ما هو الحق الخصوصي الذي يكشف هنا؟ إن الرب يسوع يرى هنا كآدم الأخير، الإنسان الثاني، لكن مريم حتى الآن فكرت فيه فقط كسيدها، الذي على وشك أن يأخذ مركزًا أرضيًا، وملكوته أرضيًا، وكان قلبها ممتلئًا بالتوقعات بأن يؤسس ذلك الملكوت ويسود فيه كملك. لذلك يمكننا أن نتصور مشاعر الحزن التي قد حلت فى قلبها بينما هو يقول لها: ”لا تلمسيني“. وأظن أنني أستطيع أن أفهم شعور مريم إذ قالت كما أتصور: ”يا رب، لقد فقدتك من قبل، وقد انكسر قلبي بسبب هذا، والآن بعد أن قمت من بين الأموات، هل سأفقدك مرة أخرى؟“. وهو له المجد كما لو كان يقول لها: ”كلا يا مريم، لقد كنت لك مرة على الأرض ثم فقدتينني. لكن الآن سأكون لك إلى الأبد، بكيفية جديدة، وفي مركز جديد، في ألفة وعلاقة، لم يكن ممكنًا أن تكون لك من قبل“.
هذا متضمن فيما أضافه بعد ذلك لما قال: «اذهبي إلى اخوتي وقولي لهم، إني أصعد إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم». لقد أقام أساسًا جديدًا. إن حبة الحنطة الحقيقية قد ماتت ثم قامت من الأموات، وهي على وشك الآن أن تأتي بثمر كثير. وما هو الثمر؟ أولئك الذين يدعوهم ”اخوتي“، والذين يستطيع أن يأتي بهم إلى اتحاد كامل مع شخصه في المركز الجديد الذي قد أخذه. إنه لم يسبق له إطلاقًا أن تكلم كما يتكلم الآن «أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم». فحتى الأصحاح الثاني عشر من إنجيل يوحنا هو يتكلم غالبًا عن ”أبي“. ومن الأصحاح الثالث عشر حتى السابع عشر يتكلم له المجد كثيرًا إلى تلاميذه عن ”الآب“ بمعنى خاص ممهدًا الطريق لما يكشفه الآن، حيث يظهر الحق الكامل. لقد أنهى الموت تاريخ الإنسان الأول فى الصليب، حيث نرى الإنسان الثاني، الرب من السماء، في نعمة غنية مائتًا عوضًا عنه. وبعد أن قام من الأموات يعلن الآن بدايةَ عهدٍ جديدٍ، فهو كالإنسان الثاني، آدم الأخير، قد صار رأسًا لجنس جديد، وهو يسر بأن يقول لهذه المرأة المكرسة، والتى رضي بها كرسول مناسب لتحمل تلك الأخبار المدهشة «اذهبي إلى اخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم». إنه كما لو كان يقول لمريم ”إن لي منذ الأزل مكانًا يخصني أنا فقط، لكني لوحدي هناك. لذلك بالمحبة أتيت إلى هذا المشهد، وقُدمت مبذولاً من أجل أولئك الذين كانوا تحت حكم الموت. وعلى أساس البر الكامل أمكنني أن أحمل معي إلى ذلك المكان الذي أتيت منه، أولئك الذين اسميهم اخوتي، لكي أتحدهم معي فى المركز (الذي هو ليس جديدًا بالنسبة لي) الذي سأرجع إليه بكيفية جديدة كإنسان مقام من الأموات. اذهبي وأخبري اخوتي أن المكان الذي كان لي دائمًا حيث التمتع بمحبة الآب وبالحظوة لديه وبمحضره، أنا مزمع الآن أن أحضرهم إليه معي. إن أبي هو أبيهم، وإلهي إلههم“.
