«وَتَأْخُذُونَ لأَنْفُسِكُمْ فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ ثَمَرَ أَشْجَارٍ بَهِجَةٍ وَسَعَفَ النَّخْلِ وَأَغْصَانَ أَشْجَارٍ غَبْيَاءَ
وَصَفْصَافَ الْوَادِي، وَتَفْرَحُونَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكُمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ» (لا23: 40)
«وَتَتَذَكَّرُ كُلَّ الطَّرِيقِ الَّتِي فِيهَا سَارَ بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ هذِهِ الأَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْقَفْرِ...
فَأَذَلَّكَ وَأَجَاعَكَ وَأَطْعَمَكَ... أَدَّبَكَ... أَعْطَاكَ» (تث8: 2، 5، 10)
لهذه الأجزاء بُعد نبوي مرتبط بشعب إسرائيل، لكن لنا فيها أيضًا تطبيقات روحية نافعة لنا بمناسبة نهاية العام. وفي البداية دعونا نرى العلاقة بين عيد المظال ونهاية العام، قبل أن نتأمل في بعض تطبيقات روحية على طقس اليوم الأول من العيد، وما يحمل من مدلولات مرتبطة بهذه المناسبة.
عيد المظال هو آخر أعياد اليهود، يأتي في الشهر السابع من السنة العبرية. وهو أكثر الأعياد ذكرًا في الكتاب. ويُسمى عيد الجمع. وفي خروج 23، 34 يُذكر أن عيد الجمع في آخر السنة. هنا لا يقصد نهاية عام ليبدأ عام عبري جديد، بل نهاية السنة الزراعية، كما نقول نهاية السنة الدراسية أو نهاية السنة المالية. ويأتي بعد جمع المحصول؛ فبعد الحصاد تُفصل الحنطة عن التبن، فيُحرَّق التبن، ويُدخل بالحنطة إلى البيدر. وأيضًا يأتي بعد جمع محصول العنب وإدخاله إلى المعصرة.
وهذا العيد يُشير إلى بدء تدبير جديد بعد أن يُحقق الرب وعده ويُتمّم كل مقاصده، بأن يجمع شعبه ويُدخلهم للراحة التامة والأفراح الكاملة، ويقضي الرب على الأعداء وفاعلي الإثم (المرموز إليهم بحرق الزوان، وبدوس المعصرة). إذًا هي مناسبة ممتزجة بالنصرة الهائلة والأفراح الكاملة، وتحقيق المقاصد وإنجاز الوعود... فنهاية أمر خير مِن بدايته. لكنني لن أتناول البعد النبوي، بل بعض التطبيقات الروحية المتعلقة بنهاية العام.
في لاويين 23: 40 يُوصي الرب موسى أن يقول للشعب: «وَتَأْخُذُونَ لأَنْفُسِكُمْ» - أي أن على كل واحد أن يعد هذه الباقات بنفسه، ولا يعدها للآخر بل لنفسه - «ثَمَرَ أَشْجَارٍ بَهِجَةٍ وَسَعَفَ النَّخْلِ وَأَغْصَانَ أَشْجَارٍ غَبْيَاءَ وَصَفْصَافَ الْوَادِي». وكل نوع من أنواع الأغصان الأربعة يُمثل طابع لمجموعة مُعينة من الذكريات، تتوافق مع مدلول كل باقة منها. كما تتوافق أيضًا هذه الباقات من الذكريات مع وصية الرب للشعب: «وَتَتَذَكَّرُ كُلَّ الطَّرِيقِ الَّتِي فِيهَا سَارَ بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ». وما يريد الرب أن يتذكروه نفهمه مِن تكرار هذه الأفعال: «أَذَلَّكَ... أَطْعَمَكَ... أَدَّبَكَ... أَعْطَاكَ» (تث8: 2، 5، 10).
«كُلَّ الطَّرِيقِ» يعني كل المعاملات الإلهية بما فيها من أحزان وآلام، أو إحسان وإطعام. ويقينًا سوف تقودنا ذكريات الطريق إلى تقديم السجود لربنا الكريم ونهتف مع موسى قائلين: «أَعْطُوا عَظَمَةً لإِلهِنَا. هُوَ الصَّخْرُ الْكَامِلُ صَنِيعُه. إِنَّ جَمِيعَ سُبُلِهِ عَدْلٌ. إِلهُ أَمَانَةٍ لاَ جَوْرَ فِيهِ. صِدِّيقٌ وَعَادِلٌ هُوَ» (تث32: 4).
ونتأمل - بنعمة الرب - في أربع باقات من الذكريات، ولنتصور أنه هناك أربعة أغصان في كل باقة تمثل تذكارًا معينًا فيها:
أولاً: باقة ذكريات الفرح والإحسانات؛ تتكون من ثمر أَشْجَار بَهِجَة
أشجار البهجة تتميز بالنضارة والجاذبية، وتنشر البهجة وتريح النظر بثمرها الملون الجميل. وهي التي نسميها في أيامنا نباتات الزينة. وغالبًا ما تستخدم في المناسبات السعيدة:
أفراح الولائم الروحية: كل الفرص التي امتلأ القلب فيها بالفرح في محضر الرب.
