«وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ،
وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ»
(رؤ21: 4)
إننا نعبر في رحلة ليلية يُميِّزها الألم والحيرة والدموع، فعند المساء يبيت البكاء (مز30: 5)، لكن ما يُعزينا أنه قد تناهى الليل وتقارب النهار (رو13: 12)، ويقينًا سيكون في الصباح ترنم. وفي سياحتنا وغربتنا نتوق إلى حبيبنا، ونقف على المرصد لنعُدَ ساعاتِ الليل. وبالطبع نحن لا ننتظر تحسُّنًا في الظروف، لكننا ننتظر من السماء مُخلصًا هو الرب يسوع الذي سيُغيِّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده (في3: 20)، وننتظره لينقذنا من الغضب الآتي (1تس1: 10). إننا نتوقع ونترقب بزوغ كوكب الصبح المنير الذي سيُنهي ليل المساء. والروح القدس ينهضنا ويجدد عزمنا بقرب مجيئه. إن المنغصات والضغوط تخلع قلوبنا من الأرض وتعمق فينا الشعور بالغربة، وترفع أبصارنا نحو السماء. وبمجيء حبيبنا سنلقي عصا الغربة والارتحال، ونودع البرية بكل أتعابها. ويا حسن يوم وصولنا ذاك الحمى، إذ نُخطف في السحب لملاقاة الرب في الهواء!
وليس ذلك فقط بل نحن ننتظر ظهور المسيح بالمجد والقوة (تي2: 13)، خارجًا من السماء المفتوحة وعلى رأسه التيجان الكثيرة، عندما يُدخله الآب كالبكر إلى العالم في موكب مهيب يليق به، لكي يتبوأ عرشه على الأرض التي أُهين فيها، ويأخذ المُلك الذي له على الجميع، وتراه الأرض في كرسيه الرفيع، ويكون الرب ملكًا كبيرًا على كل الأرض، وتجثو باسمه كل ركبة، ويعترف كل لسان أن يسوع ربٌّ لمجد الله الآب. فلا بد أن يملك ويضع جميع الأعداء تحت قدميه. وكم ستفرح قلوبنا عندما نراه في يوم مجده ومُلكه العتيد، لهذا نحن نحب وننتظر ظهوره أيضًا.
أخيرًا نحن «بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً، وَأَرْضًا جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا الْبِرُّ» (2بط3: 13). وهذا سيتحقق في الحالة الأبدية، بعد زوال السماوات والأرض المخلوقة والتي تدنست بفعل الشيطان والإنسان. تقول النبوة: «السَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى» (مز102: 26). وهذا ما أكده بطرس:
«تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا» (2بط3: 10). سيحدث تحلل ذري للكون، ويصحبه ضجيج هائل، ولقد رأى يوحنا سماءً جديدة وأرضًا جديدة بالفعل، في ثوب جديد وبهيئة جديدة تناسب الأبدية، والبحر لا يوجد في ما بعد. البحر يتكلم عن هياج الشعوب والاضطرابات، وعن الفواصل والافتراق. وكل هذا لن يكون في ما بعد. والموت لا يكون في ما بعد، ولا الدموع، ولا الحزن، ولا الصراخ ولا الوجع، ولا لعنةٌ ولا ليلٌ في ما بعد، وفي النهار الأبدي سنساكن الحبيب.