«وتهرُبونَ في جواءِ جبالي، لأن جواءَ الجبالِ يصلُ إلى آصَلَ. وتهرُبونَ كما هربتُم من الزلزلةِ في أيامِ عُزِّيا ملكِ يهوذا» (زك١٤: ٥)
أيبتَدِعُ الربُّ بدعةً، آمِرًا بواطِنَ الأرضِ، فيهبُطُ إلى أجوافِها الأردياءُ أحياء؟ أيُفاجئُ الربُّ مُتَّقيِهِ بمهربٍ، وهم يلفظونَ آخِرَ زفرةً، فينشقُّ الجبلُ، وإذا بين نصفيِهِ جِواء (سهل)؟ ... فها مفاجئاتُ النجاةِ!
أيحدُثُ اضطرابٌ عظيمٌ مِن قِبَلِ الربِّ، فيُخرِّبُ صفوفَ الأعداءِ؟ أيحدُثُ أن تنقبضَ الدَّراريُ، فتُعدَمُ أنوارُها ومع ذلكَ يكونُ نورٌ في وقتِ المساء؟ ... فها مفاجئاتُ النورِ!
اهربوا ... لتُبصِرْ عيونُكم نورًا ... ولكن هلمَّ انهلوا أيضًا مياهَ شفاءٍ، لم تتعامل مع المريضِ فقط، بل حتى إلى بحرِ الموتِ تحمِلُ الإحياء! ... إنها مفاجئات الحياة!
هذا الإصحاح (زك١٤)، يحكي لنا عن مقاصِدِ اللهِ مِن نحوِ شعبِهِ الأرضي، وقد بَلغَتْ مُجرياتُ أحداثِها النهايةَ. ها جمهورُ أممٍ يجتمِع، ورعبٌ ينتشِر، ولكن بالمقابلةِ، ها رايةٌ لهربِ الناجين ترتفِع، بين نصفي جَبلٍ ينكَسِرُ فنقرأ: «وتهرُبونَ في جواءِ جبالي، لأن جواءَ الجبالِ يصلُ إلى آصَلَ» (ع٥).
ثم نقرأ عن انقباض الدَّراري (كل ما يسطع)، فسيخجَلُ القمَرُ وتُخزى الشمسُ، فلا يكون نورٌ، ولكن بالمقابلةِ، يظهَرُ مَن عِندَه ينبوعُ الحياةِ، وفي نورِهِ يُرى النورُ، مَن سيبِّنُهُ ملكُ الدهور. فنقرأ: «ويكونُ في ذلكَ اليومِ أنه لا يكونُ نورٌ. الدَّراري تنقبضُ ... بل يحدثُ أنه في وقتِ المساءِ يكونُ نورٌ» (ع٦، ٧). ثم نرى الموتَ يدُبُّ كاسحًا صفوفَ الأعداءِ، مِن البعيدين والقريبين، فها لحومٌ وعيونٌ وألسنةٌ تذوب في الذين على أقدامهم واقفين (ع١٢)، ولكن بالمقابلةِ، ها مياهُ الحياةِ تجري، استشفاءً وانتعاشًا بل وحياةً للتائبين، فنقرأ: «ويكونُ في ذلك اليومِ أن مياهًا حيةً تخرجُ مِن أورشليمَ نصفُها إلى البحرِ الشرقي (البحر الميت)، ونصفُها إلى البحرِ الغربي (البحر المتوسط). في الصيفِ وفي الخريفِ تكونُ» (ع٨).
ولكنني يا قارئي، أقِفُ أمامَ هذا العنوان: مفاجئاتُ النجاة، والذي مِن شأنِهِ أن يحمِلَ لنا الإعجابَ والطمأنينةَ المُطلقةَ معًا. في سرد هذا الوعد نقرأ: «وتهرُبونَ كما هربتُم من الزلزلةِ في أيامِ عُزِّيا ...». راح النقُّادُ كعاداتِهم السخيفة، يستنكرون لهذا الوعدِ، قائلين وأيُّ زلزلةٍ هذه، تشطُرُ الجَبَل نصفين، على أن أرض فلسطين ليست هي أرضُ زلازلَ؟ فأغلقَ عليهم الوحيُّ اعتراضَهم، مُذكِّراً إياهم، أنه قديمًا، حدثت زلزلةٌ في أيامِ عُزِّيا، ومنها هرَبَ الشعبُ راجينَ مفاجأةً للنجاةِ. وهذه الحادثة لم ترد في أي سِفرٍ قبلَ ولا آنَ ولا بعدَ حدوثِها، إلا بالتعليقُ عليها في (عا١: ١). وكأنَّها لم تُذكَر في كتاب اللهِ، إلا للردِّ على أولئكَ النُقَّاد!
ولكنِّي يا قارئي، لا أُذكِّر النُقاد، ولكن أتذكَّرُ مع المؤمنين: أليست في هذه البقعةِ، صارت ظلمةٌ على كلِّ الأرض؟ بل والأرضُ تزلزلتْ والصخورُ تشقَّقَتْ والقبورُ تفتَّحت وقام كثيرٌ مِن أجسادِ الراقدين؟ (مت٢٧)، أوليس في هذه البقعةِ، حدثت زلزلةٌ لأن ملاكَ الربِّ نزَلَ من السماءِ ودحرَجَ الحجرَ عن بابِ القبرِ الفارغِ؟ (مت٢٨)، فنُودِيَ بنورٍ للشعبِ والأممِ؟ هي مفاجآتُ النورِ بل ومفاجآتُ النجاةِ بل ومفاجآتُ الحياةِ!