«تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ»
(٢كو ١٢: ٩)
مشكلة الألم ما زالت تؤرق الجنس البشري منذ دخول الخطية إلى العالم. فبسبب الخطية تحتم على المؤمن وعلى غير المؤمن – على حد سواء – أن يواجه الخسارة، والفشل، والألم، والأسى، والرفض، والاضطهاد، والمرض، والموت. لا يهم كم وكيف حاولت أن تتجنب هذه الأمور أو تنكرها، لأنه عاجلاً أو آجلاً ستجتاز فيها ... فالألم جزء أصيل من حياة كل إنسان، وأحيانًا نتساءل في مواجهة الألم: لماذا أنا بالذات؟ ثم لا نلبث أن ننزلق إلى التساؤل: كيف أستطيع التخلص من الألم؟ وقد نتساءل: كيف أتعامل مع الألم؟
في رسالته الأولى يضع الرسول بطرس مشكلة الألم قيد البحث فيقول: «عَالِمِينَ أَنَّ نَفْسَ هذِهِ الآلاَمِ تُجْرَى عَلَى إِخْوَتِكُمُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ». إلا انه لا يلبث أن يشجعهم بهذه الصلاة: «وَإِلهُ كُلِّ نِعْمَةٍ الَّذِي دَعَانَا إِلَى مَجْدِهِ الأَبَدِيِّ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، بَعْدَمَا تَأَلَّمْتُمْ يَسِيرًا، هُوَ يُكَمِّلُكُمْ، وَيُثَبِّتُكُمْ، وَيُقَوِّيكُمْ، وَيُمَكِّنُكُمْ» (١بط ٥: ٩، ١٠).
نحن لا نستطيع تجنب الألم. ولكن من المفيد أن نعرف أننا لسنا نجتازه وحدنا. ثم من الأفضل لنا أن نعرف أن ألمنا هو إلى حين (يَسِيرًا: تعني إلى برهة قصيرة من الوقت – ١بطرس ٥: ١٠) وأن «إِلهُ كُلِّ نِعْمَةٍ» هو الذي يستخدمه ليُكملنا ويُثبتنا ويُقوينا ويُمكننا. لأنه – تبارك اسمه - يعتني بنا بنعمته. وجدير بنا أن نتذكر هذين الأمرين:
أولاً: أن الله يدعونا أن «نَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ» (عب ٤: ١٦).
ثانيًا: أن الرب نفسه قال: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ» (٢كو ١٢: ٩). فإذا لم نتمكن أن نستعفي من الألم، فلنتذكر لتشجيعنا أن الله إنما يستخدمه لخيرنا. وأن في الله وحده المصدر الوحيد لطاقة احتماله.
ولكن هل فعلاً بمقدور الألم أن يجعلنا أقوى؟ إجابة الرسول بولس على هذا السؤال هي: ”نعم“. في رسالة كورنثوس الثانية يُعدد الآلام التي اجتاز فيها فيذكر: السجن، الجلد، الرجم، انكسار السفن، تهديدات، جوع، عطش، أخطار، ضعف، تعب وكد، أسهار، ثم يذكر ضعفًا مزمنًا يعاني منه، أسماه «شَوْكَة فِي الْجَسَدِ» (٢كو ١٢: ٧).
هل كان الرسول بولس يشتكي مما قابله لعله يجد شفقة؟ أو لعله كان يُعدد ما لاقاه في سبيل خدمة الرب طمعًا في مدح الناس؟ الإجابة: كلا. على العكس إنه يشجعنا أن ننظر إلى الألم والتجارب والمعاناة من منظور إلهي عوضًا عن المنظور البشري. ويبدو لنا ذلك جليًا من كلماته الختامية فيما يتصل بهذا الموضوع: «لِذلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالاضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ» (٢كو ١٢: ١٠) عندما نجتاز في الم جسماني، فأول ما يخطر على بالنا هو اللجوء إلى الفراش إلى أن نبرأ من المرض. ولكن كاتب العبرانيين يحضنا على إتباع علاج أفضل.. يقول: «فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ» (عب ٤: ١٦)؛ هناك سنجد الرب المُعين الذي يقول: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي»، ويمنحنا قوة للمسير.
عندما كان أولادي في المدرسة، كان مدرب المصارعة يقول لهم: “إن إفادتكم من المباريات لا يتوقف فقط على لعبة المصارعة، بل أيضًا في كافة دوائر الحياة، بل وحتى في تعاملكم مع الله”. هذا المدرب المؤمن ثابر على تعليم تلاميذه أن لا يؤمنوا فحسب بالمسيح، بل أيضًا أن يتألموا لأجله. فإذا تسلحنا بنية احتمال الألم من أجل المسيح، فهو كفيل بأن يرفعنا فوق ظروفنا، لندرك أن الله له قصد فيما يتعلق بالسماح لنا بالألم. فعندما نعاني من اجل اسمه فهذا من شأنه أن يقربنا أكثر إليه، ذاك الذي هو مصدر قوتنا.