أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
في المجلد الأول (ص١-٩) رأينا المسيح مُقَدَّمًا للشعب، عارضًا عليهم المُلك بشرط توبتهم، وفي هذا المجلد (ص١٠-٢٠)، إذ اتضح رفض الشعب للتوبة والإيمان، فإن الروح القدس انتقل من الحديث عن الملكوت المُقدَّم لإسرائيل، إلى الحديث عن مكتومات منذ تأسيس العالم (ص١٣)، كما تحدث المسيح عن الكنيسة التي كان سيبنيها على شخصه الكريم (ص١٦)، وتحدث أيضًا صراحة عن موته وقيامته. وفي أصحاح ١٠ أرسل الرب رُسُله الاثني عشر إلى إسرائيل عارضًا عليهم الملكوت بشرط التوبة، لكنه في خطاب الإرسالية أشار إلى رفض الأمة له ولرُسُله، فهو كان يعرف النهاية من البداية. في أصحاح ١١ نقرأ عن رفض الشعب للمَلِك، وبالتالي توجَّه المسيح إلى التعابى من كل البشر، واعدًا أن يعطيهم الراحة. وفي أصحاح ١٢ نجد رفض القادة للمَلك، ووقوع الأمة في الخطية التي لا غفران لها. والمسيح أشار إلى آية يونان النبي، ثم في ختام الفصل أعلن أنه ما عاد يعترف بالعلاقات الطبيعية مع الإنسان حسب الجسد. في أصحاح ١٣ تحدث الرب عن أمثال ملكوت السماوات التي اعتبرها مكتومات منذ تأسيس العالم. وفي أصحاح ١٤ قدَّم البشير صورة مُعَبِّرة للعالم في فترة غياب الملك: نجاسة وشراسة الإنسان من جانب، وهياج الشيطان ومناوئته للتلاميذ من الجانب الآخر. وفي أصحاح ١٥ يتحدث عن رفض المسيح لرياء المتدينين، وتجاوبه مع استغاثة الملهوفين. ثم في أصحاح ١٦ يُحذر المسيح من خمير الفريسيين والصدوقيين، ويُقدِّم الإعلان الأول في الوحي عن الكنيسة، كما يهُيئ تلاميذه للحدث الجلل: موته - له المجد - على الصيب. وفي أصحاح ١٧ يُوَضِّح أن الآلام مع المسيح ستنتهي بالأمجاد معه. كما يُظهر المسيح قوته على الشيطان، ثم يعطي دروسًا لتلاميذه في الوداعة، وفي كيفية التصرف في هذا العالم بعد خروجه الوشيك منه بالموت، عندما لا يكون معهم بالجسد. ويواصل تعليمه لتلاميذه في أصحاح ١٨ عن أخلاق بني الملكوت، والصفات التي يجب أن يتحلى بها كل من هو في كنيسة الله. ثم في أصحاح ١٩ يُوَضِّح نظرته السديدة لكل ما له تقدير عند البشر. وأخيرًا في أصحاح ٢٠ يُحدِّثنا البشير عن رحلة المسيح الأخيرة إلى أورشليم حيث كان سيُصلب، وفي اليوم الثالث كان سيقوم. والكتاب في ٦٤٠ صفحة. وسعره ١٣٠ جنيهًا. ومتوافر في مكتبة الإخوة. نشجعك على اقتنائه وقراءته
 
 
عدد مارس السنة 2022
شفاء ابن خادم الملك
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«فَجَاءَ يَسُوعُ أَيْضًا إِلَى قَانَا الْجَلِيلِ، حَيْثُ صَنَعَ الْمَاءَ خَمْرًا. وَكَانَ خَادِمٌ لِلْمَلِكِ ابْنُهُ مَرِيضٌ فِي كَفْرِنَاحُومَ» (ع٤٦).

