يُغطي سفرا الملوك الأول والثاني الفترة من وقت اعتلاء سليمان العرش بعد وفاة داود، حتى زوال النظام الملكي. خلال هذا الوقت انقسمت المملكة إلى عشرة أسباط في الشمال (إسرائيل)، وسبطان في الجنوب (يهوذا). والسفر الثاني يُختتم بخراب يهوذا بواسطة نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، والحصار المزدوج لمدينة أورشليم، وحمل الشعب إلى السبي في بابل (٢مل ٢٤؛ ٢٥). والحدث الأخير المُسجَّل هو إطلاق سراح ”يَهُويَاكِينَ مَلِكِ يَهُوذَا“ من سجنه بواسطة ”أَوِيلُ مَرُودَخُ مَلِكُ بَابِلَ“، فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّلاَثِينَ من السبي (٢مل ٢٥: ٢٧-٣٠).
على الرغم من أن الشراح يختلفون فيما يتعلق بالتأريخ الدقيق لهذه الفترة، فمن المحتمل أنه يُغطي الفترة من عام ١٠١٢ قبل الميلاد حتى ٥٦٢ قبل الميلاد، وهي فترة زمنية مدتها ٤٥٠ عامًا. وهذا يعني أن الكاتب جمع معلوماته التاريخية خلال النصف الثاني من سني سبي بني إسرائيل السبعين في بابل. ومن الواضح أنه تعمد أن يكون ما كتبه أكثر من مجرد سجل للأحداث التاريخية. وكانت رغبته أن ينقل رسالة واضحة إلى شعب الرب عن أسباب ابتعادهم عن وطنهم، والأساس الذي عليه يمكنهم الرجوع. ولم يعلق الكاتب على الأحداث، لكنه سمح لها أن تتحدث عن نفسها، وترك لقرائه استخلاص استنتاجاتهم الخاصة، ولكن الرسالة كانت واضحة:
وضوح الرسالة:
أولاً: قداسة الله وكراهيته لعبادة الأوثان:
إن التحذير من عبادة الأوثان يأتي في مقدمة الوصايا العشر التي أعطاها الرب لبني إسرائيل: «لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ» (خر ٢٠: ٣-٥). والرب يطلب الإخلاص الكامل من شعبه، لذلك كان ينظر إلى عبادة الأوثان على أنها أخطر الخطايا التي يمكن أن يرتكبها شعبه. وللأسف، حتى سليمان، الذي بنى الهيكل، ورأى مجد الرب يملأه، ذهب وراء آلهة أخرى، واستحضرها إلى إسرائيل، وسمح بالإيقاد والتبخير والذبح لها (١مل ١١: ٥-١٠).
ومن بعد سليمان، يرسم الكاتب تاريخ سلسلة من الملوك في كل من إسرائيل ويهوذا، ولكن بشكل خاص يهتم بسليمان، الذي سمح للوثنية بالازدهار، وبالتالي جلب الخراب على الأمة. كانت رسالة الكاتب إلى المسبيين في بابل لا لبس فيها؛ لقد أوقع الرب القضاء على الأمة لأنها أعطته القفا لا الوجه. وعلى عكس كلمته، عبدوا آلهة أخرى. وإذا كان لهم أن يختبروا أيامًا أكثر إشراقا في المستقبل، فلا بد من عدم تكرار هذه الإخفاقات، وإلا فأنهم - مرة أخرى - سيختبرون التأديب من يديه.
ثانيًا: أهمية كلمة الله:
لم تُسمع أصوات الأنبياء في عهد سليمان. وفي الواقع، تحدث الرب إليه مباشرة. ومع ذلك، ففي أيام الارتداد المظلمة التي تبعت حكمه، وما ترتب على ذلك من ابتعاد ملوك إسرائيل ويهوذا عن كلمة الله، كانت أصوات الأنبياء مسموعة بشكل متزايد. في الواقع، في أيام ”أَخْآب بْنُ عُمْرِي مَلَكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ“، عندما كانت عبادة الأوثان في أوجها، كانت كلمة الرب تعلن مرارًا وتكرارًا من خلال إيليا ورفقائه الأنبياء. والعبارة ”كلمة الرب“ أو ”كلام الرب“، ترد في ست وأربعين مناسبة في سفري الملوك. ومن بين هذه المناسبات الست والأربعين، ليس من المستغرب أن ترد واحد وثلاثون منها في السفر الأول، الذي يهتم أساسًا بملوك إسرائيل الأشرار والوثنيين، الذين لم يُظهروا أي ميل لطاعة الحق الإلهي.
