تيقَّن بيلاطس الوالي الروماني أن يسوع هو الملك حيث نقرأ عن ذلك 7 مرات:
(1) في يوحنا 18: 33 تساءل بيلاطس مستفهمًا: «أَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟»، فأجابه الرب إزاء استنكار اليهود لملكه بالقول: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ» (ع36)، أي لا تستمد سلطانها من أناس هذا العالم، ولا من رئيس هذا العالم. وهذا ما حدث بالفعل عندما «أَخَذَهُ أَيْضًا إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدًّا، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا، وَقَالَ لَهُ: أُعْطِيكَ هَذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي. حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ، وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ» (مت4: 8-10). ومرة أخرى بعدما أشبع الجموع «إِذْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَأْتُوا وَيَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكًا، انْصَرَفَ أَيْضاً إِلَى الْجَبَلِ وَحْدَهُ» (يو6: 15). ولم ينفِ الرب يسوع أنه ملك، بل أكد مُلكه بالقول لبيلاطس: «وَلَكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا» (ع36). لاحظ كلمة “الآنَ”، لأنه عندما يحين الوقت، سيأخذ الملك من يد الآب الذي وعد قائلاً: «أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي» (مز2: 6).
(2) في يوحنا 18: 37 استفسر بيلاطس ثانية للتأكيد: «أَ فَأَنْتَ إِذاً مَلِكٌ؟». وهنا شَهدَ الرب لَدَى بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ بِالاِعْتِرَافِ الْحَسَنِ (1تي6: 13)، مؤكدًا على ملكه بقوله: «أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ. لِهَذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهَذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ».
(3) في يوحنا 18: 39 وجه بيلاطس نداءً لليهود معترفًا فيه بيسوع أنه الملك قائلاً: «لَكُمْ عَادَةٌ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ وَاحِدًا فِي الْفِصْحِ. أَ فَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟». أما هم فبكل أسف فضلوا عليه باراباس «وَكَانَ بَارَابَاسُ لِصًّا» (ع40). ويا له من انحدار لتلك الأمة المتمردة التي من البدء لم تقبله! (يو1: 11)، والتي في يوم لاحق وبخ الرسول بطرس قادتها قائلاً: «أَنْتُمْ أَنْكَرْتُمُ الْقُدُّوسَ الْبَارَّ، وَطَلَبْتُمْ أَنْ يُوهَبَ لَكُمْ رَجُلٌ قَاتِلٌ. وَرَئِيسُ الْحَيَاةِ قَتَلْتُمُوهُ» (أع3: 14، 15). وقد كان هذا بمثابة استفتاء شعبي، نجح فيه باراباس بنسبة 100% من أصوات الأمة، أما رئيس الحياة فقد خذلوه «مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ» (إش53: 3)؛ إذ كان بحق “المُهَانِ النَّفْسِ، ِمَكْرُوهِ الأُمَّةِ، ِعَبْدِ الْمُتَسَلِّطِينَ” (إش49: 7).
(4) في يوحنا 19: 14 أخرج بيلاطس يسوع، وقال لليهود: «هُوَذَا مَلِكُكُمْ!». أما هم فَصَرَخُوا: «خُذْهُ! خُذْهُ! اصْلِبْهُ!». ويا له من عار وسَم جبين هذه الأمة التي رفضت مسياها، وأسلمته ليد المُحْتل الذي أذلهم.