لماذا كان ينبغي أن يقال لنا أين كان الرب عندما صنع معجزة شفاء ابن خادم الملك؟ ولماذا بعد أن ذكر قَانَا الْجَلِيلِ، أضاف: «حَيْثُ صَنَعَ الْمَاءَ خَمْرًا»؟ ولماذا يقول لنا في آخر عدد من الأصحاح «هَذِهِ أَيْضا آيَةٌ ثَانِيَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ لَمَّا جَاءَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجَلِيلِ»؟ بالتأكيد يتضح لنا أنه علينا أن نضع المعجزتين اللتين صنعهما الرب يوسع في الجليل جنبًا إلى جنب. فالروح القدس يشير أن ثمة علاقة بين الاثنتين، وثمة شيء ما مشترك بينهما. وبتتبع هذه الإشارة، تكشف الدراسة الدقيقة لسرد هاتين المعجزتين حقيقة أن هناك سلسلة من المشابهات الواضحة بينهما:

أولاً: كلتاهما كانتا في اليوم الثالث: في يوحنا ٢: ١ نقرأ «وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَانَ عُرْسٌ فِي قَانَا الْجَلِيلِ»، وفى يوحنا٤: ٤٣ نقرأ، «وَبَعْدَ الْيَوْمَيْنِ خَرَجَ مِنْ هُنَاكَ وَمَضَى إِلَى الْجَلِيلِ».

ثانيًا: عندما أتت مريم إلى المسيح وقالت له: «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ»، انتهرها قائلاً لها: «مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ؟ لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ» (يو٢: ٤). وكذلك عندما سأل خادم الملك المسيح أن ينزل ويشفى غلامه المريض انتهره الرب، قائلاً له: «لاَ تُؤْمِنُونَ إِنْ لَمْ تَرَوْا آيَاتٍ وَعَجَائِبَ» (يو٤: ٤٨).

ثالثًا: في كلتا الحالتين نرى الاستجابة الطائعة ممن أمرهم الرب؛ ففي العرس، قال الرب للخُدَّام: «امْلأُوا الأَجْرَانَ مَاءً. فَمَلأُوهَا إِلَى فَوْقُ» (يو٢: ٧). وعندما قال الرب لخادم الملك: «اذْهَبْ. اِبْنُكَ حَيٌّ»، نقرأ: «فَآمَنَ الرَّجُلُ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي قَالَهَا لَهُ يَسُوعُ، وَذَهَبَ» (يو٤: ٥٠).

رابعًا: في كلتا المعجزتين نرى الكلمة عاملة: في كل من المعجزتين لم يعمل الرب شيئًا. بل تكلم.

خامسًا: في كلتا القصتين يُذكر معرفة الخدام «لَمَّا ذَاقَ رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْمَاءَ الْمُتَحَوِّلَ خَمْرًا، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هِيَ، لكِنَّ الْخُدَّامَ الَّذِينَ كَانُوا قَدِ اسْتَقَوُا الْمَاءَ عَلِمُوا» (يو٣: ٩)، «وَفِيمَا هُوَ نَازِلٌ (خادم الملك) اسْتَقْبَلَهُ عَبِيدُهُ وَأَخْبَرُوهُ قَائِلِينَ: إِنَّ ابْنَكَ حَيٌّ» (يو٤: ٥١).

سادسًا: كانت عاقبة كل من الحالتين هي إيمان شهود المعجزة: في واحدة نقرأ: «فَآمَنَ بِهِ تلاَمِيذُهُ» (يو٢: ١١)؛ أما في الثانية فقيل لنا: «فَآمَنَ هُوَ وَبَيْتُهُ كُلُّهُ» (يو٤: ٥٣).

سابعًا: هناك تطابق متعمد في الطريقة التي يختم بها الراوي القصة: في يوحنا ٢: ١١ قيل لنا: «هَذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ», وفي يوحنا ٤: ٥٤ «هَذِهِ أَيْضًا آيَةٌ ثَانِيَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ لَمَّا جَاءَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجَلِيلِ».

هنا مثال آخر لأهمية مقارنة حدثين موضوعين جنبًا إلى جنب في الكتاب المقدس؛ أحيانًا بهدف المقارنة، وأحيانًا للمفارقة. هنا لدينا مثال للمقارنة بين معجزتين، بالرغم من كونهما منفصلتين زمنيًا وأحداثًا، لكنهما حدثتا في ذات المكان، وهما المعجزتان الوحيدتان المسجلتان في العهد الجديد اللتان صنعتا في قانا الجليل.

