«اللهُ صَانِعِي، مُؤْتِي الأَغَانِيِّ فِي اللَّيْلِ» (أي ٣٥: ١٠)
«وَبِاللَّيْلِ تَسْبِيحُهُ عِنْدِي» (مز ٤٢: ٨)
قضى “لودفيج فان بيتهوفن” (١٧٧٠-١٨٢٧)، الموسيقيُّ الألمانيُّ الفذّ، مُعظَم سني بلوغه وهو يخشى الصَّمَم. وفي وسعك أن تتصوَّر كيف كان شعوره لما حصل ما كان يخشاه. ففي الثلاثينات مِن عمره، أخذ سمعه يتلاشى تدريجيًا حتَّى لم يعد يستطيع فهمَ ما يُقال له إلاَّ بواسطة الكتابة.
ودخل “بيتهوفن” في ليل الصَّمَم والحزن والوحدة الكئيب، فانسحب من الأوساط الفنية تدريجيًا، وامتنع عن العزف في الحفلات العامة، وابتعد عن الحياة الاجتماعية، واتجه للوحدة، وأمضى حياته بلا زواج. وبالرغم من اليأس الذي أصابه في أوقات عديدة، وكاد يصل به للانتحار، إلا أنه قاوم، ووجه جهده كله للإبداع الفني، حتى أنه قال يومًا: “يا لشدة ألمي عندما يسمع أحد بجانبي صوت ناي لا أستطيع أنا سَماعِه، أو يسمع أحد غناء أحد الرعاة بينما أنا لا أسمع شيئًا، كل هذا كاد يدفعني إلى اليأس، وكدت أضع حدًا لحياتي اليائسة، إلا أن الموسيقى وحدها هي التي منعتني من ذلك”.
وما أدهش الجميع أنَّ ”بيتهوفن“بعدما فقد سمعه كليَا، كتب بعض روائعه الخالدة. فإذا بات في عُزلةٍ أبعدته عن مشاغل العالم، تدفَّقت عليه الأنغام والألحان الجديدة بالسرعة التي بها استطاع قلمُه أن يكتب. وإذا بِلَيِلِ صَمَمِه يغدو بَرَكةً عظيمة!
وهكذا أيضًا أولاد الله: فغالبًا ما يجدون فرحًا جديدًا في ليل أحزانهم، ونعمةً غير متوقَّعة في زمن احتياجهم. وكثيرًا ما أحرزنا نصرة عجيبة في ظرف كنا فيه نخشى الهزيمة، وتغنينا بأعذب الأغاني في يوم شرير ألزمنا شره بالاستناد على الله وحده. وحينما يعزلنا الله عن أمور هذا العالم، يُمكننا أن نتوقَّع سماع سيمفونيَّات السماء على نحو أكمل. وحتى لو اكتنف الظلام كُلَّ ما حولنا، فبنعمة الله نجد أنه ما يزال في وسعنا أن نبتهج بإله خلاصنا. فلا داعي لليأس، لأن الله يكون لنا «مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْنًا فِي الضِّيقَاتِ وُجِدَ شَدِيدًا» (مز ٤٦: ١). كما أن ناظم مزمور ٤٢ قال أيضًا: «بِالنَّهَارِ يُوصِي الرَّبُّ رَحْمَتَهُ، وَبِاللَّيْلِ تَسْبِيحُهُ عِنْدِي صَلاَةٌ لإِلَهِ حَيَاتِي» (مز ٤٢: ٨).