كان لا بد أن يحضر التلاميذ إلى نفس المركز والمقام الذي ليسوع نفسه مع الله ومع الآب. لقد أكمل عملاً أجلسه كإنسان أمام الله والآب فى المجد. أما خاصته الذين فداهم بموجب عمله الكامل على الصليب، فهو يدخلهم إلى نفس المجد، وفي نفس العلاقة التي له. لم تكن هناك أبدًا رسالة أروع وأثمن ومشحونة بهذا العمق من البركات الروحية استودعت لأي شخص على الأرض مثل تلك الرسالة التي حصلت عليها تلك المرأة المكرسة، وفي ذلك الصباح، صباح القيامة. ولا تنسوا أن إخلاصها وتكريسها هما اللذان ربحا لها تلك الإرسالية المجيدة التي لا يمكن وصفها.
لكن لماذا يمنعها الرب من أن تلمسه؟ لقد ترك النساء اللواتى من الجليل أن يمسكن بقدميه، كما عرفنا فى متى28: 9، حيث يتعلق الأمر باسترجاع علاقات مع بقية من شعبه الأرضي فى يوم قادم، وإن كان على أساس القيامة. لماذا إذًا لا يترك مريم تلمسه؟ الحق بسيط... فهو ذاهب إلى السماء، إنه فى حالة سماوية، والقديس فى هذا التدبير هو فيه هناك، في ذلك المقام أو المركز الجديد، وعلى أساس جديد تمامًا فهو - أي الرب - لن يُعرف من الآن فصاعدًا بالنظر أو باللمس. وهذا ما سنفهمه عندما نتابع ما حدث بعد ذلك. فلا بد من حياة بحسب المركز الذي كان فيه يسوع الآن، كالمقام من الأموات والذي على وشك أن يصعد. هذه الحياة كان يجب أن تكون بقوة الروح القدس، الذي لم يكن قد أتى بعد.
الرب يعطي السلام والفرح لتلاميذه
وقد حملت مريم رسالتها إلى الاخوة الذين كانوا مجتمعين معًا. وفي يوحنا20: 19 نقرأ «ولما كانت عشية ذلك اليوم، وهو أول الأسبوع، وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود، جاء يسوع ووقف في الوسط وقال لهم: سلام لكم». ها هو ثمر عمله، إنه يرى من تعب نفسه إلى حد أنه كالحي من الأموات يأتي في وسطهم، وأول كلمة يقولها هي ”سلام لكم“. إن رئيس السلام قد صنع السلام على الصليب بدمه المسفوك هناك، وقد قام من الأموات، وصار هو نفسه الشاهد الأول للسلام الذي قد عمله. وهو يذهب في وسط أحبائه. وكم كان حلوًا وقع هذه الكلمات: ”سلام لكم“ على آذانهم وقلوبهم المضطربة فى ذلك المساء. «ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه، ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب». ويا له من اجتماع مفرح وسعيد! أ لم يفرح قلبك هكذا أيضًا عندما رأيت الرب؟ إنه فقط عندما ترى الرب يسوع سيفرح قلبك.
وهكذا تجدون الحق في سياق وتتابع لائق. لقد رأينا موت المسيح وإكمال عمله على الصليب في الأصحاح التاسع عشر. ثم القيامة كبرهان لقيمة هذا العمل في بداية الأصحاح العشرين. والآن تجدونه آتيًا ومعلنًا السلام للتلاميذ في العلية. وكنتيجة لذلك، حال رؤيتهم له، نالوا هذا السلام، وتبع ذلك فرح القلب. إن فهم حقيقة موته وقيامته بالإيمان، تحمل معها السلام للضمير، والفرح للقلب، إنني أحصل على السلام نتيجة عمله على الصليب، والفرح نتيجة لمعرفة شخصه. والآن لنرى ما تبع ذلك. «فقال لهم يسوع أيضًا: سلام لكم. كما أرسلني الآب أرسلكم أنا»، كان عليهم الآن أن يخرجوا كمفوضين منه إلى العالم حاملين الشهادة للسلام الذي نالوه منه أولاً. وعليكم أن تلاحظوا هنا، إنهم ليسوا جماعة رسولية. ربما يسأل البعض: إذا لم يكونوا رسلاً، فماذا هم؟ لقد كانوا تلاميذ على وجه العموم، الإخوة والأخوات، جماعة الله من حيث المبدأ. ولو كان هناك أدنى شك من جهة هذا الأمر، فإن الأصحاح الرابع والعشرين من إنجيل لوقا يجعله واضحًا. فعندما رجع التلميذان من عمواس حيث كانا قد رأيا الرب «وجدا الأحد عشر مجتمعين، هم والذين معهم، وهم يقولون: إن الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان!» (لو24: 33، 34). إن الروح القدس حريص جدًا لغرض معين وواضح، أن يرينا أنها لم تكن فقط جماعة رسولية التي كانت مجتمعة في هذا المساء الأول. بل وقد كان واحد من الرسل غائبًا. إذ لم يكن توما حاضرًا كما يسجل لنا العدد 24.
