«وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ» (لو ٢: ١٤)
«وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ». نعم، هذا هو معنى كل شيء. إنه يُخبرنا عن مسرة الله نحو كل البشر. توجد قصة تنتمي للعصور الوسطى تُصوّر هذه الحقيقة: أن فارسًا كان غير مؤمن بالله، وبجنونه الوحشي وكفره المُتحدي للسماء، جرَّب أن يختبر حقيقة وقوة الله الذي يُنكر وجوده، بذات الطريقة التي اعتادها كفارس. وهكذا ذهب لميدان المعارك، مُسلحًا كما لو كان داخلاً في معركة، وألقى بقفازيه على الأرض بطريقة تحدي الفرسان آنذاك، وصوَّب سيفه إلى السماء مُتحديًا الله: ”يا الله، إذا ما كان هناك إله، فإنني أتحداك، هنا الآن وفي صراع مميت. فإذا كنت موجود حقًا، فاظهر قوتك الجبارة التي يدعي القساوسة أنك تمتلكها، ويفتخرون بها“. إذ كان يتكلَّم لمح قطعة صغيرة من الورق وقد تطايرت فوق رأسه، وسقطت عند قدميه. فانحنى والتقطها، فوجد مكتوبًا عليها هذه الكلمات: «اللهُ مَحَبَّةٌ». فإذ به ينغلب أمام هذه الاستجابة غير المتوقعة، فحطم سيفه كعلامة على استسلامه وخضوعه، وانحنى على شظايا السيف باكيًا، وكرس حياته من تلك اللحظة فصاعدًا لخدمة الرب، الذي كان من برهة وجيزة يتحداه!
فهكذا تكون إجابة السماء، كما نزلت هذه القصاصة الصغيرة من الورق، في مواجهة كل تحديات الإنسان، وعصيان وتمرد العالم، وإنكار الأمم لوجود الله، وتجديفات الأفراد على الله؛ هذه الإجابة هي: «اللهُ مَحَبَّةٌ».
هذه كانت الرسالة التي تنسمت بها السماء في تلك الليلة الهادئة، على أنغام ترنيمة الملائكة الحلوة: «الْمَجْدُ لِلَّهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ» (لو ٢: ١٤). وهذا هو معنى مجيء المسيح. فمهما كان العالم قارس البرد، ومهما أغلق الناس قلوبهم أمام الله، ومهما كان موقف التحدي من الأمم، ولكن لم تكن الإجابة هي الدينونة السريعة، بل عطية ابن الله الأزلي كالمُخلِّص والفادي «وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ». وأينما يتوَّجه الإنجيل في يومنا هذا، فإنه يبعث بنفس رسالة المحبة هذه. فالله لا يكرهنا، بل يُحبنا بمحبة رقيقة عطوفة أبدية!