«لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ، لَكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ» (٢بط ٣: ٩)
بعد أن تعرض الرسول لمباحثات الأغبياء من المستهزئين والماديين، الذين بإرادتهم يتجاهلون كلمة الله، مُنتهزين طول أناة الرب في تتميم وعده بالمجيء الثاني، مُنكرين هذه الحقيقة، يتحوّل الرسول الآن إلى أحباء الرب القديسين لكيلا يجهلوا أسباب هذه الأناة. فيقول:
أولاً: إنه مهما بدا تأخير الرب طويلاً في أعيننا فهو لا يعدو أن يكون لحظة قصيرة عند الرب «أَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ» (٢بط ٣: ٨).
ثانيًا: دعونا لا ننسى أبدًا أن وعد الرب بمجيئه ثانية هو: «وَعْدِهُ» (٢بط٣: ٩). وما دام هو «وَعْدِهُ» فلا يمكن أن يسقط.
ثالثًا: يوجد سبب لهذا التأخير. فليس السبب هو أن الرب يتباطأ عن تتميم وَعْدِهِ، بل هو طول أناة الله «وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ». فالله - في نعمته – يريد أن يمنح الخطاة أكبر مساحة من الوقت قبل أن تحل دينونته. ولكن الإنسان في عدم إيمان يُفسر هذا التأخير بأنه لا دينونة قادمة. ولكن على الرغم من هذا التأخير، ومهما يقل الماديون والمستهزئون فإنه «سَيَأْتِي ... يَوْمُ الرَّبِّ، الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ ... وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ ... وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ» (٢بط ٣: ١٠). والرسول لا يتحدث هنا عن مجيء الرب الثاني لأجل قديسيه، ولا عن ظهوره بالمجد مع قديسيه، ولكنه يتحدث عن “يَوْم الرَّبّ”؛ اليوم الذي فيه «يَكُونُ الرَّبُّ مَلِكًا عَلَى كُلِّ الأَرْضِ. فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ الرَّبُّ وَحْدَهُ وَاسْمُهُ وَحْدَهُ» (زك ١٤: ٩). هذا اليوم سيبدأ بظهور الرب، ولكنه سيمتد إلى ألف سنة مِن حكم الرب على الأرض، ثم تَحلُّ دينونة الأموات، وبعدها يتغيَّر وجه الطبيعة، لأن العناصر ستذوب محترقة، وكل عمل الإنسان الذي عمله لتعظيم نفسه عبر الأجيال سيحترق. ولاحظ أن الرسول هنا يستخدم الكلمة النبوية التي سبق فأشار إليها “كَسِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ” (٢بطرس ١: ١٩ راجع مزمور ١٠٢: ٢٦؛ إشعياء ٣٤: ٤؛ ٥٦: ٢٢؛ ميخا ١: ٤؛ صفنيا ٣: ٨).