(5) في يوحنا 19: 15 سألهم بيلاطس: «أَ أَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟»، فكان جواب رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ مخزيًا للغاية، إذ المفروض أنهم حماة الشريعة ومعلميها «هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: اسْأَلِ الْكَهَنَةَ عَنِ الشَّرِيعَةِ» (حج2: 11)، وهم يفتخرون بالناموس، وينسبون لأنفسهم قائلين: «لَنَا نَامُوسٌ، وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ ...» (يو19: 7)، ولكن يا لخيبة الأمل! لقد كان جوابهم على بيلاطس: «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرَ!» (يو19: 15). وكان هذا القول ضد ناموسهم تمامًا، فبينما يوصيهم الناموس على سبيل الأذن، بسبب شر قلوبهم، قائلاً: «مَتَى أَتَيْتَ إِلى الأَرْضِ التِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، وَامْتَلكْتَهَا وَسَكَنْتَ فِيهَا، فَإِنْ قُلتَ: أَجْعَلُ عَليَّ مَلِكًا كَجَمِيعِ الأُمَمِ الذِينَ حَوْلِي. فَإِنَّكَ تَجْعَلُ عَليْكَ مَلِكاً الذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ. مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِكَ تَجْعَلُ عَليْكَ مَلِكاً. لا يَحِلُّ لكَ أَنْ تَجْعَل عَليْكَ رَجُلاً أَجْنَبِيّاً ليْسَ هُوَ أَخَاكَ» (تث17: 14، 15)، ولكنهم ها هم وقد ضُبطوا متلبسين باحتقارهم لوصايا الناموس باختيارهم ”قيصر روما“! لقد كانوا بذلك يستحقون حكم الناموس بالموت عليهم «مَنْ خَالَفَ نَامُوسَ مُوسَى، فَعَلَى شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يَمُوتُ بِدُونِ رَأْفَةٍ» (عب10: 28).
(6) في يوحنا 19: 19 كتب بيلاطس عنوانًا ووضعه على صليب المسيح «يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ ... وَكَانَ مَكْتُوبًا بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَالْيُونَانِيَّةِ وَاللاتِينِيَّةِ»؛ لغات الدين والثقافة والقانون. أما رؤساء كهنة اليهود فاعترضوا على بيلاطس قائلين: «لاَ تَكْتُبْ: مَلِكُ الْيَهُودِ، بَلْ: إِنَّ ذَاكَ قَالَ: أَنَا مَلِكُ الْيَهُودِ!». يا له من حقد وبغضة، ملأت قلوبهم من جهة الرب يسوع! فهم ينكرون عليه المُلك، حتى وهو في مشهد الصليب المهين، وكانوا - نتيجة قساوتهم وقلبهم غير التائب – يذخرون لأنفسهم غضبًا في يوم الغضب، واستعلان دينونة الله العادلة.
(7) في يوحنا 19: 22 نقرأ عن إصرار بيلاطس على ما كتب، من أن يسوع هو ملك اليهود، فقال لهم: «مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ».
إن هذه الأمة قد أنكرت ملكها، وتنكرت له بالرغم مما جاء عنه في ناموسهم ونبواتهم ومزاميرهم:
لقد تجاهلوا نبوة يعقوب: «لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا، وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ، حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ» (تك49: 10).
وتجاهلوا ما جاء عنه في مزمور 2: 6 «أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي» (انظر أيضًا مزمور45؛ 145-150).
وتجاهلوا ما جاء في إشعياء 32: 1 «هُوَذَا بِالْعَدْلِ يَمْلِكُ مَلِكٌ».
وما جاء في دانيال 2: 34، 35 «قُطِعَ حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ فَضَرَبَ التِّمْثَالَ عَلَى قَدَمَيْهِ ... أَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي ضَرَبَ التِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلاً كَبِيرًا وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا»
وتناسوا ما جاء في زكريا 9: 9 «اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ، وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ».
