«يصنع رب الجنود لجميع الشعوب في هذا الجبل وليمة سمائن، وليمة خمر على دردي، سمائن ممخة، دردي مصفى. ويفنى في هذا الجبل وجه النقاب. النقاب الذي على كل اشعوب، والغطاء المغطى به على كل الأمم» (إش25: 6، 7). ***** هذه الآيات وردت في نبوة إشعياء، وهي تصف لنا أفراح الأرض والبشر تحت ملك وسيادة ربنا يسوع المسيح. فالكلام هنا يتصل بآخر آية في ص24، عن ملك ربنا يسوع المسيح في جبل صهيون، وقدام شيوخه مجد. وما ورد بينهما في الآيات الخمس الأولى من ص25 هو بمثابة ترنيمة حمد، بإزاء خلاصه العظيم وملكه الشامل. وأما الآيات موضوع دراستنا فهي تحدثنا عن وليمة المُلك. ونجد في الآيات 6-8 خمس بركات ستتمتع بها جميع الشعوب في زمان ملك المسيح. ويتكرر تعبير ”جميع“ و ”كل“ خمس مرات في هذه الآيات القليلة. وأما البركات الخمس فواحدة منها إيجابية وأربع سلبية. ماذا سيعمل المسيح لكل الشعوب؟ وماذا سيزيل عنهم؟ وأما البركة الإيجابية، فهي الوليمة التي سيصنعها الرب لجميع الشعوب. وهذه الوليمة ليست هي وليمة النعمة التي نتمع نحن بها الآن، حيث عمل الرب ”العشاء العظيم“، وطلب توجيه الدعوة إلى الجميع بدون استناء، (لو 14: 16-23)، بل هي ”وليمة المجد“، بعد انتهاء فترة أناة الله. المجد في جانبة الأرضي لا جانبه السماوي. فوليمة المجد السماوي هي ”عشاء عرس الخروف“ المذكور في رؤيا 19: 6-10. وأما البركات الأربع السلبية فهي نزع النقاب عن وجه جميع الشعوب، صورة لزوال الجهل الأدبي والعمى الروحي، حيث أن إله هذا الدهر أعمى أذهان غير المؤمنين (2كو 4: 4)؛ ووضع نهاية لعدو البشرية الأول أعني الموت؛ ومسح الدموع عن الوجوه؛ وأخيرًا نزع عار شعب الله. يقول النبي: «يصنع رب الجنود لجميع الشعوب في هذا الجبل وليمة». ومن أجزاء أخرى من كلمة الله نتعلم أنه ستكون هناك دينونة لجميع الشعوب قبيل الملك الألفي، وهي التي تسمى دينونة الأحياء (مت25). وستكون النهاية المزدوجة لهذه الدينونة هي النار الأبدية للأشرار، والملكوت الأرضي للأبرار. وبمجرد أن يتم تأسيس الملكوت، فإن الرب سوف يصنع وليمة لكل الشعوب. لن يستثنى شعب واحد، وذلك لأن ملك المسيح العتيد، كما يعلن الكتاب المقدس، لن يكون على أمة معينة، أو شعب دون سواه، بل سيكون لجميع الشعوب (دا7: 14). وسوف يصنع الرب هذه الوليمة في ”هذا الجبل“. وإن كنا قد عرفنا أن الكلام هو استطراد لما ورد في نهاية ص24 حيث يقول النبي: «يَخْجَلُ الْقَمَرُ وَتُخْزَى الشَّمْسُ، لأَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ قَدْ مَلَكَ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ. وَقُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ»، فإنه يمكننا أن نفهم أن هذا الجبل هو ”جبل صهيون“ حيث مقر مُلك ربنا يسوع المسيح. كما يرد في المزمور الثاني: 6 «أما أنا فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي». فلأن المُلك في هذا الجبل (24: 23)، لذا يصنع الرب ”في هذا الجبل“ وليمة. ونحن يمكننا أن نفهم هذا الكلام روحيًا، رغم أنه سيكون هناك طبعًا وفرة مادية، كما تفيض بذلك نبوات العهد القديم. لكن بالإضافة إلى الخير الزمني، فإن هذا الجبل سيحمل بركات روحية لجيمع الشعوب. وقد تكون الآية الأولى في هذه الأقوال صعبة الفهم لدى البعض، حيث يقول النبي: «يصنع رب الجنود لجميع الشعوب في هذا الجبل وليمة سمائن، وليمة خمر على دردي، سمائن ممخة، دردي مصفى». أما ”وليمة السمائن“: فإنها تعني أشياء سمينة. إنها تذكرنا بالتعبير ”كلوا الطيب، ولتتلذذ بالدسم أنفسكم“ (إش 55: 2). وبالنسبة لنا فقد تمتعنا بأفضل ما عند الله، ”ابن محبته“، ولكن في الأرض سيعم الخير الوفير، وسوف يُقدِّم الرب لشعوب الأرض الألفية السمائن. وليس سمائن فقط بل ”سمائن مُمِخَّة“، أي فيها مخ العظام، للتأكيد على الفكر عينه أنها وليمة سمائن، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ولكن بالإضافة إلى ذلك لا يقول: ”وليمة خمر على دردي، دردي مصفي“ والدردي هو ما يتبقى من العنب بعد عصره. وليكتسب الخمر مذاقًا خاصًا، فإن صانع الخمر يبقي الدردي وقتًا طويلاً في العصير، وكل ما تعتق الخمر أكثر، كلما ازدادت قيمته. ثم قبل تقديم الخمر يتم تصفيته من الدردي. ولهذا فإنه يقول هنا: ”دردي مصفى“. والمراد هنا أن رب الجنود في يوم ملكه سيمتع البشر بأشهى المأكولات وأحلى الأشربة.