«وَكَانَ خَادِمٌ لِلْمَلِكِ ابْنُهُ مَرِيضٌ فِي كَفْرِنَاحُومَ» (ع٤٦). على الأرجح أنه كان موظفًا في بلاط هيرودس؛ أي أنه كان رجلاً ذا حظوة ومكانة وحيثية، وهو ما يتأكد لنا من كونه يمتلك عبيدًا (ع٥١). لكن لا المركز ولا الغنى يعفى أصحابهم من أحزان البشرية المشتركة. كان نعمان السرياني رجلاً عظيمًا، لكنه كان أبرصًا (٢مل٥: ١). وها هنا نجد نبيلاً، لكن ابنه يرقد على حافة الموت. فالأغنياء لهم مشاكلهم، تمامًا كالفقراء. وقاطني القصور ليسوا أفضل كثيرًا من ساكني الأكواخ. ليتحذر المؤمنون من وضع قلوبهم على غنى العالم. وحسنًا قال الأسقف رايل: ”إنها راحة غير يقينية، لكنها هموم أكيدة“. بلا شك أن هذا النبيل قد جرَّب كل علاج يمكن بالمال، لكن المال ليس شديد القدرة. الكثيرون يعطونه أكثر من أهميته الحقيقية! فالمال لا يستطيع شراء السعادة، ولا يمكن أن يضمن الصحة. فهناك الكثير من الأمراض وسط الطبقة الأرستقراطية تمامًا كما بين الطبقة الكادحة.

«هَذَا إِذْ سَمِعَ أَنَّ يَسُوعَ قَدْ جَاءَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجَلِيلِ، انْطَلَقَ إِلَيْهِ» (ع٤٧). هذه التجربة البيتية كانت بركة متنكرة، لأنها جعلت الأب القلق يطلب المسيح، مما نتج عنه إيمانه، وكذا إيمان بيته كله. إن الله يستخدم عوامل مختلفة كثيرة في تهيئة الناس لقبول كلمته، والإيمان بها. بلا شك أن هذه السطور سيقرأها الكثيرون ممن يذكرون أول تنبيه لهم، في وقت كان أحد أحبائهم مُشرفًا على الموت؛ وقتئذ تفكر بجدية، ورأى الاحتياج للاستعداد لملاقاة الله. حسنًا إن اقتادت المشاكل الشخص لله، بدلاً من الابتعاد عنه. إن الألم هو أحد علاجات الله؛ فلنحذر من التذمر وقت الضيق.

«وَسَأَلَهُ أَنْ يَنْزِلَ وَيَشْفِيَ ابْنَهُ لأَنَّهُ كَانَ مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ» (ع٤٧). من الواضح أن خادم الملك كان له قدرًا من الإيمان في قدرة الطبيب العظيم، وإلا ما كان سعى إليه على الإطلاق. لكن مقدار إيمانه كان ضئيلاً. على الأرجح أنه علم بالمعجزات التي صنعها الرب في أورشليم، وإذ سمع أنه في الجليل الآن - على بعد بضعة أميال فقط - ذهب إليه. وقد ظهر ضعف إيمانه في طلب الرب أن ”يَنْزِلَ“ معه إلى كفرناحوم. كان يؤمن أن المسيح يستطيع أن يشفي عن قرب، لا عن بعد؛ على المدي القصير، وليس على مسافة بعيدة. وكم من أناس حددوا قدرته هكذا! لقد جاء يايرس إلى المسيح قائلاً: «ابْنَتِي الصَّغِيرَةُ عَلَى آخِرِ نَسَمَةٍ. لَيْتَكَ تَأْتِي وَتَضَعُ يَدَكَ عَلَيْهَا لِتُشْفَى فَتَحْيَا!» (مر٥: ٢٣). وقالت المرأة نازفة الدم: «إِنْ مَسَسْتُ وَلَوْ ثِيَابَهُ شُفِيتُ» (مر٥: ٢٨). هكذا أيضًا قالت مرثا، «يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هَهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي» (يو١١: ٢١). لكن دعونا لا نلومهم، بل ندين أنفسنا على عدم إيماننا.

