أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مايو السنة 2014
أيام القضاة (6) - دراسات كتابية
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
القاضي الثالث:

شَمْجَرُ بْنُ عَنَاةَ

«وَكَانَ بَعْدَهُ شَمْجَرُ بْنُ عَنَاةَ، فَضَرَبَ مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ سِتَّ مِئَةِ رَجُلٍ بِمِنْخَسِ الْبَقَرِ. وَهُوَ أَيْضًا خَلَّصَ إِسْرَائِيلَ» (قض3: 31)

لو قرأنا سفر القضاة بتمعن سنجد أن الذين حاربوا لله استخدموا أساليبًا غير تقليدية؛ فنجد شَمْجَر يحارب بمنساس البقر (3: 31)، وكان إهُود رجلاً أعسر (3:15)، وهي سمة من سمات سبط بنيامين حيث نقرأ في قضاة 20: 16عن «سَبْعُ مِئَةِ رَجُل مُنْتَخَبُونَ عُسْرٌ»، وهكذا هنا كان إهُود أعسر أي أنه كان غير عادي. كما نجد شَمْجَر أيضًا محاربًا بمنساس البقر، فقتل به سِتَّ مِئَةِ رَجُلٍ فلسطيني، وكان هذا إنجازًا عظيمًا ولنا فيه الكثير من العبر والدروس. لم يُظهر الفلسطينيون أي لطف تجاه شعب الله، وهذا ما نلاحظه في سفري صموئيل، عندما غلب داود جليات أولاً، ثم الأمة بعد ذلك. لقد كان لداود حقًا أدبيًا في قيادة شعب الله بسبب نصرته على جليات، أما الفلسطينيون فقد غزوا بلادًا لاحق لهم فيها، إذ كانت ملكًا لإسرائيل، لكنهم توغلوا فيها وامتلكوها، وأرادوا التمسك بها. والفلسطينيون صورة للمعترفين الاسميين بالمسيح، تمامًا كالموآبيين في قرابتهم من إسرائيل، لكن دون أن تكون لهم أية علاقة حية بالله. لقد كانوا مُعترفين فقط، كأولئك الذين يصفهم الإنجيل بأنهم يقولون «يَا رَبُّ، يَا رَبُّ»، حينئذٍ يصرّح لهم الرب: «إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!» (مت7: 22- 23)؛ الأمر الذي لا يمكن أن يحدث مع أي مؤمن حقيقي بالمسيح؛ فلو كنا قد احتمينا في دمه إذًا فقد احتمينا الآن وإلى الأبد، ولا يمكن أن يُرفَّض مَنْ قبل المسيح كالمخلص والرب. لكن ما أسوأ الوضع الذي يتخذه لنفسه المعترف الاسمي بالمسيح، دون أن يأخذ حياة ودون أن يتطهر من ذنبه، إذ يأخذ وضع المسيحي بالمعمودية وبالشهادة فقط، دون حياة ولا معرفة بالخلاص. ويمثل الفلسطينيين هذا النوع من الناس الآخذين وضعًا دون امتلاك الحياة والبركة من الله.

فكيف تعامل شَمْجَر معهم؟ لقد تعامل معهم باستخدام كلمة الله. هل يوجد في العهد الجديد ما يثبت الإشارة إلى ذلك؟ نعم يوجد. عندما تقابل الرب مع شاول الطرسوسي في الطريق إلى دمشق قال الرب: «شَاوُلُ شَاوُلُ ... صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ» (أع9: 4، 5). كأن الرب يقول له: “يا شاول طالما أتت إليك كلمة الله لتحث ضميرك لكنك رفضتها. إنها كالمناخس أو المنساس تنخسك دائمًا في جنبك، مذكرةً إياك بأنك لست مستقيمًا مع الله، لكنك ترفض هذا التوجيه دائمًا، وهذا الأمر صعب عليك، لأنك تحيا بدون بركة وحرية وفرح، ببساطة لأنك لست مطيعًا”. في ذلك اليوم انحنى شاول الطرسوسي «فَسَأَلَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ: يَا رَبُّ مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟» (ع6)، وتبع الرب بعد ذلك.

عندما كنت في زيارة لإسرائيل منذ بضعة سنوات رأيت إعرابيًا يحرث أرضه بثور وحمار، وهو نير متخالف، ورأيت بعيني نتيجة ذلك. لقد حمل هذا الرجل في يده قضيبًا طويلاً، طوله حوالي مترين ونصف، وفى مؤخرته قطعة معدنية حادة. فإذا ما خرج الحيوانان عن المسار المستقيم الضيّق نالا نخسه في جنبيهما بهذه الآلة الحادة، التي لا بد وأن تكون مؤلمة للغاية، لتذكرهما أنهما ليسا فاعلين ما يريده الحارث منهما، فيعودا إلى المسار المستقيم ثانية. وكلما انتهجا طريق إرادتهما أكثر كلما نالا المزيد من النخسات، وكلما أرادا الطريق الذي يختاراه كلما صعَّبا على نفسيهما المهمة.

هذا هو التوضيح الذي استخدمه الرب مع شاول الطرسوسي. وشكرًا لله أنه خضع وأطاع فلم يعد يُنخس بتلك المناخس المؤلمة.

لنتحول إلى أعمال 2 حيث آمن الكثيرون بالكلمة المُبَشر بها، فنالوا غفران خطاياهم، وتمتعوا بالفرح والسلام والحرية. لكن كان هناك الكثيرون أيضًا ممن لم يُؤمنوا فقُتلوا بكلمة الله، أي أنهم إذ لم يؤمنوا بالمسيح سيموتون، وسيأتي يومًا فيه يدانون على رفضهم قبول المسيح كالمخلّص. وفى أعمال 7 نجد أيضًا جماعة من الناس الذين قُدمت لهم كلمة الله ورفضوها، فكانت النتيجة أنهم خسروا فرصة البركة. وفى كل سفر أعمال الرسل تتكرر علينا هذه القصة أن الناس سمعوا الكلمة، منهم من قبلها فنال البركة، ومنهم من رفضها “فمات” روحيًا، إذ وضع نفسه تحت الدينونة، لأنه رفض أن يخضع لكلمة الله. فالحق إما أن يأتي بالتوبة أو بالرفض. وأولئك الذين يرفضون حق كلمة الله التي تواجه ضمائرهم هم أموات أدبيًا أمام الله، وخسروا فرصتهم، بل وقد دينوا بسبب رفضهم الكلمة. لذلك من الحكمة أننا عندما نسمع الكلمة وتُنخس ضمائرنا نُطيعها، لا أن نرفسها، ونقبل ما يريد الله أن يقوله لنا، لنحصل على البركة التي تأتينا بها.

فإهُود بسيفه، وشَمْجَرُ بمنساسه، يمثلان لنا المبدأ ذاته، أعني تطبيق كلمة الله ضد ما ليس حسب فكر الله. كان من الصواب في تلك الأيام، وبالأكثر في أيامنا، أننا بطريقة روحية نستل كلمة الله كسيف، ونستخدمها لنصل بها إلى ضمائر الناس، وإذا ما فعلنا هذا بطريقة مؤثرة وفعالة، سننال قوة، وسنفعل شيئًا ذا قيمة لله، بالشهادة لمسرته ومجده.

دعونا نتذكر سلوك الرب يسوع المسيح وقوته وقدرته في استخدام الكلمة وسط أعدائه. هذا هو مثالنا الكامل في يومنا. يا ليتنا نتمثل به فنُبغض كما أبغَضَ، ونحب كما أحبَّ، ونكون مثله في كل طرقنا.

(يتبع)
فرانك ولاس