أولاً: انتظار مجيء الرب:
قبل كل شيء يجدر بالمؤمن أن يحيا حياة الانتظار والشوق والتطلع إلى مجيء الرب. هذا هو الرجاء المبارك. ومن الملاحظ أن مجيء الرب في الكتاب المقدس دائمًا يرتبط بنصائح وفوائد عملية.
فهو لم يُعلن لنا لنفتخر بمعلوماتنا، أو لكي تحدث بيننا مجادلات وانقسامات بخصوص تفاصيل هذا الموضوع المهم، بل لتعزيتنا وتشجيعنا على حياة البر وخدمة الرب. ولا أشك في أن بعض المؤمنين في عصور سابقة لم تتوافر لديهم الدراية التي عند كثيرين الآن المتعلّقة بمجيء الرب. ولكن كانت قلوبهم تشتاق لرؤيا الرب، وكانوا يعيشون في انتظار مجيئه. وسأذكر الآن بعض المناسبات التي يُذكر فيها مجيء الرب سواءً للاختطاف كما جاء في ١تسالونيكي ٤: ١٣-١٨ أو ظهوره علنًا حين سيأتي ثانية إلى هذه الأرض كملك الملوك ورب الأرباب. وأرجو من القارئ العزيز أن يراجع هذه الآيات ويتأمل فيها:
(١) يوحنا ١:١٤-٣ إن هذا الوعد «آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ» يُطمئننا لكيلا تضطرب قلوبنا، ويُفرحنا لأنه ”حَيْثُ يَكُونُ هُوَ نكُونُ نَحْنُ أَيْضًا“ ... اطمئنان وفرح!
(٢) ١ كورنثوس ١٥: ٥١-٥٨ وهدف هذا الوعد بقيامة الأموات عديمي فساد، وتغيير أجساد الأحياء الباقين إلى مجيء الرب هو لكي تفيض قلوبنا بالشكر والحمد لله، قائلين: «أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ ... شُكْرًا ِللهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ»، ولكي يحرضنا على أن نكون «رَاسِخِينَ، غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ، مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ».
(٣) ١ تسالونيكي ٤: ١٣-١٨ في هذه الآية ما يعزينا لكي ”لاَ نَحْزَنُ كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ“، بل نعزي بعضنا بعضًا بهذا الرجاء. وكم مرة اقتبسنا هذه الآيات المشجعة والمعزية لفائدة المؤمنين الحزانى بسبب فراق أحبائهم المؤمنين. كما أن هذا الرجاء يملأ قلوبنا بالفرح لأننا ”سنَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ“.
(٤) ١ يوحنا ٣: ٢، ٣ في هذه الآية تحريض لحياة القداسة والطهارة لأنه «إِذَا أُظْهِرَ (المسيح) نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ. وَكُلُّ مَنْ عِنْدَهُ هذَا الرَّجَاءُ بِهِ (أي بالمسيح)، يُطَهِّرُ نَفْسَهُ كَمَا هُوَ طَاهِرٌ».
(٥) ٢ تسالونيكي ١: ٦-١٠ هذه الآية تعلمنا أنه عند استعلان يسوع المسيح، أي ظهوره علنًا حين يأتي ثانية إلى هذه الأرض بمجد عظيم، سيُهلك الذين يضطهدون المؤمنين. وأما المؤمنون فسيعطيهم راحة «مَتَى جَاءَ لِيَتَمَجَّدَ فِي قِدِّيسِيهِ وَيُتَعَجَّبَ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ»، بذلك يشجع المؤمنين على احتمال الاضطهاد.
وفي آخر فصل في الكتاب المقدس أي رؤيا ٢٢، يقول الرب ثلاث مرات: «أَنَا آتِي سَرِيعًا» (ع٧، ١٢، ٢٠)، وفي كل مرة يذكر ناحية عملية تتعلق بمجيئه ثانية. فيقول في عدد ٧ «هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا. طُوبَى لِمَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ»، وبذلك يوجه أنظارنا إلى أهمية معرفة خطته الإلهية وحفظ كلامه. وفي عدد ١٢ يقول: «وَهَا أَنَا آتِي سَرِيعًا وَأُجْرَتِي مَعِي لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ»، وبذلك يشجعنا على الخدمة والعمل الصالح. وأخيرًا في عدد ٢٠ يقول: «نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعًا»، ليكون لهذا صدى في قلوبنا فنقول بشوق: «آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ».
