(تابع ما قبله)
السؤال الرابع:
الصلاة والغفران
«وفي الغَدِ لَمّا خرجوا مِنْ بَيتِ عنيا جاعَ، فنَظَرَ شَجَرَةَ تينٍ مِنْ بَعيدٍ علَيها ورَقٌ، وجاءَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فيها شَيئًا. فلَمّا جاءَ إليها لَمْ يَجِدْ شَيئًا إلّا ورَقًا، لأنَّهُ لَمْ يَكُنْ وقتَ التّينِ. فأجابَ يَسوعُ وقالَ لها: لا يأكُلْ أحَدٌ مِنكِ ثَمَرًا بَعدُ إلَى الأبدِ! وكانَ تلاميذُهُ يَسمَعونَ ... وفي الصّباحِ إذ كانوا مُجتازينَ رأوا التّينَةَ قد يَبِسَتْ مِنَ الأُصول، فتذَكَّرَ بُطرُسُ وقالَ لهُ: يا سيِّدي، انظُرْ! التّينَةُ الّتي لَعَنتَها قد يَبِسَتْ!» (مر ١١: ١٢ - ١٤، ٢١، ٢٢)
على الرغم من عدم وضع الملاحظة التي أبداها بطرس على هيئة سؤال، فطابعها استفهامي. وهذا نخلص به من جواب الرب. فما أن قال سمعان: «يا سيِّدي، انظُرْ! التّينَةُ الّتي لَعَنتَها قد يَبِسَتْ!». فَسَّر الرب ملاحظة خادمه على أنها تعني ”يا رب، ما هو الدرس الذي يجب أن نتعلمه من هذا التعامل القضائي الاستثنائي؟“ أما جواب الرب هو الأكثر إفادة بالنسبة لنا، سواء من وجهة النظر التدبيرية أو الأدبية.
«فأجابَ يَسوعُ وقالَ لهُمْ: «ليَكُنْ لكُمْ إيمانٌ باللهِ. لأنّي الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّ مَنْ قالَ لهذا الجَبَلِ: انتَقِلْ وانطَرِحْ في البحرِ! ولا يَشُكُّ في قَلبِهِ، بل يؤمِنُ أنَّ ما يقولُهُ يكونُ، فمَهما قالَ يكونُ لهُ. لذلكَ أقولُ لكُمْ: كُلُّ ما تطلُبونَهُ حينَما تُصَلّونَ، فآمِنوا أنْ تنالوهُ، فيكونَ لكُمْ. ومَتَى وقَفتُمْ تُصَلّونَ، فاغفِروا إنْ كانَ لكُمْ علَى أحَدٍ شَيءٌ، لكَيْ يَغفِرَ لكُمْ أيضًا أبوكُمُ الّذي في السماواتِ زَلّاتِكُمْ. وإنْ لَمْ تغفِروا أنتُمْ لا يَغفِرْ أبوكُمُ الّذي في السماواتِ أيضًا زَلّاتِكُمْ» (مر ١١: ٢٢ - ٢٦).
يبدو الدرس التدبيري واضحًا هنا؛ إسرائيل كأمة مُمثَلة في شجرة التين، كما وتبدو اللعنة التي توشك أن تقع على الأمة في هذا التشبيه الرائع. إذ كانت إسرائيل شجرة تين الرب يهوه، مغطاة بالأورق، ولكنها لم تصنع ثمرًا، بل بَطَّلَت الارض، وما أن صدر حكم الرب عليها حتى جفّت الشجرة في الحال. هذا ما كان سيحدث مع تلك الأمة البائسة، التي تمثل الإنسان في الجسد الذي بدوره يمتلك كل ميزة يمكن أن يتمتع بها، وبرغم كل هذه الرعاية والتهذيب الإلهي، لم يُجلب للرب أي ثمرًا.
