان، فالله لا يفشل. لقد جاء الإنسان الثاني، ”الرب من السماء“، وقد أطاع الله ومجده، ولسان حاله: «شريعتك في وسط أحشائي» (مز40: 8). وقد استخدم المكتوب ضد الشيطان حينما أتاه ليجربه، وانتصر عليه (مت4: 1-10).
وعلى مر العصور يواصل الشيطان محاربته لكلمة الله لينال منها، لكن الله ساهر على كلمته ليحفظها من عبث الإنسان. ولقد ثبتت كلمته ضد تيارات النقد والطعن، فلم تصل إليها يد التشويه، فظلت وستظل صامدة مدى الدهر.
عزيزي ... إن عدو الله والإنسان، ما زال يستخدم هذا الأسلوب للتشكيك في صدق أقوال الله، سائلاً بمكر: «أ حقًا قال الله؟»، فلا تتجاوب معه، لئلا ينجح الشيطان فيما يريده، بأن يقصيك عن الله وكلمته، قائدًا إياك إلى السقوط والانفصال عنه و«ليكن الله صادقًا» (رو3: 4).
لنا في كلام الإله الصمد
وليس مزيد على ما وعد |
|
أساس لإيماننا كالجبل
لمَنْ يلجأون إلى المتكَل |