على النقيض من ”خادم الملك“ كان إيمان قائد المائة الذي طلب الرب من أجل غلامه المريض، وقال: «يَا سَيِّدُ، لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي، لكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَقَطْ فَيَبْرَأَ غُلاَمِي» (مت ٨: ٨). يبدو لنا أن هذا هو السبب - أو على الأقل أحد الأسباب - لماذا قيل لنا هنا في يوحنا ٤ أن خادم الملك جاء من كفرناحوم، حتى نربط بين الاثنين، ونلاحظ المقارنات والمفارقات بينهما. كلاهما يسكن في كفرناحوم. كلاهما كان أمميًا. كلاهما كان ذا منصب. كلاهما أتى إلى المسيح من أجل عضو مريض في بيته. أما في متى ٨ فقائد المائة نشر احتياجه ببساطة أمام المسيح، وامتنع عن إملائه ما يجب عليه أن يفعل. بينما حث خادم الملك المُخلِّص: «يَا سَيِّدُ، انْزِلْ (إلى كفرناحوم) قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ ابْنِي». في متى ٨ نجد أن الرب عرض أن يرافق قائد المائة؛ «فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا آتِي وَأَشْفِيهِ» (ع٧). أما هنا في يوحنا ٤ ففعل العكس تمامًا. في متى ٨ يرفض قائد المائة عرض الرب ويقول: «يَا سَيِّدُ ... قُلْ كَلِمَةً فَقَطْ فَيَبْرَأَ غُلاَمِي» (ع٨)، بينما قابل خادم الملك توبيخ الرب بتكرار طلبه الأصلي: «يَا سَيِّدُ انْزِلْ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ ابْنِي» (ع٤٩). هكذا نرى أيضًا قيمة ملاحظة أسلوب المقارنة والمفارقة.

«فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: لاَ تُؤْمِنُونَ إِنْ لَمْ تَرَوْا آيَاتٍ وَعَجَائِبَ!» (ع ٤٨). كان هذا توبيخًا. لم يكن إيمان خادم الملك ضعيفًا فحسب، لكنه نسي نفسه ليُملي على الرب يسوع ما يجب فعله. إن قوة إجابة المسيح تبدو في ذلك: ”أنت تطالبني بإجراء آية قبل أن تودع حالة ابنك بثقة بالتمام فى يدي“. إنه خطأ جسيم يقع فيه الكثير من النفوس المتسائلة الباحثة. علينا ألا نجترئ ونتجاسر إلى حد أن نقترح على الله كيف يتصرف، وماذا يفعل. علينا ألا نقرر أو نُملي أي شروط على الرب العلى. علينا أن نتركه يتصرف بطريقته.

«فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: لاَ تُؤْمِنُونَ إِنْ لَمْ تَرَوْا آيَاتٍ وَعَجَائِبَ»؛ كم يُظهر ذلك المسيح باعتباره كلي العلم! لقد عرف قلب ذلك الرجل. كان لديه قدر من الإيمان، لكنه كان يخشى أن يكرس ويُسلّم ذاته بالتمام للرب. لقد علم الرب ذلك، وبالتالي تحدث مع السائل من هذه الوجهة تحديدًا.

