أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد أبريل السنة 2005
الفصل الخامس:نهاية جحزي - نعمان الأبرص
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«اذهب واغتسل .. واطهر» (2مل5: 10، 13)

بعدما رأينا نعمان وقد طهر وسلَّم حياته لله، فإننا الآن نوجّه انتباهنا إلى نهاية جيحزي المأساوية. وفي هذا تحذير خطير للمسيحيين بالاسم.

 أ ـ طمع جيحزي

 ينتهي الأصحاح الخامس من سفر الملوك الثاني نهاية مُظلمة بعد أن رأينا تطهير نعمان. فطمع جيحزي اصطدم بشدة مع تعفف أليشع. وأكاذيب جيحزي لم تنطلِ على إخلاص أليشع وصدقه. وهنا أيضًا نرى أن الله يختبر القلوب والأفكار (مز7: 9؛ إر11: 20). إنه يميز أفكار القلب ونياته (عب4: 12). «الذي سيُنير خفايا الظلام ويُظهر آراء القلوب» (1كو4: 5) الذي له القدرة على كشف كل رياء لأنه العليم بكل شيء.

 وهنا نرى جيحزي والخطة التي حبكها (ع20) وكان يظن أن أفكاره وتدبيراته سوف تظل في طي الظلام. إنه لم يعمل حسابًا لله الحي. يا له من سوء تقدير! ويا لها من غلطة، إذ ظن أن بمقدوره استعمال موقعه وسلطة رجل الله بدون تقدير للعواقب الوخيمة! فجيحزي مسوقًا بشهوته للمال والثروة انزلق من خطية إلى أخرى. يا لها من قائمة مُحزنة من الأكاذيب الأثيمة! ويا له من سوء استخدام لسلطة رجل الله! وفي الحقيقة، فإن محبة المال أصل لكل الشرور (1تي6: 10). والطمع ليس أقل من عبادة الأوثان (كو3: 5)، بل أكثر من ذلك فإنه أقسم «حي هو الرب إني أجري وراءه وآخذ منه شيئًا». يا له من قَسَم مراوغ كاذب! لقد ظن جيحزي أن عمله سيظل في طي الكتمان .. ولكنه سرعان ما انكشف.

 لم يقبل خادم النبي تصرفات سيده. فلم يكن مفهومًا لديه، لماذا يساعد سيده هذا السرياني، عدو إسرائيل، بدون أي نفع يعود عليه. لقد كان قليلاً عنده أن يُقبِل نعمان إلى معرفة إله إسرائيل وأن يتعلم العيش بالنعمة. إنه لضرب من الغباء أن يضيّع فرصة كهذه. وبسرعة ركض خلف نعمان لعله يغنم شيئًا. رأى نعمان شخصًا ما يركض وراءه، فنزل عن مركبته وقال باهتمام: «أ سلام؟» (ع21). وكان جيحزي جاهزًا بأكذوبته: قد جاء لأليشع اثنان من بني الأنبياء، فهل يمكن أن يمنحهما وزنة من الفضة وحُلتي ثياب. أجاب نعمان: ”بالطبع“. وكم كان سعيدًا أنه استطاع أن يُظهر امتنانه بهذه الطريقة، وأعطاه ضعف ما طلب من الفضة.

 وبمساعدة غلامين من خَدَم نعمان، حَمَل كل شيء إلى تل إلى جوار بيت أليشع، وهناك وَدَعَ الغنيمة في البيت وودَّع الغلامين (ع22ـ 24).

 ب ـ مواجهة جيحزي مع أليشع

 كأن شيئًا لم يحدث، ذهب جيحزي ووقف أمام سيده. لقد بدا كأنه خادم أمين. وهنا سأله أليشع سؤالاً فاحصًا: «من أين يا جيحزي؟» (ع 25). ومثل هذه الأسئلة تتكرر في المكتوب. ففي سفر التكوين مثلاً نجد ثلاثة أسئلة جوهرية: «أين أنتَ؟». «ماذا فعلتِ؟». «من أين أتيتِ؟ وإلى أين تذهبين؟» (تك3: 9؛ 4: 10؛ 16: 8).

