تقدم لنا الرسالة إلى العبرانيين صورة فريدة عن عظمة ومجد ربنا يسوع، بالأخص بالنسبة لكهنوته الفريد الأبدي. يا له من أمر مشجع أن يكون لنا رئيس كهنة عظيم مثل هذا! فهو بحق كاهننا العظيم بالارتباط بثلاثة احتياجات أساسية :
- أن يصنع كفارة لخطايانا
- أن يرثي لضعفاتنا
- أن يعضد خدمتنا الكهنوتية في الأقداس
رئيس كهنة في علاقته بخطايانا
نحن نعلم أنه فيما يختص بخطايانا فإن المسيح، باعتباره ”رئيس كهنة رحيمًا وأمينًا في ما لله“، قد صنع كفارة لخطايا شعبه (عب 2 : 17). لقد دخل إلى الأقداس بدم نفسه مرة واحدة فوجد فداءً أبديًا. فمع أن ذبائح العهد القديم كان يتكرر تقديمها، كما كان يُدخل بدم الكفارة إلى قدس الأقداس مرة كل سنة (لا 16)، نجد أن عمل المسيح قد أكمل كل شيء مرة واحدة وإلى الأبد.
عندما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه، الذي أكمل عملاً فريدًا بحسب مشورات الآب. وعلى أساس هذا العمل يجلس المسيح الآن عن يمين الله في الأعالي، بينما أُرسل الروح القدس إلينا ليشهد عن هذا الشخص الفريد وأيضًا عن عمله الكامل. ويا له من تأكيد أن نعلم من خلال الإيمان في المسيح، وفي كمال عمله، أنه قد أكملنا إلى الأبد، وطهرنا من كل خطايانا (عب10 : 1 – 18).
رئيس كهنة في علاقته بضعفاتنا
كانت نتيجة موته الكفاري وقيامته المجيدة من الموت، أن المسيح تبوأ مكانته «في يمين عرش العظمة في السماوات، خادمًا للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان" (عب 8 : 1 – 2). إنه الآن هناك يخدم في الأقداس ظاهرًا في محضر الله لأجلنا. وكما كان هارون يحمل أسماء بني إسرائيل على كتفيه وعلى صدره كلما دخل الأقداس ليظهر أمام الله، فإن المسيح الآن يمثلنا في الأعالي ويشفع فينا باستمرار. إنه هنا لا يشفع من أجل خطايانا ولكن من أجل ضعفاتنا، لأن خطايانا قد مُحِيّت إلى الأبد بعمل الفداء. إننا قد تقدسنا بذبيحته مرة واحدة وإلى الأبد، ولذلك فإن العلاقة بين الله كالخالق والديان وبيننا كخليقته قد استردت تمامًا.
هذا هو الجانب الأساسي في الموضوع والذي يختلف عن الجانب العملي المتمثل في العلاقة اليومية بين الله كالآب وبيننا كأبنائه. إن تمتعنا العملي بعلاقتنا بالآب، للأسف، يُعاق بسبب خطايانا، وعندئذ يعمل المسيح كشفيعنا عند الآب (1 يو2 : 1). إن شفاعته عند الآب، مع عمله في قلوبنا وضمائرنا، يقود إلى رد نفوسنا كما هو واضح تمامًا في قصة بطرس المذكورة في الأناجيل (لو 22 : 31؛ يو 21).
ولكن عمل المسيح الحالي كرئيس كهنة أمام الله يتعلق بضعفاتنا، بتقصيراتنا، وباحتياجاتنا باعتبارنا قد صولحنا مع الله مرة واحدة وإلى الأبد على أساس ذبيحته التي أنهت مشكلة خطايانا. هذا العمل الكهنوتي للرب موضح تمامًا في عبرانيين 4 «لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا، بل مجرب في كل شيء مثلنا، بلا خطية. فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة عونًا في حينه» (عب 4 : 15–16).
إن المسيح، كابن الله القدوس الخالي من الخطية، لا يستطيع أن يرثي لخطايانا. لقد جاء ليتألم من أجل خطايانا، وليرفع الخطية بذبيحة نفسه. ولكنه يستطيع أن يرثي لاحتياجاتنا وضعفاتنا كسُياح في طريقنا إلى المجد. إننا، في طريقنا إلى السماء، مُحاطون بجميع أنواع المخاطر، ولذلك فإن سيدنا يعمل باستمرار كرئيس الكهنة العظيم ليقدم العون في وقت الحاجة. إنه يستطيع أن يخلص إلى التمام، وأن يحمينا ويحفظنا، ويُحضرنا سالمين في نهاية سياحتنا، إذ إنه حي في كل حين عن يمين الله ليشفع فينا (عب 7 : 25؛ رو 8 : 34).
رئيس كهنة في علاقته بسجودنا
باعتبار أن المسيح هو رئيس الكهنة السماوي، فهو له دوره الفعال بالارتباط بسجودنا وممارسة كهنوتنا المقدس في محضر الله. نحن لسنا مجرد سائحين محتاجين إلى رئيس كهنة رحيم أثناء عبور هذا العالم، ولكننا أيضًا شعب كهنة نتبع آثار كاهننا العظيم حيث دخل إلى الأقداس. نحن نستطيع أن نرسم أوجه التشابه بيننا وبين الإسرائيليين في البرية : فمن جهة، هم كانوا في طريقهم إلى أرض الموعد، وكانوا في حاجة إلى شفاعة كهنوتية حتى يصلوا إلى هدفهم، ومن جهة أخرى كانوا يستطيعون التقابل مع الله عند باب خيمة الاجتماع وأن يظهروا في محضره ومعهم الذبائح المطلوبة.
كان غرض الله بالنسبة للإسرائيليين أن يكونوا «مملكة كهنة وأمة مقدسة» (خر19 : 6). ولكننا نعلم أن الناموس لا يستطيع أن يُكَمّل شيئًا بسبب ضعف الإنسان، وأن طريق الأقداس لم يُظهر، بل كان - في الواقع - ما زال مُغلقًا (عب 7 : 19؛ 9 : 8). إلا إنه في تدبير النعمة الحالي، أصبح للإنسان حق الدخول إلى محضر الله، وذلك فقط على أساس عمل ربنا يسوع المسيح الكفاري الذي أكمله مرة واحدة وإلى الأبد. وبما أننا أصبحنا مفديين بدم المسيح فقد أصبحت لنا الثقة بالدخول إلى الأقداس بضمير صالح، وأن نتبع خطوات كاهننا العظيم. كما أننا باعتبارنا أولاد الله المقدسين بعمل المسيح والممسوحين بالروح القدس، نحن مدعوون للدخول إلى الأقداس، وللاقتراب إلى الله، وتقديم ذبائح روحية : «فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع، طريقًا كرسه لنا حديثًا حيًا بالحجاب أي جسده، وكاهن عظيم على بيت الله، لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان، مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة أجسادنا بماء نقي» (عب 10 : 19 – 22).
إن المسيح، رئيس الكهنة العظيم، هو رأس عائلة كهنة العهد الجديد، الذين يقتربون إلى الله بذبائح تسبيحاتهم وبخور سجودهم الثمين (رؤ 8 : 3). إنه يقود ويوجه خدماتهم في الأقداس، كما كان يفعل هارون رأس عائلة كهنة العهد القديم وهو يقود خدمات أولاده في بيت الله.
(يتبع)