«لاَ تُؤْمِنُونَ إِنْ لَمْ تَرَوْا آيَاتٍ وَعَجَائِبَ». كم أن هذا فاحص! أليس هذا الكلام هو ما يحتاجه الكثيرين منا؟ ألا نفشل كثيرًا في هذه النقطة؟ نحن نطلب من الله أمر معين، وعندنا مقدار من الإيمان لنواله؛ لكن في فترة الانتظار كلمة الله المجردة لا تكفينا؛ فنحن نتوق إلى ”آيَة”. أو أحيانًا نشترك فى خدمة ما للرب، ولدينا قدرًا من الإيمان أن عملنا سيثمر له، لكن قبل أن يظهر الثمر ينضب صبرنا، فنبحث عن ”آيَة“. أليس كذلك؟ ألا ينطبق علينا القول، قارئي العزيز: «لاَ تُؤْمِنُونَ إِنْ لَمْ تَرَوْا آيَاتٍ وَعَجَائِبَ»؟ أليس من داعٍ لنا لنصرخ جميعًا: «أُومِنُ يَا سَيِّدُ، فَأَعِنْ عَدَمَ إِيمَانِي» (مر ٩: ٢٤)؟ رفقائي في الخدمة، لقد أعلن الله أن كلمته لا ترجع إليه فارغة (إش٥٥: ١١). أليس ذلك كافيًا؟ لماذا نطلب ”آيَاتٍ وَعَجَائِبَ“؟ رفيقي المؤمن، لقد أعلن الله أنه إن طلبنا شيئًا حسب مشيئته، يسمع لنا (١يو ٥: ١٥). ألا يكفي وعده؟ لماذا إذًا نسعى إلى ”آيَاتٍ وَعَجَائِبَ“؟

«قَالَ لَهُ خَادِمُ الْمَلِكِ: يَا سَيِّدُ انْزِلْ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ ابْنِي» (ع ٤٩). بينما كان واضحًا أن خادم الملك لم يزل بطيء القلب ليستودع نفسه، بلا تحفظ، في يدي المسيح؛ إلا أنه حسن أن نرى الروح التي تقبّل بها توبيخ الرب له. بالرغم من أنه كان خادم الملك لم يغضب حينما صححه الرب، وبدل ذلك، تحمَّل كلمة التحريض، وبلجاجة تستحق الثناء استمر في طلب مراده.

«قَالَ لَهُ خَادِمُ الْمَلِكِ: يَا سَيِّدُ، انْزِلْ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ ابْنِي»؛ للأسقف ”رايل“ كلمة مفيدة بهذا الصدد: ”هنا درس نافع للشباب. يأتي المرض والموت إلى الصغير كما الكبير. لكن الصغار بطيئو القلوب في تعلم هذا الدرس. إن الآباء والأولاد عُرضة لأن يُغمضوا عيونهم عن الحقائق الواضحة، ويتصرفوا كما لو كان الصغار لا يموتوا صغارًا. إن القبور تبرهن كم فيها ممن لم يبلغوا مبلغ الرجال قط. وأول قبر حُفر في الأرض كان لشاب! إن أول من مات على الإطلاق لم يكن أبًا، بل ابنًا! إذًا، فمن هو حكيم لا يلقي رجاءه على العمر المديد. ومن الحكمة أن تكون دائمًا مستعدًا“.

إننا نثق أن تلك الكلمات ستقبع في قلوب آباء مؤمنين، ممن يقرأون هذا الأصحاح. في تصرف ذاك الأب الذي أتى للمسيح من أجل ابنه، لنا مثال نفعل حسنًا إن حاكيناه. إن لم تكن مهتمًا بعمق بصحة نفوس أولادك، فمن سيهتم؟ إنه واجبك الإلزامي أن تُعلِّمهم كلمة الله؛ إنه من امتيازك المقدس أن تأتى بهم في الصلاة إلى اّلله. لا تحوّل إلى عهدة مدرس مدارس الأحد، ما هو واجب عليك. علّم صغارك المكتوب منذ طفولتهم الباكرة. دربهم على حفظ آيات مثل مزمور ٩: ١٧؛ إرميا ١٧: ٩؛ رومية ٦: ٢٣؛ إلخ. ولقد وعد الرب أن يُكرِم الذين يُكْرِمُونَهُ (١صم ٢: ٣٠). لا تيأس إن لم تجد أي تجاوب، لكن ارتكن إلى الوعد: «اِرْمِ خُبْزَكَ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ فَإِنَّكَ تَجِدُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ» (جا ١١: ١).