ثانيًا: ونحن ننتظر مجيئه يجب أن ننشغل بخدمته:
فالذي قال: «أَنَا آتِي سَرِيعًا»، قال أيضًا: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (مر١٦: ١٥). فانتظار مجيء الرب لا يعني الكسل، بل يلهب في قلوبنا الرغبة في خدمة الرب. في مثل الوزنات في لوقا ١١:١٩-١٣، قال السيد لعبيده: «تَاجِرُوا حَتَّى آتِيَ»، وهي تُترجم في الإنجليزية هكذا: ”Occupy Till I come“. فنحن ننتظر مجيئه، وفي نفس الوقت ننشغل بخدمته، وهذا امتياز ثمين لنا.
ولكن لكي نعرف مجال الخدمة الذي يريده الرب لنا، علينا أن نكون في شركة معه، لأنه قال لنا: «لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا» (يو١٥: ٥). إذًا علينا أن نثبت فيه كما يثبت الغصن في الكرمة، وأن نواظب على الصلاة ودراسة كلمة الله والتغذي بها. هذا هو ما اتّصف به خدام الرب في جميع الأجيال. فالمسيح هو الذي يفتح لنا مجال الخدمة. ولكننا نحتاج إلى بصيرة روحية لكي نرى الباب الذي يفتحه لنا الرب. وهذه البصيرة الروحية تنتج عن الشركة معه.
وهناك شرط آخر لخدمة الرب، وهو حياة القداسة. إن الرب في نعمته قد يستخدم أصغر إناء وأضعف إناء، لكنه لا يستخدم إناء غير نظيف. لذلك يقول بولس لتلميذه تيموثاوس: «فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هذِهِ، يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدًّا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ» (٢تي ٢: ٢١). فكما أن الرجاء المبارك يُطهرنا، كذلك من يريد أن يخدم الرب عليه أن يتطهر لكي يكون إناء مقدسًا، أي مخصصًا لخدمة الرب.
وبما أن مجيء الرب قد يتم في أي لحظة، علينا أن نكون «مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ» (أف ٥: ١٦)، أي إنها غير مضمونة. وهذا هو ما عبَّر عنه سليمان في سفر الجامعة ١:١٢ «فَاذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ أَيَّامُ الشَّرِّ أَوْ تَجِيءَ السِّنُونَ إِذْ تَقُولُ: لَيْسَ لِي فِيهَا سُرُورٌ»؛ أي قبل أن تأتي الأيام التي فيها لن نستطيع القيام بما نريده في خدمة الرب، وخصوصًا عندما يصيبنا الضعف وتؤثر علينا الشيخوخة. لذلك علينا أن ننهض ونكون غير متكاسلين، بل مكثرين في عمل الرب كل حين. ومهما كانت قدرتنا ضئيلة ومواهبنا قليلة، فلنتذكر أن «كَأْسَ مَاءٍ بَارِدٍ ... لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ» (مت ١٠: ٤٢).
وعلى المؤمن أن يكون دائمًا متيقظًا، فيُراجع الماضي ليتذكر عناية الرب به، وليتعلَّم دروسًا نافعة من معاملات الرب معه. وعليه أن يفحص نفسه بأمانة وإخلاص في ضوء كلمة الله وبروح الصلاة، وأن يطلب من الرب أن يفحصه واثقًا في وعد الرب «أُعَلِّمُكَ وَأُرْشِدُكَ الطَّرِيقَ الَّتِي تَسْلُكُهَا. أَنْصَحُكَ. عَيْنِي عَلَيْكَ» (مز ٣٢: ٨). وبخصوص المستقبل عليه أن يحيا حياة الانتظار لمجيء الرب بشوق قلبي قائلاً: «آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ»، بينما ينتهز كل فرصة لخدمة الرب. هذه هي الحياة المباركة حقًا!