ومرة أخرى، كانت الرسالة الموجهة إلى المسبيين واضحة ولا لبس فيها؛ إن عصيان كلمة الرب هو الذي جعل الأمة تركع على ركبتيها، ولكن كان من الضروري أن تكون كلمة الرب أساسية ومحورية في حياتهم، إذا ما كانوا يتطلعون إلى بركة في المستقبل. عندما وُجِدَ سِفْرَ الشَّرِيعَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ، قدَّم الملك يُوشِيَّا مثالاً قويا على أن السبيل الوحيد لتجنب القضاء هو التوبة تجاه الله، وطاعـة كلمته (٢مل ٢٢: ٨-١١؛ ٢٣: ١-٣).
ثالثًا: الرَبُّ طَوِيلُ الرُّوحِ وَرَؤُوفٌ:
«أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَإِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَالْحَقِّ» (مز٨٦: ١٥):
إذا كان واضحًا في السفرين أن دينونة الرب وقعت على أولئك الذين تمردوا على كلمته، ولكن من الواضح أيضًا لمعان طول أناة الله ورحمته ورأفته ونعمته، على خلفية مظلمة من الفساد الذي يجلبه أولئك الذين باعوا أنفسهم للشر. ولعله يكون تحديًا للقارئ في بعض الأحيان أن يفهم صبر الله وطول أناته على شر الملوك الأردياء، ومع ذلك فإن كلمات الرسول بطرس قابلة للتطبيق: «الرَّبُّ ... يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ» (٢بط٣: ٩)، حتى أنه أعطى رجلاً مثل ”أَخْآب بْنُ عُمْرِي مَلِكِ إِسْرَائِيلَ“ فرصة التوبة. إن الرسالة المريحة، ولكن المثيرة للتساؤلات والحيرة أحيانًا، التي أراد الرب أن تصل إلى المسبيين، هي أنهم إذا كانوا تائبين حقًا، فإن الرب يغفر الإثم «مَنْ هُوَ إِلهٌ مِثْلُكَ غَافِرٌ الإِثْمَ وَصَافِحٌ عَنِ الذَّنْبِ لِبَقِيَّةِ مِيرَاثِهِ! لاَ يَحْفَظُ إِلَى الأَبَدِ غَضَبَهُ، فَإِنَّهُ يُسَرُّ بِالرَّأْفَةِ. يَعُودُ يَرْحَمُنَا، يَدُوسُ آثَامَنَا، وَتُطْرَحُ فِي أَعْمَاقِ الْبَحْرِ جَمِيعُ خَطَايَاهُمْ. تَصْنَعُ الأَمَانَةَ لِيَعْقُوبَ وَالرَّأْفَةَ لإِبْرَاهِيمَ، اللَّتَيْنِ حَلَفْتَ لآبَائِنَا مُنْذُ أَيَّامِ الْقِدَمِ» (مي ٧: ١٨-٢٠).
رابعًا: سيادة الله:
قد يظهر أحيانًا في كل أجزاء السفرين كما لو كان الأشرار يُسيطرون على الأحداث ويصنعونها، وأن مقاصد الله ووعوده قد أُحبطت وفشلت، وأن عبادة الأوثان قد اجتاحت الأرض، وأن العبادة الحقيقية للرب في طريقها للزوال، ومع ذلك فقد كشف الرب لإيليا المُحبط والمكتئب: «قَدْ أَبْقَيْتُ فِي إِسْرَائِيلَ سَبْعَةَ آلاَفٍ، كُلَّ الرُّكَبِ الَّتِي لَمْ تَجْثُ لِلْبَعْلِ وَكُلَّ فَمٍ لَمْ يُقَبِّلْهُ» (١مل ١٩: ١٨).