إن لهذه الأمة تاريخًا قديمًا في رفض الرب من أن يملك عليهم؛ ففي 1صموئيل 8: 4، 5 «اجْتَمَعَ كُلُّ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ وَجَاءُوا إِلَى صَمُوئِيلَ إِلَى الرَّامَةِ وَقَالُوا لَهُ: ... الآنَ اجْعَلْ لَنَا مَلِكًا يَقْضِي لَنَا كَسَائِرِ الشُّعُوبِ»، مع أنهم بحسب الفكر الإلهي «شَعْبٌ يَسْكُنُ وَحْدَهُ. وَبَيْنَ الشُّعُوبِ لا يُحْسَبُ» (عد23: 9). وعندما سَاءَ الأمر في عيني صَمُوئِيلُ، وَصَلَّى إِلَى الرَّبِّ، قَالَ الرَّبُّ لِه: «اسْمَعْ لِصَوْتِ الشَّعْبِ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَ لَكَ. لأَنَّهُمْ لَمْ يَرْفُضُوكَ أَنْتَ، بَلْ إِيَّايَ رَفَضُوا حَتَّى لاَ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ .. الآنَ اسْمَعْ لِصَوْتِهِمْ. وَلَكِنْ أَشْهِدَنَّ عَلَيْهِمْ وَأَخْبِرْهُمْ بِقَضَاءِ الْمَلِكِ الَّذِي يَمْلِكُ عَلَيْهِمْ» (1صم8: 6-9). وكان هذا بمثابة تحذير للشعب إذ قال لهم: «هَذَا يَكُونُ قَضَاءُ الْمَلِكِ الَّذِي يَمْلِكُ عَلَيْكُمْ: يَأْخُذُ بَنِيكُمْ وَيَجْعَلُهُمْ لِنَفْسِهِ، لِمَرَاكِبِهِ وَفُرْسَانِهِ، فَيَرْكُضُونَ أَمَامَ مَرَاكِبِهِ. وَيَجْعَلُ لِنَفْسِهِ رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ وَرُؤَسَاءَ خَمَاسِينَ، فَيَحْرُثُونَ حِرَاثَتَهُ وَيَحْصُدُونَ حَصَادَهُ، وَيَعْمَلُونَ عُدَّةَ حَرْبِهِ وَأَدَوَاتِ مَرَاكِبِهِ. وَيَأْخُذُ بَنَاتِكُمْ عَطَّارَاتٍ وَطَبَّاخَاتٍ وَخَبَّازَاتٍ. وَيَأْخُذُ حُقُولَكُمْ وَكُرُومَكُمْ وَزَيْتُونَكُمْ، أَجْوَدَهَا وَيُعْطِيهَا لِعَبِيدِهِ. وَيُعَشِّرُ زُرُوعَكُمْ وَكُرُومَكُمْ، وَيُعْطِي لِخِصْيَانِهِ وَعَبِيدِهِ. وَيَأْخُذُ عَبِيدَكُمْ وَجَوَارِيَكُمْ وَشُبَّانَكُمُ الْحِسَانَ وَحَمِيرَكُمْ وَيَسْتَعْمِلُهُمْ لِشُغْلِهِ. وَيُعَشِّرُ غَنَمَكُمْ وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لَهُ عَبِيدًا. فَتَصْرُخُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ وَجْهِ مَلِكِكُمُ الَّذِي اخْتَرْتُمُوهُ لأَنْفُسِكُمْ، فَلاَ يَسْتَجِيبُ لَكُمُ الرَّبُّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ».
يا لها من أمور مرعبة ومخزية كان ينبغي أن تجعلهم يستفيقوا لما هم طالبون، وكيف سيكون طلبهم لإذلالهم وتصغيرهم، وبدل أن يتوبوا ويرجعوا عن أفكارهم، أكملوا مشوار عناد قلوبهم، وأبوا أن يسمعوا لصوت صموئيل، وقالوا: «لاَ بَلْ يَكُونُ عَلَيْنَا مَلِكٌ، فَنَكُونُ نَحْنُ أَيْضًا مِثْلَ سَائِرِ الشُّعُوبِ، وَيَقْضِي لَنَا مَلِكُنَا وَيَخْرُجُ أَمَامَنَا وَيُحَارِبُ حُرُوبَنَا».
أين أولئك المردة من موسى الذي قال للرب: «إِنْ لَمْ يَسِرْ وَجْهُكَ فَلاَ تُصْعِدْنَا مِنْ هَهُنَا، فَإِنَّهُ بِمَاذَا يُعْلَمُ أَنِّي وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ أَنَا وَشَعْبُكَ؟ أَ لَيْسَ بِمَسِيرِكَ مَعَنَا؟ فَنَمْتَازَ أَنَا وَشَعْبُكَ عَنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ» (خر33: 15، 16).