المؤمنون مرسلون من الرب إلى العالم
لقد كان هنا جماعة عامة من المؤمنين في الرب، والتي صارت بنزول الروح القدس فى أعمال 2 نواة الكنيسة. وقد كانت رسالة مريم المجدلية هي التي جمعتهم، وإذ اجتمعوا هكذا ماذا كان لهم؟ يسوع فى وسطهم، وبالتالي سلام وفرح. ولا أحتاج أن أقول إنهم كانوا جماعة سعيدة. والآن يعطيهم الرب إرسالية، وهي إرسالية عامة لكل واحد من أولاد الله. ففي عدد 21 يقول الرب يسوع: «كما أرسلني الآب أرسلكم أنا». لقد أرسله الآب إلى العالم لكي يكون المعبِّر عن محبته الكاملة ونعمته لهذا العالم. والآن هو يقول: ”إني سأخرج من العالم، ولكني أترككم أنتم هناك، لكي تعيشوا فيه لأجلي، ولكي تظهروني له“. وكيف ينتج هذا؟ كما ترون لأن المسيحي له حياة المسيح. ما هو المسيحي؟ هو شخص مولود من الروح القدس، وساكن فيه الروح القدس، وقد نال غفران خطاياه التي مُحيت بواسطة عمل المسيح، كما أن ما كان عليه في الجسد كابن مسئول لآدم قد انتهى على الصليب. إنه الآن في المسيح، والمسيح هو حياته، وقد أحيي بواسطة حياة المسيح نفسه. إنها حياة القيامة السامية، وهو على الجانب الآخر من الخطية والموت ودينونة الله، وقوة الشيطان. إنها حياة الغلبة. وأستطيع الآن أن أفهم بطريقة أفضل معنى ما يقوله الرب في الأصحاح العاشر من يوحنا «وأما أنا فقد أتيت لتكون لكم حياة، وليكون لهم أفضل» (ع10). إنني لا أنكر أن التلاميذ كان لهم حياة أبدية بينما هم يسيرون مع الرب هنا على الأرض قبل الصليب. وبلا شك كانت هذه الحياة ظاهرة ومنظورة في الشخص المبارك الذي هو الحياة الأبدية. أما الآن فكان عليهم أن ينالوها شخصيًا وبوعي وإدراك في داخل نفوسهم بواسطة الروح القدس، وبنفس الطريقة التي يحصل المسيحي الآن على هذه الحياة. وإني لا أنكر أن الناس في أزمنة العهد القديم قد حيوا بحياة ابن الله، لكنهم لم يعرفوا شيئًا عنها، فهي لم تكن معلنة حينئذ، إن كل إدراك للحرية والراحة المرتبطة بها لم يكن مكنًا حينئذ إلى أن تم عمل الفداء، حيث انشق الحجاب، وصعد ابن الانسان إلى الأعالي، بينما أرسل الروح القدس هنا. حتى ذلك الحين لم تكن الحياة معروفة كالحياة الأفضل أو (الحياة بغزارة abundantly)
(يُتبَع)