«الحكمة تنادي في الخارج، في الشوارع تعطي صوتها، تدعو في رؤوس الأسواق، في مداخل الأبواب، في المدينة تُبدي كلامها قائلة: إلى متى أيها الجهّال تحبون الجهل، والمستهزئون يسرون بالاستهزاء، والحمقى يبغضون العلم؟ ارجعوا عند توبيخي. هأنذا أفيض لكم روحي. أعلمكم كلماتي» (أم1: 20-23)
****
الحكمة في سفر الأمثال هو الرب يسوع نفسه، الذي صار لنا حكمة من الله وبرًا وقداسةً وفداء (1كو1: 24). وكوننا نستمع إلى صوت الحكمة مُناديًا، فهذا بلا شك صورة لصوت المسيح الذي ينادي بالنعمة لكل إنسان مسكين.
وسنوجز حديثنا في أربع نقاط أساسية كالتالي:
* تنوع أساليب الدعوة * تعدد الأماكن التي قُدمت فيها الدعوة
* النوعيات التي قُدمت لها الدعوة * العطايا والهبات لمن يلبي الدعوة
أولاً: أساليب الدعوة المختلفة
لقد تعددت وتنوعت الأساليب التي قدمت بها الحكمة دعوتها للإنسان المحتاج، إذ يقول الحكيم عنها «تنادي .. تعطي صوتها .. تدعو .. تُبدي كلامًا ..». وهكذا نرى كيف تتعدد الأساليب التي ينادي بها الرب يسوع لكل نفس. وهكذا وصل صوته العذب ـ صوت النعمة الصافي ـ لكل نفس، بما يتناسب مع ظروفها وأحوالها واحتياجاتها. لقد دعا الرب أشخاصًا بكلمة واحدة «اتبعني». لكن هناك آخرين كانوا بحاجة لحديث مطوّل، مثل السامرية عند بئر سوخار (يوحنا4). كما احتاج آخر «زكا» لزيارة في بيته (لوقا19)، واحتاج «نيقوديموس» إلى حديث فردي في هدوء الليل وسكونه (يوحنا3). آخرون تعامل الرب معهم بالمرض والشفاء: «حماة بطرس». وهكذا أوصل الرب يسوع صوت النعمة للكثيرين بالدعوة للراحة من العناء، والخلاص الأبدي من الشقاء. فهل وصلك أيها القارئ العزيز، هذا النداء العذب من ذلك الشخص المُحب؟
عزيزي .. إنه هو وحده الذي يعرف عمق احتياج النفس البشرية، ويقدِّر الفراغ السحيق الذي يهوي بالنفس إلى دوائر اليأس المُميت والإحباط والفشل. فهل تلبي النداء؟!
ثانيًا: تعدد الأماكن التي قدمت فيها الحكمة الدعوة
وهنا نرى نشاط الحكمة ورغبتها في الوصول إلى كل نفس مُستعبدة، وهذا واضح من الكلمات «في الخارج .. في الشوارع .. في رؤوس الأسواق .. في مداخل الأبواب .. في المدينة ..» من هذه الأماكن المتنوعة والمختلفة نتعلم كيف كان الرب يسوع يذهب وراء الضال حتى يجده (لو15). «ففي الخارج» نجد مَنْ لفظهم المجتمع وصاروا مكروهين مثل السامرية (يوحنا4)، والمرأة الخاطئة (لوقا7). لقد ذهب الرب إليهم بنداء النعمة وخلّصهم؛ «وفي الشوارع» نجد مَنْ صاروا فريسة للمُتعة الوقتية المزيفة بمباهج الحياة. «وفي رؤوس الأسواق» نجد الذين طوّحت بهم محبة المال وصاروا لها عبيدًا. أما في مداخل الأبواب (مكان القضاة والشيوخ) نجد مَنْ جذبتهم المناصب وحب الشُهرة واعتلاء الكراسي وغير ذلك من هذه الأمور. وأخيرًا «في المدينة» ذلك المكان الذي يكلمنا عما هو جديد، وهنا نجد الذين جذبهم تعظم المعيشة وأعجبهم ما في العالم من حضارة ورقي.
عزيزي القارئ .. هل لازلت تبحث في العالم عن شيء يشبعك، أم أنك أتيت للمخلص ليملأ نفسك وقلبك شبعًا وسرورًا؟ كن صادقًا وأنت تُجيب، وكن واثقًا وأنت تأتي إلى المخلص الحبيب.
ثالثًا: النوعيات التي قدمت لها الدعوة
رأينا كيف أن الحكمة نوعت في الأسلوب، وأنها اتجهت إلى أماكن مختلفة وكثيرة، وهنا نرى كيف اتجهت إلى نوعيات عديدة من البشر، وهذا واضح من الكلمات «الجهال .. المستهزئون .. الحمقى». ففي "الجهال" نرى الذين لا يخافون الله «قال الجاهل في قلبه ليس إله». وفي المستهزئين نرى تلك الفئة التي تعيش وتسلك ”حسب شهوات أنفسهم“ وينكرون الحقائق والتعاليم (2بط3: 3). أما الحمقى فهم الذين يسعون في طريق ضرر أنفسهم.
عزيزي .. أرجو ألا تكون واحدًا من هؤلاء. وإن كنت منهم، فها صوت الحكمة لك ينادي، فهل تلبي النداء؟
رابعًا: العطايا والهبات لمن يلبي الدعوة
وهنا نصل إلى الهدف من الدعوة، وهو أن يتمتع كل مسكين بعطايا النعمة المجانية «أفيض لكم روحي. أعلمكم كلماتي». هذه العطايا ستكون من نصيب كل مَنْ يلبي النداء. أما أولاً فسيسكن فيه الروح القدس «أفيض لكم روحي». ويقول الرسول: «.. إذ آمنتم خُتمتم بروح الموعد القدوس..» (أف1: 13). وثانيًا: تسكن فيه كلمة المسيح بغنى «أعلمكم كلماتي».
عزيزي القارئ .. ألا تشتاق أن يسكن فيك الروح القدس ليفصلك عن العالم الأثيم الموضوع تحت القضاء والدينونة؟ ألا تشتاق أن تتعلم كلمة الله؟ إنها عطايا مجانية لك إن فتحت قلبك للمخلص، وآمنت بموته الكفاري لأجلك على الصليب. تعال قائلاً له: ”إنني يا رب ألبي النداء، يا مَنْ أجزلت لي العطاء. إنني أعطي ظهري لعالم الفناء، لأتمتع معك بمجد السماء. آمين“.