لقد أسلمهم الرب لشهوات قلوبهم، ومَلَّك عليهم شاول الذي قال عنه وعنهم: «هَلاَكُكَ يَا إِسْرَائِيلُ أَنَّكَ عَلَيَّ، عَلَى عَوْنِكَ. فَأَيْنَ هُوَ مَلِكُكَ حَتَّى يُخَلِّصَكَ فِي جَمِيعِ مُدُنِكَ؟ وَقُضَاتُكَ حَيْثُ قُلْتَ: أَعْطِنِي مَلِكًا وَرُؤَسَاءَ؟ أَنَا أَعْطَيْتُكَ مَلِكًا بِغَضَبِي، وَأَخَذْتُهُ بِسَخَطِي» (هو13: 9-11).
إنها ذات الرغبة الشريرة في قلوبهم مِن جهة رفض مُلك الرب عليهم، والاستعاضة عنه بِمُلك الإنسان. ففي أيام جدعون قال رجال إسرائيل له: «تَسَلَّطْ عَلَيْنَا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنُ ابْنِكَ، لأَنَّكَ قَدْ خَلَّصْتَنَا مِنْ يَدِ مِدْيَانَ. فَقَالَ لَهُمْ جِدْعُونُ: لاَ أَتَسَلَّطُ أَنَا عَلَيْكُمْ وَلاَ يَتَسَلَّطُ ابْنِي عَلَيْكُمُ. الرَّبُّ يَتَسَلَّطُ عَلَيْكُمْ» (قض8: 22، 23). ولكن، ويا للأسف، فقد كان لكلامهم تأثير سيء على جدعون، فكان كلقمة حلوة نزلت إلى مخادع بطنه، لأنه بعد هذا نقرأ: «وَسُرِّيَّتُهُ الَّتِي فِي شَكِيمَ وَلَدَتْ لَهُ هِيَ أَيْضًا ابْنًا، فَسَمَّاهُ أَبِيمَالِكَ» (ع31)، الذي معناه “أبي ملك” أي أن الرغبة الشريرة التي عند الشعب انتقلت لجدعون، الذي بتصرفه هذا نصّب نفسه ملكًا. هنا نجد قلب جدعون يرغب في الملك الذي هو لله، وبعده جاء هيرودس، الذي لما سمع هتاف الشعب: «هَذَا صَوْتُ إِلَهٍ لاَ صَوْتُ إِنْسَانٍ! فَفِي الْحَالِ ضَرَبَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ، لأَنَّهُ لَمْ يُعْطِ الْمَجْدَ لِلَّهِ، فَصَارَ يَأْكُلُهُ الدُّودُ وَمَاتَ» (أع12: 22، 23). ليحفظنا القدير من خداع قلوبنا، لأن «اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ» (إر17: 9).
وهكذا جعل أبيمالك ابن جدعون نفسه ملكًا على الشعب. وما سبق أن رفضه أبوه طلبه هو لنفسه، وأراد أن يتسلط على الشعب، ثم قتل إخوته «سَبْعِينَ رَجُلاً ... وَبَقِيَ يُوثَامُ بْنُ يَرُبَّعْلَ الأَصْغَرُ لأَنَّهُ اخْتَبَأَ. فَاجْتَمَعَ جَمِيعُ أَهْلِ شَكِيمَ ... وَذَهَبُوا وَجَعَلُوا أَبِيمَالِكَ مَلِكًا» (قض9: 5، 6). وأما يوثام فقد وقف على رأس جبل جرزيم، ورفع صوته لأهل شكيم بِمَثَل عن الأشجار التي ذهبت لتمسح عليها ملكًا، ولم تقبل المُلك أي من الأشجار النافعة، كالزيتونة والتينة والكرمة، وأخيرًا مَلك عليهم العوسج الذي يرمز لأبيمالك. وطلب العوسج أن تخضع له كل الأشجار، وإلا تخرج منه نار لتأكل أرز لبنان، وهو ما حدث فعلاً بين أبيمالك وسكان شكيم. وهو ما حدث أيضًا في أيام الرب يسوع حيث قالوا: «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرَ!» (يو19: 15). وقد خرجت النار من عند قيصر سنة 70 ميلادية، وأكلت هيكلهم وشبانهم وأطفالهم ونساءهم، وخرَّبت مدينتهم.