«قَالَ لَهُ خَادِمُ الْمَلِكِ: يَا سَيِّدُ، انْزِلْ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ ابْنِي» (ع ٤٩). كم أظهر تجاوب المسيح، مع هذا الطلب، كمالات عبد يهوه! تذكر، أن خادم الملك هذا، ذو مركز اجتماعي مرموق؛ على الأرجح أنه كان عضوًا في بلاط هيرودس الملكي. لأي إنسان محكوم باعتبارات ومبادئ جسدية، كانت هذه فرصة سانحة ليُعطي انطباعًا ممدوحًا في المجتمع؛ فقد مُنح فرصة ليربح منزلة عالية في الأوساط الرفيعة، التي كان لإنسان العالم أن ينتهزها سريعًا. لكن الرب يسوع لم تغازله الشهرة قط، ولا هو تملق ذوي النفوذ والجاه مطلقًا. لقد رفض على الدوام استخدام طرق العالم، وانحاز للمساكين، وكان صديقًا لا للأمراء والنبلاء، بل ”لِلْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ“ (مت ١١: ١٩؛ لو ٧: ٣٤). وحسنٌ أن يضع كل خادم لله ذلك على قلبه.

«قَالَ لَهُ يَسُوعُ: اذْهَبْ. اِبْنُكَ حَيٌّ» (ع٥٠). إن الرب لا يرد نفسًا تطلبه حقًا. ربما كان هناك الكثير من الجهل (كما في جميعنا)، ولربما كان الجسد ممتزجًا برغباتنا، لكن إذا كان القلب موضوعًا بالفعل عليه، فإنه دائمًا ما يستجيب. وليس ذلك فقط، لكنه يفعل بثبات أكثر جدًا مما نطلب أو نفتكر. هكذا كان هنا. فهو لم يشفِ ابن خادم الملك وحسب، بل فعل ذلك في الحال، بكلمة قدرته.

«قَالَ لَهُ يَسُوعُ: اذْهَبْ. اِبْنُكَ حَيٌّ». كان خادم الملك هذا أممي، لأنه ليس خدام للملك من اليهود؛ وفي توافق مع كل حالة مماثلة شفى الرب ابنه عن بعد. هناك ثلاث حالات مختلفة، أو بالحري أربعة، مسجلين في الأناجيل، فيها شفى المسيح أمميًا، وفى كل حالة شفى عن بعد. هناك سبب لذلك. كان اليهود في علاقة عهد مع الله، وبذلك كانوا ”قَرِيبِينَ“ منه. أما الأمم، كونهم «أَجْنَبِيِّينَ عَنْ رَعَوِيَّةِ إِسْرَائِيلَ، وَغُرَبَاءَ عَنْ عُهُودِ الْمَوْعِدِ»، كانوا ”بَعِيدِينَ“ (أف٢: ١٢، ١٣)، وهذه الحقيقة كان يعلمها المُخلِّص تمامًا.

«فَآمَنَ الرَّجُلُ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي قَالَهَا لَهُ يَسُوعُ» (ع ٥٠). هنا مرة أخرى، نجد الكلمة تعمل (يو ١: ١، ١٤). هذا يظهر جليًا في المعجزات الموصوفة في هذا الإنجيل. لم ينزل الرب إلى كفرناحوم ويأخذ بيد الغلام المريض. بدل ذلك، نطق بكلمة قدرته فشُفى في الحال. ولقد أعلن الرب: «اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ» (يو ٦: ٦٣). وبعث الحياة عن بعد، عن طريق الكلمة، له رسالة لنا اليوم. إن كان المسيح قد استطاع أن يشفي هذا الغلام المحتضر، الذي كان على بُعد عشرة أميال على الأقل، بكلمة من فمه، فإنه يستطيع أن يعطى حياة أبدية اليوم بكلمته، بالرغم من كونه بعيدًا في السماء. إن المسافة ليست عائقًا بالنسبة له.