فشل الملوك المتمردون في طلب إرشاد الرب؛ ومع ذلك فإن كلمة الرب لا تُقيَّد، وجاءت إليهم من خلال الأنبياء الأمناء. نقرأ أن عَثَلْيَا أُمُّ أَخَزْيَا، الملكة الوحيدة في يهوذا «قَامَتْ فَأَبَادَتْ جَمِيعَ النَّسْلِ الْمَلِكِيِّ»، الخط الملكي الذي سيأتي منه المسيح، إلا أن يد الله يد الرب المهيمنة والمتحكمة والمسيطرة، ضمنت نجاة ابن واحد «فَأَخَذَتْ يَهُوشَبَعُ بِنْتُ الْمَلِكِ يُورَامَ، أُخْتُ أَخَزْيَا، يُوآشَ بْنَ أَخَزْيَا وَسَرِقَتْهُ مِنْ وَسَطِ بَنِي الْمَلِكِ الَّذِينَ قُتِلُوا، هُوَ وَمُرْضِعَتَهُ مِنْ مُخْدَعِ السَّرِيرِ، وَخَبَّأُوهُ مِنْ وَجْهِ عَثَلْيَا فَلَمْ يُقْتَلْ. وَكَانَ مَعَهَا فِي بَيْتِ الرَّبِّ مُخْتَبِئًا سِتَّ سِنِينَ. وَعَثَلْيَا مَالِكَةٌ عَلَى الأَرْضِ» (٢مل ١١: ١-٣).
هذه ليست سوى قليل - من الأمثلة العديدة الكثيرة في سفري الملوك – التي تُثبت بشكل قاطع أن الرب، وليس الإنسان، هو المسيطر. لا شك أن ذلك كان تشجيعًا للأمناء بين المسبيين في بابل ليعرفوا أن الرب لم يتخل عنهم، وأنه سيفي بوعوده لهم. وإبان مُلك ”يَهُورَامُ بْنُ يَهُوشَافَاطَ مَلِكِ يَهُوذَا“ الذي «سَارَ فِي طَرِيقِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ كَمَا فَعَلَ بَيْتُ أَخْآبَ، لأَنَّ بِنْتَ أَخْآبَ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةً، وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ»، نقرأ ما يُلفت النظر بوجه خاص: «لَمْ يَشَإِ الرَّبُّ أَنْ يُبِيدَ يَهُوذَا مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِهِ، كَمَا قَالَ إِنَّهُ يُعْطِيهِ سِرَاجًا وَلِبَنِيهِ كُلَّ الأَيَّامِ» (٢مل ٨: ١٩).
خامسًا: النير المتخالف يُجلب الخراب الروحي:
زواج سليمان من ابنة فرعون (١مل ٣: ١)، زواج أَخْآب من إِيزَابَل (١مل ١٦: ٣١)، عهد أَخْآب مع بَنْهَدَد مَلِكُ أَرَامَ (١مل ٢٠: ٣٤)، تحالف يَهُوشَافَاط مع أَخْآب (١مل ٢٢: ٤)، وزواج ”يَهُورَامُ بْنُ يَهُوشَافَاطَ مَلِكِ يَهُوذَا“ من عَثَلْيَا بِنْتَ أَخْآبَ“ (٢مل ٨: ١٦-١٨)؛ كل هذه أمثلة أعطت أقوى الأدلة الممكنة على العواقب المدمرة التي تنتظر أي مَن يدخل في نير متخالف مع غير المؤمنين.
التطبيق الحالي:
كان كتبة العهد الجديد على دراية تامة بقيمة أسفار العهد القديم بالنسبة للمؤمنين في تدبير نعمة الله الحالي، لذلك، تحت إشراف الروح القدس، كانوا كثيرًا ما يقتبسون منها ويدمجونها في كتاباتهم. ويقول الرسول بولس: «لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا، حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ» (رو ١٥: ٤).
(١) «احْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الأَصْنَامِ» (١يو ٥: ٢١):
ذكّر الرسول بولس مؤمني كورنثوس أنه على الرغم من خلاص الله ورعايته لبني إسرائيل، إلا أنهم تحولوا إلى عبادة الأوثان وغيرها من الخطايا. لذلك، أغضبوه، فوَّقع عليهم القضاء. وهو يُخبرنا أن «هذِهِ الأُمُورُ حَدَثَتْ مِثَالاً لَنَا، حَتَّى لاَ نَكُونَ نَحْنُ مُشْتَهِينَ شُرُورًا كَمَا اشْتَهَى أُولئِكَ. فَلاَ تَكُونُوا عَبَدَةَ أَوْثَانٍ كَمَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْهُمْ» (١كو ١٠: ٦، ٧)، ثم يُعطينا تحذيرًا مماثلاً: «فَهذِهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا أَصَابَتْهُمْ مِثَالاً، وَكُتِبَتْ لإِنْذَارِنَا نَحْنُ الَّذِينَ انْتَهَتْ إِلَيْنَا أَوَاخِرُ الدُّهُورِ ... لِذلِكَ يَا أَحِبَّائِي اهْرُبُوا مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ» (١كو ١٠: ١١، ١٤).
