«لَيْتَكُمْ تَصْمُتُونَ صَمْتًا. يَكُونُ ذَلِكَ لَكُمْ حِكْمَةً» (أي١٣: ٥)
عندما نكون في محضرِ محزونين أو متألِّمين، قد نشعر بحاجة لأن نُخفِّف هول المناسبة بكلامٍ نقوله. فنحن نخشى أن نخذلهم إن لم نقل شيئًا. بل إننا قد نُجنِّب أنفسنا المناسبات الحزينة خشية ألاَّ نعرف ما نقول.
وقد مرَّ الأديب ”جو بايلي“ باختبار مرير إذ فقد ثلاثة أبناء. وهاك وصّفَه لنوعين من التعزية تلقَّاهما في غمرة حزنه الشديد: ”جاء أحدهم يُحدِّثني عن معاملات الله، وعن سبب سماحه بحدوث المُصيبة الأليمة، وعن رجاء ما وراء القبر. ظلَّ يتكلَّم باستمرار، قائلاً اُمورًا أعلَمُ أنها حقّ. إلا أنني لم أتأثَّر بشيء، عدا أنّي وددتُ لو يقوم ويذهب. حتى إذا رحل أخيرًا تنفَّستُ الصُّعَداء“.
“ثم جاء آخر وجلس إلى جانبي. لم يقُل كلمة واحدة، ولا سألني أيَّ سؤال، بل جلس قُربي نحو ساعةٍ وأكثر، وكان يُصغي بكل جوارحه عندما أقول أيَّة كلمة، ثم يُجيب باقتضاب. وأخيرًا، صلَّى بكل بساطة ومضى. ولكم تأثَّرتُ، بل تعزَّيتُ! وقد شقَّ عليَّ إنهاؤه الزيارة سريعًا”.
وأيوب اختبر مثل هذه المشاعر. ففي حُزنه، التمس دعمًا صامتًا من أصدقائه، حتى قال: «لَيْتَكُمْ تَصْمُتُونَ صَمْتًا. يَكُونُ ذَلِكَ لَكُمْ حِكْمَةً» (أي١٣: ٥). إلاَّ أنَّه، عوضًا عن ذلك، سئم مِن جرّاء كثرة كلامهم، وقال: «قَدْ سَمِعْتُ كَثِيرًا مِثْلَ هَذَا. مُعَزُّونَ مُتْعِبُونَ كُلُّكُمْ! ... أَنَا أَيْضًا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَكَلَّمَ مِثْلَكُمْ لَوْ كَانَتْ أَنْفُسُكُمْ مَكَانَ نَفْسِي، وَأَنْ أَسْرُدَ عَلَيْكُمْ أَقْوَالاً وَأُنْغِضَ رَأْسِي إِلَيْكُمْ. بَلْ كُنْتُ أُشَدِّدُكُمْ بِفَمِي، وَتَعْزِيَةُ شَفَتَيَّ تُمْسِكُكُمْ» (أي١٦: ٢-٥).
عزيزي: في المرة التالية التي فيها تزور أحدًا في مناسبة حُزن، ليكُن حضورُك فقط خير تعزية له. فصمتٌ في مَحلِّه أفصحُ مِن الكلام.
كلامُ الحُكماء
قد تنفع مجتازًا
أمّا لمَنْ يحتاجُ
فرفقةٌ في صمتٍ
|
|
ودُرَرُ الإرشادْ
في محنةٍ تُضنيهْ
إلى عزاء الروحْ
لربَّما تكفيهْ |