أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد نوفمبر السنة 2005
أسئلة أيوب الثلاثه والإجابه عليها - اسئلة أيوب الثلاثة و الإجابات عليها
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
    1. «لماذا أخرجتني من الرحم ؟» ( أيوب 18:10)

    2. «كيف يتبرر الإنسان عند الله ؟» (أيوب 2:9 ، 25: 4)

     3. «إن مات رجل أفيحيا ؟» (أيوب 14:14 )


مقدمة :

لا يكاد الإنسان يولد إلا وتملأ الأسئلة فكره. ومن طفولته المبكرة يواجه مشكلات لا حصر لها وألغازًا لا حل لها.

وهذا ليس بمستغرب، لأن الإنسان لا يستطيع أن يقضي حياته على الأرض في حالة لا مبالاة وبغير اكتراث مما يجري حوله. ولكن كم من سؤال لا يصل إلى إجابة عليه. والأسوأ، كم من سؤال يُرَد عليه بإجابات خاطئة.

معظم الناس في أيام الرخاء المادي يقنعون بسد احتياجاتهم الأرضية. فهم يقضون أيامهم كحلم، ويطردون من ذهنهم كل أفكار مقلقة. ولكن عندما يدخلون في متاعب وضيق، وعندما ينهار كل سند بشري؛ عندئذ يبدأون يسألون عن الأسباب الأصلية للأشياء، ويطلبون الراحة في أي جواب عن أسئلتهم. وللأسف أن كثيرًا ما يحدث أن تأتي الإجابة ممن وصف بأنه: «كان قتالاً للناس منذ البدء»، فيقودهم إلى اليأس، أو ما هو أسوأ، أن يخدر أفكارهم بأكاذيبه السامة مرة أخرى.

والمؤمنون الحقيقيون، في وجودهم في المسيح، لهم الإجابة الناجعة لكل الأسئلة. إن الله - تبارك اسمه - قد اكتفى بعمل ابنه، فكيف لا يكتفي الإنسان بذلك أيضًا؟

في سفر أيوب نجد أسمى الأسئلة وأعمقها، وقد صيغ بعضها بطريقة تفوق بكثير أية إعلانات أخرى في العهد القديم. ومن المدهش أن نرى كيف أن فيه الإجابة عن كل الأسئلة الهامة التي يمكن أن يطرحها الإنسان في سعيه لنوال الغفران، وفي استقصائه طرق الله الغامضة بالنسبة له، بل نجد فيه إسكاتًا لكل جرأة ووقاحة متشككة . لهذه الأسباب فإن دراسة سفر أيوب يمكن أن تكون بركة للمؤمن خاصة هذه الأيام، عندما يجد كثير من المسيحيين أنفسهم مجربين بمحاجاة الله، كما فعل أيوب هنا.  ليت الرب يعطينا أن نتعلم من سفر أيوب كيف نمجد اسمه.

من الواضح أن أيوب كان رجلاً ذا فكر راقٍ ومشاعر مرهفة. هذا زاد من معاناته من الضربات التي سُمِح للشيطان أن يوجهها إليه. ولكن لم تخرج من شفتيه كلمة تذمر واحدة، بل إن التجربة أظهرت بوضوح خضوعه الكامل لإرادة الله. حتى وهو يقاسي أشد العذابات الجسدية، وعندما تكلمت امرأته: ”كإحدى الجاهلات“ (أي 10:2)، رد عليها بكلمات الحكمة والخضوع التي سببت إرشادًا وتعزية لكثيرين. ومع أنه لم يكن يفهم لماذا أتت عليه كل هذه المصائب، فقد تمسك باليقين أن الله قد سمح بها، وإنها ستعمل معًا للخير في النهاية. فقد قبل الخير من يد الله، أولا يقبل الشر أيضًا؟

كم يخجلنا هذا، نحن الذين أُُعلِن لنا حب الله الكامل في المسيح يسوع، والذين تقول لنا كلمة الله بوضوح إن كل الأشياء تعمل معًا للخير لصالحنا. وكم من مرة تجعلنا تجارب أبسط بكثير نتذمر أو نتمرد، أو تثير الشكوك في قلوبنا.

وجدير بنا أن نلاحظ هنا أن الشيطان وليس الله هو الذي قتل أبناء أيوب، وهو الذي أضاع ممتلكاته، وابتلاه بالقروح المؤلمة. أكيد أن الله سمح بها ليس فقط لكي يبرهن على كذب الشيطان، بل أيضًا ليلقن أيوب درسًا كان في حاجة إليه. والدرس الذي تعلمه أيوب وأصدقاءه كان عظيمًا، حتى أن أيوب في النهاية اعتبر كل ما أصابه تافهًا بالمقارنة بما تعلمه من هذا الدرس.

بالطبع، في البداية، كان كل شيء يبدو خارج مجال فهمه. ففي نهاية الإصحاح الأول نقرأ: «في كل هذا لم يخطئ أيوب، ولم ينسب لله جهالة»، ولكن في أيوب 10:2 نجد القول: «في كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه». بالتأكيد أن الله كان يريد أن يعفي أيوب من التعرض لهذه النكبات، كما أن ما سُمِح للشيطان أن يفعله لم يأت مباشرةً من يد الله، وهذا سر من الصعب فهمه، وإذا كان أيوب فيما بعد وجه اتهامات حمقاء لله، فهذا يُعزى جزئيًا إلى إنه لم يفهم هذا السر. وصبر أيوب جدير بالإعجاب، بل إنه صار نموذجًا يُضرب به المثل. إلا إنه عندما جاءه أصدقاؤه الثلاثة، وظلوا صامتين لسبعة أيام، معلنين بذلك أنه ليس لديهم كلمات تعزية له، بل كانوا يفكرون في قلوبهم أن أيوب نال جزاءً عادلاً عن أفعاله، عندئذ امتلأ قلب أيوب باليأس من ناحية الجميع، وفي مرارة نفسه نطق بأول تساؤل احتجاجي: ”لماذا ؟“.  «لِمَ يُعطى لشقي نور، وحياة لِمُرِّي النفس؟» (أي 20:3). ”لماذا؟“. نعم ”لماذا؟“. وملايين البشر يسألون نفس هذا السؤال منذ القديم: ”لماذا أعيش؟“. ”أ لم يكن من الأفضل ألا أُولَد؟“ ( انظر أيوب 3: 10-20. وفي إشعياء 45: 10،9 تجد الويلات لمن يسألون هذه الأسئلة).
               (يُتبَع)

هـ.ل.روسييه