«فَآمَنَ الرَّجُلُ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي قَالَهَا لَهُ يَسُوعُ، وَذَهَبَ» (ع ٥٠). يا له من أمر مبارك! إنه يُرينا قوة الكلمة المنطوقة، ليس فقط على الغلام الذي شُفي، لكن على أبيه أيضًا. «إِذًا الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ» (رو ١٠: ١٧). لقد سمع خادم الملك كلمة الله، على فم ابن الله، فتوَّلد فيه إيمان حقيقي؛ إيمان مُخلِّص. لم يقدم أية اعتراضات، ولم يستفسر أية استفسارات، ولم يُبدِ أي تردد؛ لكن بثقة داخلية فيما قد سمع، آمن، وذهب. لم يكن محتاجًا إلى ”آيَاتٍ وَعَجَائِبَ“، ولا لمشاعر لتجلب الثقة. بل «آمَنَ ... وَذَهَبَ». هكذا يأتي الخلاص للخاطئ. إن الأمر ببساطة هو الثقة في كلمة الله، والختم بأنها حقيقة. إن حقيقة كونها كلمة الله تضمن صدقها. هذه هي الحادثة الوحيدة المسجلة في العهد الجديد فيها يؤمن خادم للملك بالمسيح «لَيْسَ كَثِيرُونَ شُرَفَاءَ» (١كو ١: ٢٦).

«وَفِيمَا هُوَ نَازِلٌ اسْتَقْبَلَهُ عَبِيدُهُ وَأَخْبَرُوهُ قَائِلِينَ: إِنَّ ابْنَكَ حَيٌّ. فَاسْتَخْبَرَهُمْ عَنِ السَّاعَةِ الَّتِي فِيهَا أَخَذَ يَتَعَافَى، فَقَالُوا لَهُ: أَمْسِ فِي السَّاعَةِ السَّابِعَةِ تَرَكَتْهُ الْحُمَّى» (ع٥١، ٥٢). إن كلمة ”أَمْسِ“ تُبرز نقطة هامة. تبعد قانا الجليل عن كفرناحوم مسافة قصيرة نسبيًا: يمكن قطع المسافة في حوالي ٤ ساعات. كان الوقت بعد الظهر بساعة عندما أعلن المخلّص شفاء الغلام. هذه الثقة العميقة التي لخادم الملك في كلمة المسيح جعلته لا يعود إلى البيت في ذات اليوم مطلقًا!

يمكنني تصور الأب عائدًا إلى بيته فرحًا متهللاً. إذا سأله أحدهم عن سبب فرحه، لأجابه أن ابنه الذي كان مشرفًا على الموت، قد شُفى. ولو سأل السائل، كيف علم الأب أن ابنه قد تعافى، لأجابه، ”لأن المسيح قال ذلك ... فماذا احتاج بعد!“ ونحن أيضًا، قارئي العزيز: سنمتلئ سلامًا وفرحًا إذا ما ارتكنا على كلمة الله الثابتة «وَلْيَمْلأْكُمْ إِلهُ الرَّجَاءِ كُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ فِي الإِيمَانِ، لِتَزْدَادُوا فِي الرَّجَاءِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (رو ١٥: ١٣). لم يكن استفسار الأب من عبيده بسبب عدم الإيمان، بل لأنه كان يُسر بأن يسمع قصة ما فعل الله. وكما علق جون وسلى على هذا العدد: ”كلما اعتبرت أعمال الله أكثر، كلما زاد الإيمان“.

«فَفَهِمَ الأَبُ أَنَّهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ الَّتِي قَالَ لَهُ فِيهَا يَسُوعُ: إِنَّ ابْنَكَ حَيٌّ». فَآمَنَ هُوَ وَبَيْتُهُ كُلُّهُ» (ع ٥٣). إن إيمان خادم الملك هنا لا يُنظر إليه باعتباره أمرًا مختلفًا عما يعزى له في عدد ٥٠: بل هو ببساطة تكرار له، لكنه يأتي هنا بالارتباط بإيمان بيته أيضًا. إنه لأمر نادر جدًا أن تجد زوجة مؤمنة وأولادًا مؤمنين بينما الأب، رأس البيت، لا يكون هو نفسه مؤمنًا. يا له من مثال في هذه الحادثة، يمدنا بأعمال الله العجيبة! غلام مشرف على الموت حتى تكون للبيت كله الحياة الأبدية.


آرثر بنك