وهذا هو نصيب كل مَن يرفض مُلك المسيح، مُمثلاً في الإنسان شَرِيف الجِنسِ الذي ذَهَبَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ لِيَأخُذَ لِنَفسِهِ مُلكًا وَيَرجِعَ «وَأَمَّا أَهْلُ مَدِينَتِهِ فَكَانُوا يُبْغِضُونَهُ، فَأَرْسَلُوا وَرَاءَهُ سَفَارَةً قَائِلِينَ: لاَ نُرِيدُ أَنَّ هَذَا يَمْلِكُ عَلَيْنَا»، وَلَمَّا رَجَعَ بَعْدَمَا أَخَذَ الْمُلْكَ، كافأ عبيده الأمناء، ودان عبيده الأشرار، ثم قال: «أَمَّا أَعْدَائِي، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي» (لو19: 12-27).
وها هو تحذير الروح القدس في مزمور2 «فَالآنَ يَا أَيُّهَا الْمُلُوكُ تَعَقَّلُوا. تَأَدَّبُوا يَا قُضَاةَ الأَرْضِ ... قَبِّلُوا (اقبلوا) الاِبْنَ لِئَلاَّ يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ الطَّرِيقِ. لأَنَّهُ عَنْ قَلِيلٍ يَتَّقِدُ غَضَبُهُ» (مز2: 10-12).
وإن ما حدث من الأمة اليهودية قديمًا يحدث في دوائر المسيحية الآن بالرغم من إعلان نور الإنجيل الكامل، لكنهم ينكرون على المسيح مُلكه، بل أحيانًا يستهزئون بهذا الحق اليقيني.
أين نهرب من قول الملاك في بشارته للعذراء عندما حُبل به في البطن: «هَذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ» (لو1: 32، 33).
ثم بعد ولادته، جاء المجوس يسألون: «أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» (مت2: 2).
ثم قول نثنائيل: «يَا مُعَلِّمُ، أَنْتَ ابْنُ اللهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!» (يو1: 49).
ولا ننسى اعتراف اللص التائب: «اذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ» (لو23: 42).
ثم قول الرسول بولس في 1كورنثوس 15: 25 «لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ حَتَّى يَضَعَ جَمِيعَ الأَعْدَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ».
وفي 2تيموثاوس 2: 12 «إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ فَسَنَمْلِكُ أَيْضًا مَعَهُ».
وفي 2تيموثاوس 4: 1 «الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْعَتِيدِ أَنْ يَدِينَ الأَحْيَاءَ وَالأَمْوَاتَ، عِنْدَ ظُهُورِهِ وَمَلَكُوتِهِ».
وفي رؤيا 5 ستكون ترنيمة المفديين «مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ ... لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا لِلَّهِ بِدَمِكَ ... وَجَعَلْتَنَا لإِلَهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ» (رؤ5: 9، 10).
وفي رؤيا 20 يرد الكلام عن ملك المسيح ألف سنه 6 مرات.
وهل نستكثر على رب المجد الذي أُهين في هذا العالم أن يظهر للعالم بقوة ومجد كثير
مَنْ أُهين سيجي عن قريبٍ للجزا
فتأنوا تبلغوا المجد معه والمُنى
نعم لا بد أن يملك المسيح، ولا بد أن تجثو باسمه كل ركبة، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب، لمجد الله الآب (في2: 10، 11).