وقد لوحظ بالفعل أن عبادة الأوثان كانت تُميز حياة بني إسرائيل خلال أيام الملوك، ومن المحزن أنها لا تزال سائدة بين شعب الرب اليوم. إنها قد تتخذ أشكالاً مختلفة عن تلك التي شوهدت في أيام العهد القديم، ولكن لا يزال له نفس النتيجة الكارثية المتمثلة في إخراج الرب من المكانة البارزة التي يطالب بها ويستحقها في حياة المؤمنين.
(٢) «اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ» (٢تي ٤: ٢):
يبقى أن ترياق الانحراف، كما كان دائمًا، أن تكون كلمة الله لها المكانة المركزية. وفقط عندما تكون كلمة الله معروفة ومُطاعة، فإن شعب الله سوف يُحفَظ من عبادة الأوثان، ويختبر البركة. وكثيرًا ما نسمع اليوم آراء البعض فيما يقوله الله. إن أخآب، وأمثاله من الملوك، لم يسعوا إطلاقًا لطلب إرشاد الرب مباشرة. وفي الواقع، فضلوا أن يعيشوا في جهل بكلمته، لأنهم كانوا يعرفون أنها ستُخبرهم بما لا يريدون سماعه. ونفس الروح موجودة في العالم الديني المعلن اليوم، حيث تبذل كل محاولة لتشويه حقائق الكتاب المقدس.
إن سؤال بولس عندما جادل أولئك الذين أضلهم التعليم الكاذب الذي تسلل إلى كنائس غلاطية هو سؤال وثيق الصلة بموضوعنا: «لكِنْ مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ؟» (غل ٤: ٣٠). سمع أخآب كلمة الرب، لكنه رفض إطاعتها، ومن ثم حصد العواقب. ويكتب لنا يعقوب: «وَلكِنْ كُونُوا عَامِلِينَ بِالْكَلِمَةِ، لاَ سَامِعِينَ فَقَطْ خَادِعِينَ نُفُوسَكُمْ» (يع ١: ٢٢). وعلى رأس وصايا الرسول بولس لتيموثاوس كان الأمر: «اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ، وَبِّخِ، انْتَهِرْ، عِظْ بِكُلِّ أَنَاةٍ وَتَعْلِيمٍ. لأَنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتٌ لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ» (٢تي ٤: ٢).
(٣) «لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ، لِجَمِيعِ النَّاسِ» (تي٢: ١١)
إننا نلاحظ طول أناة الله ونعمته بصورة جلية طوال أيام الملوك كما في سفري الملوك، حتى خلال حقبة حكم أخآب وإيزابل المؤسفة. وللأسف، تعامل العديد من الملوك مع هذه النعمة بازدراء، فجلبوا نتائج كارثية لأنفسهم ولرعاياهم. ويطرح الرسول بولس السؤال الاستنكاري للمؤمنين: «فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَنَبْقَى فِي الْخَطِيَّةِ لِكَيْ تَكْثُرَ النِّعْمَةُ؟». والإجابة المدوية هي: «حَاشَا (لا سمح الله God forbid)! نَحْنُ الَّذِينَ مُتْنَا عَنِ الْخَطِيَّةِ، كَيْفَ نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا؟» (رو ٦: ١، ٢). وعندما يكتب إلى تيطس، يشرح أن نعمة الله جعلت الخلاص في متناول جميع البشر، وهي تُعلِّم باستمرار أولئك الذين قبلوها «أَنْ نُنْكِرَ الْفُجُورَ وَالشَّهَوَاتِ الْعَالَمِيَّةَ، وَنَعِيشَ بِالتَّعَقُّلِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي الْعَالَمِ الْحَاضِر» (تي ٢: ١٢). وبعيدًا عن الازدراء بنعمة الله ورفضها، كما فعل العديد من الملوك، فإن النعمة ينبغي أن تنظم الطريقة التي يعيش بها المؤمن.
(٤) «اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ» (مز ٩٣: ١):
كان على الملوك المتمردين في تاريخ إسرائيل أن يتعلموا الدرس بالطريقة الصعبة التي يُظهر بها الرب سيادته وسلطانه، عندما لا يُظهِر الملوك سيطرتهم على شؤون المملكة. وفي عالم اليوم، حيث يبدو وكأن الأشرار يفعلون ما يُريدون، ويبدو وكأن الله عاجز عن منعهم، من المريح أن نتذكر حقيقة أن ”الله لا يزال على العرش“. كاتب الترنيمة يعبر عن تأكيد وأمل المؤمن:
الله يُتمّم مقاصده، كما أن السنة تتلوها سنة؛
الله يعمل على تحقيق أهدافه، والوقت يقترب، أقرب وأقرب،
والوقت سيأتي بالتأكيد، عندما تمتلئ الأرض من مجد الله، كما تغطي المياه البحر.