فرص الشركة الحبية: من إحسان الرب أن يرتبط المؤمنون معًا بالحب النقي.
أعمال العناية الإلهية: حمايته من الأخطار ومؤامرات الأشرار.
خيرات وعطايا زمنية: فالرب هو مصدر كل العطايا الصالحة في زمان غربتنا.
ثانيًا: باقة ذكريات الثمر والانتصارات: تتكون من سَعَفَ النَّخْلِ:
النخل من الأشجار العالية الشامخة، التي تدل على الفخر والانتصار، كما تتميز بثمرها الشهي، سواء كانت في المراعي الخصبة أو في البراري المجدبة، وهي تحدثنا عن:
نصرة على الأعداء بقوة الرب: نذكر انتصارات قد حققها الرب في حياتنا.
خدمة مثمرة ومؤثرة لمجد الرب: نذكر المناسبات التي استخدمنا فيها الرب فنذكر أنه هو الذي يصنع الثمار.
توجهات صحيحة بإرشاد الرب: نذكر الأوقات التي فيها رفعنا وجوهنا إلى السماء نرتجي رشدًا وعونًا.
نعمة وإكرام مِن قبل الرب: نذكر النعمة التي أعطاها الرب لنا في عيون الآخرين.
ثالثًا: باقة ذكريات الألم والضيقات؛ تتكون من أَغْصَانَ أَشْجَار غَبْيَاء
وهي أغصان شجر كثيفة الأوراق، وفروعها متشابكة لدرجة تمنع نفاذ النور منها، كأنها تُكوّن معًا نفقًا مظلمًا، وهي صورة للمواقف الحالكة، والظروف غير المواتية، التي فيها نئن مِن الحيرة، ونخاف من الظلمة، ونصرخ من الألم. وهي إشارة إلى:
حيرة وأنين وتخبط في قلب العتمة: نذكر الأيام الصعبة التي شعرنا فيها أننا نمر في نفق مظلم، وفقدنا الرؤية.
أنات وتضرعات في عرش النعمة: نذكر أننا في الضيق لم نجد ملاذًا سوى الرب الرحيم، فصرخنا إليه.
معونات وتعزيات وفيض الرحمة: نتذكر جواب الرب السخي والرقيق، فيفيض القلب بالشكر العميق.
بركات وتعويضات في ختام الأزمات: نذكر كيف أخرج الرب – بحكمته - من الجافي حلاوة، ومن الضيق بركة.
رابعًا: باقة ذكريات رد النفس والتأديبات؛ تتكون من صَفْصَافَ الْوَادِي
يُذكّرنا الصفصاف بوجود الشعب في بابل في فترة السبي، حيث علقوا أعوادهم على الصفصاف، وانقطع الفرح المقدس وهم تحت التأديب. وكلمة “وادي” تُذكرنا بالاتضاع تحت يد الرب التي أذلت وضايقت، لكي تُقَوِّم وترد إليه. فدعونا نذكر:
الخطية لها لذة وقتية نحصد بعدها المرار: نذكر أنه قبل أن نُذلل قد ضللنا، فلو كنا قد حكمنا على أنفسنا لما حُكم علينا.
دموع التوبة باتضاع و انكسار: نذكر أننا رجعنا للرب بتوبة حقيقية، فوجدناه طيبًا لنا، مُرحبًا وراحمًا.
إلهنا إله قدوس وعادل وبار: نذكر أن الرب يحب البر ويبغض الإثم، ولا يطيق الإثم والاعتكاف.
حياة القداسة هي منهج الأبرار: نذكر أننا لن نهنأ في حياتنا إن لم نسلك في النور وفي طريق القداسة.
نتذكر الفرح والإحسانات فنسجد للرب بكل شكر وامتنان ونقول: «بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ» (مز103: 2).
نتذكر الثمر والانتصارات فنهتف للرب: «شُكْرًا لِلَّه الَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ» (2كو2: 14).
نتذكر التجارب والضيقات فنسجد في خشوع وخضوع للرب، نُقبل يده الرحيمة التي اجتازت بنا مضايق الزمان «لأَنَّهُ هُوَ يَجْرَحُ وَيَعْصِبُ. يَسْحَقُ وَيَدَاهُ تَشْفِيَانِ. فِي سِتِّ شَدَائِدَ يُنَجِّيكَ، وَفِي سَبْعٍ لاَ يَمَسُّكَ سُوءٌ» (أي5: 18، 19).
نتذكر فشلنا، ثم توبتنا ورجوعنا للرب نقول مع أرميا: «أُرَدِّدُ هَذَا فِي قَلْبِي، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْجُو: إِنَّهُ مِنْ إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لاَ تَزُولُ. هِيَ جَدِيدَةٌ فِي كُلِّ صَبَاحٍ. كَثِيرَةٌ أَمَانَتُكَ. نَصِيبِي هُوَ الرَّبُّ، قَالَتْ نَفْسِي، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْجُوهُ» (مرا3: 21-24).