«وَكَانَ رَجُلٌ فِي أُورُشَلِيمَ اسْمُهُ سِمْعَانُ، وَهَذَا الرَّجُلْ كَانَ بَارًّا تَقِيًّا» (لو ٢: ٢٥)
إنه سِمْعَان الشيخ الذي وصفه الإنجيل بأنه كان بارًا تقيًا. وهذا يعني أنه كان بارًا في كل تعاملاته مع الناس، وكان تقيًا في مشاعره من نحو الله. وهذان العنصران هما اللذان يصنعان الديانة الحقيقية. بعض الناس أبرار، ولكنهم ليسوا أتقياء. فيكونون مُدققين من ناحية الأمانة في كل تعاملاتهم مع الآخرين، ولكنهم لا يفكرون إطلاقًا في الله، ولا في واجباتهم نحوه؛ إنهم لا ينحنون له بالصلاة، ولا يرفعون قلوبهم له بالحمد. وبالإجمال لا يحبونه، ولا يعترفون بأية التزامات نحوه، وكل ديانتهم هي موجهة ببساطة نحو رفقائهم البشر، بينما يتجاهلون الله تمامًا، والذي هو خالقهم وفاديهم، والذي يحيا فيهم، ومن نعمته يتدفق كل رجاء في حياتهم، والذي يعتمدون عليه في كل حياتهم، من أجل كل نسمة في أنوفهم، ولأجل الحماية، ولأجل كل بركات الحياة. وبذلك يبدو بوضوح أن مثل هذه الديانة ليست ديانة على الإطلاق. وإن كنا أبرارًا وأمناء في معاملاتنا المالية مع البشر، لكان من الأحرى أن نكون مدينين نحو الله بأولى وأعظم الواجبات. نحن خلائقه، وقبل كل شيء أننا خلصنا بنعمته، ونحن مدينون له بالطاعة، والإيمان، والمحبة، والإكرام، والخدمة. ولذا فيجب علينا أن نكون أتقياء مثلما نحن أبرار.
ومن الناحية الأخرى فإن بعض الناس يعترفون بأنهم أتقياء، ولكنهم في الواقع ليسوا أبرارًا. فهم يُمارسون الفرائض ويُرنمون ويُصلون، إلا أنهم يتصرفون في عالم الحياة اليومية دون الالتزام بالعدالة والبر، ويتصفون بالقسوة والطمع والإساءة لمن هم أضعف منهم. ومن الواضح أن هذا النوع من الديانة لا يُرضي الله. فمن الصحيح أنه يُريد منا الحمد والتسبيح والإكرام، ولكنه يُريد أيضًا أن نُكرمه بحياتنا وتصرفاتنا، وليس فقط بشفاهنا.
لقد كانت تُوجَد لائحتان – أو لوحان – للوصايا المعروفة بالوصايا العشر. واللوح الثاني مُلزِم مثل اللوح الأول تمامًا. فعلينا أن نُحب الله من كل قلوبنا، ولكن علينا أيضًا أن نُحب أقاربنا وجيراننا كأنفسنا. ومثلما نكون أتقياء نحو الله، فلا بد أن نكون أيضًا أمناء وصادقين وغير أنانيين، نحو الناس. وهذان الأمران يسيران معًا، ولا يمكن أن ينفصلا أبدًا.