 وهنا نسمع الأكذوبة الأخيرة، إذ أراد جيحزي أن يغطي خداعه، فقال: «لم يذهب عبدك إلى هنا أو هناك». وهنا يكشف أليشع لجيحزي أكذوبته، إذ أعلمه الرب بالأمر قائلاً: «ألم يذهب قلبي حين رجع الرجل من مركبته للقائك؟» (ع26). وهنا يردف أليشع سؤاله الفاحص الأخير «أ هو وقت لأخذ الفضة ولأخذ ثياب وزيتون وكروم وغنم وبقر وعبيد وجوارِ؟» (ع26). لقد ظن جيحزي أن تلك كانت فرصة سانحة ليبني لنفسه حياة جديدة. وهكذا الحال الآن، فكثيرون من المؤمنين تحكمهم الأمور المادية. وإذا اعتبرنا هذا السؤال بصورة أوسع قليلاً، نجد أن جيحزي لم يدرك الطابع الحقيقي للأيام التي كان يعيش فيها (قارن لو12: 56). إنه لم يدرك أن الدينونة وشيكة. وأيضًا لم يفهم أنه من الأفضل أن يحمل العار مع رجل الله، من أن يتمتع برغد العيش بدونه. ولكن ماذا عنا نحن؟ هل ندرك أننا في الأيام الأخيرة؟ هل نحن خبيرون بالأوقات؟ (1أخ 12: 32). هل نتمنى أن نكون خدامًا أمناء للرب منتظرين ظهوره؟

 جـ ـ عقاب جيحزي

 عوقب جيحزي بنفس المرض الذي برأ منه نعمان. لقد كان يقدِّر فضة نعمان، وها هو قد أُصيب بذات مرضه. ثم أنه كان عقابًا جماعيًا (يش7: 24؛ دا 6: 24) لأن برص نعمان سيلصق بنسله أيضًا. «فخرج من أمامه أبرص كالثلج» (ع27). لقد أصبح من المستحيل أن يظل في محضر أليشع، حتى وإن كان من الممكن أن يُحسب طاهرًا وفقًا لأحكام شريعة الأبرص (لا 13: 13). إن قسوة العقاب الذي نزل بجيحزي، يتناسب مع خطورة خطاياه:

 1 ـ فهو لم يضع في اعتباره أن محبة المال أصل لكل الشرور.

 2 ـ لقد استسلم لرغائبه الجسدية حُبًا في المال والثروة.

3 ـ أساء استعمال سلطة رجل الله أمام نعمان.

 4 ـ كذب على النبي.

 5 ـ شوَّه نعمة الله نحو شخص غير إسرائيلي.

 6 ـ لم يُظهر فهمًا صحيحًا لطبيعة الأيام التي كان يعيش فيها. يا له من مصير رهيب لشخص عاش قريبًا إلى درجة كبيرة من أليشع، أن ينفصل عنه وأن يُقصى عن محضره بهذه الكيفية!

 إننا لا نعرف ما إذا كان قد رآه مرة أخرى بعد ذلك. وهذا تحذير خطير للمسيحيين بالاسم، المُعترفين بالمسيح ولكنهم لا يعرفونه معرفة قلبية.

 إن نهاية جيحزي تدفعنا لأن نعيد التفكير فيما كتبه بولس لمؤمني كورنثوس. لقد أعطاهم هذا التحذير الخطير: «إن كان أحد لا يحب الرب يسوع المسيح فليكن أنا ثيما. ماران آثا» (1كو16: 22). مثل هذا الشخص سيواجه حتمًا عقوبة أبدية، هلاكًا أبديًا، بعيدًا عن محضر الرب وعن مجد قوته (2تس1: 9). (تم)

هوجو باوتر