مكتوب عن إسرائيل: «ولهُمُ التَّبَنّي والمَجدُ والعُهودُ والِاشتِراعُ والعِبادَةُ والمَواعيدُ، ولهُمُ الآباءُ، ومِنهُمُ المَسيحُ حَسَبَ الجَسَدِ، الكائنُ علَى الكُلِّ إلهًا مُبارَكًا إلَى الأبدِ. آمينَ» (رو ٩: ٤، ٥). على الرغم من كل هذه الامتيازات، لم تثمر لله، رغم أن الأوراق – والتي تمثل كل الأشكال الخارجية للدين - كانت ظاهرة بوفرة. ومع أن الإنسان في الجسد - الإنسان بموجب العهد القديم – كان يقع تحت مسئولية جلب الثمر، فإنه لم يثمر قط، ولم يكن ليمكنه أبدًا أن يثمر. كان الدليل النهائي، وهو رفض يسوع، أبلغ دليل على ذلك. وفي رفضهم له وَقَّعَ إسرائيل على قرار موتهم. إذن شجرة التين هي إسرائيل، التي تمثل الإنسان في الجسد، زرعها الله واِعتنى بها إلى أقصى حد، لكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح. لم يكن هناك ثمر ظاهر. وعندئذ انتهى بالفعل تاريخ الإنسان!
وجد البعض صعوبة في هذا المقطع من عبارة «لأنَّهُ لَمْ يَكُنْ وقتَ التّينِ»، ولذلك قالوا: ”كيف يتوقع الرب أن يجد تينًا في هذا الوقت؟“ المعنى الضمني في هذا الاستنتاج ينطوي على أن هناك نوع من الظلم في حكم الرب على الشجرة. وحاشا أن يكون مثل هذا الفكر! إذا وضعنا في الاعتبار طبيعة شجرة التين في تربتها الأصلية، فإن سحابة هذه الصعوبة تضمحل في الحال. فمن سمات شجرة التين أنها تحمل محصولين من الفاكهة الناضجة خلال نفس العام، وبينما ينضج أحد المحصولان، يبدأ المحصول الآخر في التنامي. أي بغض النظر عن أي وقت من العام فيه استقرت العين على تلك الشجرة، يجب أن يكون هناك دائمًا بعض الثمر، سواء كان هذا الثمر ناضجًا أم لا؛ فوجوده ليس مثار تساؤل لأنه حتمي. لم يكن بها ثمر، هكذا كانت حالتها « لَمْ يَجِدْ شَيئًا إلّا ورَقًا». وهذا هو الأساس الذي منه أصدر الرب حكمه عليها.
إن كلمة الرب لتلاميذه فيما يتعلق بانتقال الجبل وطرحه في البحر - على الرغم من أنه مبدأ عام عظيم للإيمان – لكني على يقين أن المعنى المقصود هنا يتمثل فيما سيحدث لإسرائيل من خلال خدمة التلاميذ بعد ذلك. كانت إسرائيل هي الجبل الأعلى والعائق الأكبر أمام انتشار الإنجيل. لكن الإيمان كان لينقلها. في الواقع، بالنظر إليها على أنها أمة على الأرض، كان عليها أن تختفي، وتتوه في بحر الأمم، وقد صارت بالفعل الآن بينهم.
لكن هناك ما هو أكثر من هذا التنبؤ التدبيري في رد الرب، وأعني به الجانب الأدبي، الذي ينبغي أن نلاحظه بعناية. إن الرب يؤكد لتلاميذه أن كل ما يطلبونه بالإيمان لا بُدَّ أن يتحقق، ولكن لضمان ذلك عليهم أن يسيروا ويتصرفوا على أساس النعمة، إذا كانوا يريدون أن يستمتعوا بهذا الامتياز. إذا كنت تصلي من أجل شيء ما، فيجب أن يكون هناك غفران «إنْ كانَ لكُمْ علَى أحَدٍ شَيءٌ». والآن، لا أشك في أن السبب الذي يجعلنا كثيرًا لا نتلقى استجابات على صلواتنا، هو أن قلوبنا ليست مستقيمة أمام الله في هذا الصدد. فبدلاً من أن نرفض الضغائن القديمة إلى الأبد، يتم الاحتفاظ ببعض منها. ولكن إذا أردنا التمتع بالنعمة والاستفادة من امتياز الصلاة، يجب أن نتصرف دائمًا بنعمة تجاه جميع الناس. كانت هذه نتيجة غير متوقعة لملاحظة بطرس بشأن شجرة التين اليابسة. أصلي أن يمنحنا الرب نعمة لنلتفت إلى هذا الدرس الجديد. (يتبع)