(٥) «لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟» (٢كو ٦: ١٤):
إذا كان المؤمنون يميلون إلى الدخول في نير مُخالف مع غير المؤمنين، فإن سفري الملوك يُقدمان رسالة تحذير واضحة بشأن الخراب الروحي الذي ينتظرهم. وتنطبق كلمات بولس على المؤمنين من جميع الأجيال: «لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟ وَأَيُّ اتِّفَاق لِلْمَسِيحِ مَعَ بَلِيعَالَ؟ وَأَيُّ نَصِيبٍ لِلْمُؤْمِنِ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ؟ وَأَيَّةُ مُوَافَقَةٍ لِهَيْكَلِ اللهِ مَعَ الأَوْثَانِ؟ ... لِذلِكَ اخْرُجُوا مِنْ وَسْطِهِمْ وَاعْتَزِلُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. وَلاَ تَمَسُّوا نَجِسًا فَأَقْبَلَكُمْ، وَأَكُونَ لَكُمْ أَبًا، وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي بَنِينَ وَبَنَاتٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» (٢كو ٦: ١٤-١٧).
وبالتالي فإن الرسالة التي نقلها كاتب سفري الملوك الأول والثاني إلى المسبيين في بابل، تظل خالدة. إن التأمل في النص، المقترن بالصلاة، سوف يُسفر عن العديد من التحديات الهامة للقراء من جميع الأجيال. للأسف، فإن شعب الرب بطيء في تعلم دروس الماضي، وبالتالي فإن نفس الأخطاء لا تزال تتكرر فيما بيننا. ومثل بني إسرائيل، فالوثنية والزنا، وتجربة الرب إلهنا، والتذمر، هي في كثير من الأحيان تتصدر حياتنا «فَلاَ تَكُونُوا عَبَدَةَ أَوْثَانٍ كَمَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْهُمْ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: جَلَسَ الشَّعْبُ لِلأَكْلِ وَالشُّرْبِ، ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِبِ. وَلاَ نَزْنِ كَمَا زَنَى أُنَاسٌ مِنْهُمْ، فَسَقَطَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ثَلاَثَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا. وَلاَ نُجَرِّبِ الْمَسِيحَ كَمَا جَرَّبَ أَيْضًا أُنَاسٌ مِنْهُمْ، فَأَهْلَكَتْهُمُ الْحَيَّاتُ. وَلاَ تَتَذَمَّرُوا كَمَا تَذَمَّرَ أَيْضًا أُنَاسٌ مِنْهُمْ، فَأَهْلَكَهُمُ الْمُهْلِكُ» (١كو ١٠: ٧-١١). والرسول بولس يُقدم بوضوح رسالة تحذير من خطر الرضا عن النفس: «إِذًا مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَلْيَنْظُرْ أَنْ لاَ يَسْقُطَ» (١كو ١٠: ١٢).
(٦) تتميم خطة الله:
كان من المناسب أن يفتح سفرا الملوك بأدونيا الذي سعى إلى اغتصاب العرش من سليمان، الوريث الشرعي. إن مملكة سليمان، التي تتميز بالحكمة والثراء والعدالة والسلام، تشير إلى مملكة المسيح الألفية المجيدة القادمة. ومع ذلك، فقبل فجر هذا اليوم المجيد، تمامًا كما سعى أدونيا للاستيلاء على العرش، سيكون هناك الثالوث الأنجس الشرير الذي سيسعى إلى إحباط مقاصد الله، وتولي الحكم العالمي؛ أي الشيطان والوحش والنبي الكذاب. وخلال سبع سنوات الضيقة، سوف يخدعون الكثيرين. عبادة الأوثان، وإقامة ديانة زائفة، والتجاهل التام لكلمة الله، والتي هي بعض ملامح سفري الملوك، هي صور لهذه الفترة المظلمة القادمة. ومع ذلك، فمن المشجع أن نعرف أنه، كما هو الحال في زمن الملوك، سيكون هناك أيضًا بقية تقية مخلصة سترفض أن يحنوا الركبة لكل ما يعارض الله. ومن المؤكد أن المصير النهائي لثالوث الشيطان هو بحيرة النار (رؤ٢٠: ١٠).