أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يونيو السنة 2006
الأنجيل المكتشف إنجيل يهوذا
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

اهتزت وسائل الإعلام الغربية، وضجت العديد من الأوساط الدينية باكتشاف الإنجيل المسمى ”إنجيل يهوذا“. ولقد نشرت إحدى الجرائد المصرية (جريدة الفجر، الصادرة يوم الاثنين 17 إبريل 2006) الترجمة العربية الكاملة لهذا الإنجيل. وطلب مني بعض الأحباء أن أميط اللثام عن هذا الحدث الذي قالت عنه الصحيفة سالفة الذكر، إنه قد يؤدي إلى أن يقلب المسيحية كلها رأسًا على عقب!

 قصة اكتشاف ما يسمى بإنجيل يهوذا

 في الستينات من القرن الماضي (القرن العشرين) عثر أحد الفلاحين بجوار مركز بني مزار بمحافظة المنيا، في أحد القبور الواقعة شرق النيل، على مجلد أثري. وإذ لم يدرك قيمة هذا الأثر، فقد باعه لأحد محلات بيع الآثار في القاهرة بجنيهات قليلة، وظل هذا المجلد موجودًا بالقاهرة لغاية عام 1970، ثم سُرق من صاحبه ضمن عدة أشياء سُرقت، وأعيد اكتشافه في جنيف بسويسرا.

 وفي سويسرا تمت محاولة بيعه للعديد من المهتمين بالآثار، وطُلب فيه مبلغ كبير جدًا من المال، مما أخر بيعه سنوات كثيرة، تسببت هذه السنوات في تلف العديد من صفحات هذا المجلد عما كانته في البداءة يوم اكتشافه. وأخيرًا، في إبريل عام 2000 وصل المخطوط إلى تاجرة سويسرية، وقامت بدورها في عام 2001 ببيعه إلى ”ناشيونال جيوجرافي“ بأمريكا. وعُرف أن هذا الأثر يتضمن العديد من المؤلفات القديمة يحمل أحدها اسم ”إنجيل يهوذا“، بالإضافة إلى بعض الكتب القديمة الأخرى. وعلى مدى حوالي خمس سنوات كاملة بذل المتخصصون والعلماء في ”ناشيونال جيوجرافي“ جهدًا خارقًا لترميم المخطوط وترجمته، إلى أن تم نشر الترجمة الكاملة لهذا المخطوط في إبريل عام 2006

ما هو إنجيل يهوذا؟

 الأثر المكتشف لإنجيل يهوذا هو مؤلف صغير، مكتوب باللغة القبطية، وبالكشف عليه بالكربون المشع تبين أنه يرجع إلى ما بين 220 إلى 340 م أي إلى القرن الثالث أو الرابع الميلادي، ويرجح أنه مترجم من أصل يوناني يحمل هذا الاسم، حيث أن القديس إيريناوس من ليون، أشار إليه في تفنيده لبعض الهرطقات حوالي عام 180 م. وهذا المؤلف يحتوي في ترجمته العربية على قرابة 1700 كلمة، من ضمنها العديد من الكلمات (حوالي عشر كلمات) لم يتمكن الخبراء من معرفة أصلها، فتُرك مكانها فراغ. وهذا معناه أن هذا المؤلف في حجم سفر صغير من تلك الأسفار التي نعرفها، أصغر من رسالة غلاطية، وفي حجم رسالة بطرس الأولى تقريبًا.

 يتحدث هذا المؤلف عن الأيام الثلاثة الأخيرة للمسيح على الأرض، التي سبقت صلبه مباشرة. ولا حديث فيه عن قيامة المسيح، وسنوضح سبب ذلك بعد قليل. ومضمون هذا المؤلف أن يهوذا كان هو الوحيد بين رسل المسيح الذي فهم رسالة المسيح تمامًا. لقد فهم أن البشرية يمكنها أن تستفيد من موت يسوع الإنسان، ولذلك فقد اختاره المسيح ليقوم بتسليمه لليهود، لكي يتخلص المسيح من الإنسان الذي يُغَلِّفه. وبحسب هذا التفسير لا يكون يهوذا خائنًا، بل كان يتمم مأمورية كلَّفه المسيح بها، وهو ما قام به يهوذا بالفعل. وبالتالي فإنه يستحق الشكر لا الهجاء أو الرثاء. وعليه فبينما نجد يهوذا في الأناجيل المعتمدة إنسانًا خائنًا، و«سارقًا» (لو12: 6)، بل إنه بحسب كلام المسيح نفسه عنه إنه ”شيطان“ (يو6: 70، 71)، و«غير طاهر» (يو13: 10)، ونتيجة فعلته الحمقاء مضى وخنق نفسه (مت27: 5؛ أع1: 16-20)، فإنه بحسب هذا الإنجيل المزعوم هو الوحيد الذي فهم معنى إرسالية المسيح، وهو في النهاية سيسمو على باقي الرسل أجمعين!

 ملاحظة عامة عن إنجيل يهوذا المزعوم.

 لا علاقة بين هذا الإنجيل في محتواه أو في مبناه مع باقي الأناجيل المعتمدة، بل إن هذا المؤلف هو جسم غريب تمامًا عن كل الكتاب المقدس، سواء العهد الجديد أو العهد القديم. ونسوق لذلك دليلين مبدئيين: فنحن نقرأ في هذا المؤلف الصغير عن العديد من الأسماء التي لا إشارة لها ولا ذكر في كل الكتاب، مثل:

 في المشهد الأول، والفصل الثاني: ”قال له يهوذا (أي للمسيح): أنا أعلم ممن أنت ومن أين أتيت. أنت من سلالة ”باربيلو“ الخالدة. وأنا لست جديرًا أن أنطق اسم ذاك الذي أرسلك“.

 في المشهد الثالث والفصل الثالث نقرأ: ”أداماس“ كان في سحابة النور الأول التي لم يرها ملاك من قبل. ووسط هؤلاء نادى الرب. وبعد صورة هذا الملاك خلق الله ”سيث“ الذي لا يمكن إفساده“.

 وفي المشهد الثالث أيضًا والفصل الرابع: ”وانظروا من السحابة هناك يظهر ملاك يشتعل وجهه بالنيران، ويقترن ظهوره بالدماء، اسمه ”نيرو“ الذي يعني المتمرد، وهناك من يدعوه ”يلدايموث“، ملاك آخر اسمه ”سكالاس“. أتى أيضًا من السحابة، وهكذا خلق ”نيو“ ستة ملائكة إضافة إلى ”سكالاس“، ليكونوا له مساعدين“.

 ومن المشهد الثالث أيضًا والفصل الخامس: ”الأول هو ”سيث“ الذي يسمى المسيح. والثاني هو ”هارمانوث“ الذي هو (...). والثالث هو ”جليلة“. والرابع هو ”يوبيل“. والخامس هو ”أدونايوس“. هؤلاء الخمسة يحكمون العالم الأسفل والفوضى قبل أي شيء“.

 ثم في المشهد الثالث والفصل السادس: ”وبعدها قال ”سكالاس“ لملائكته: لنخلق كائنا بشريًا من بعد الصورة، فصورا آدم وزوجته حواء، التي تدعى في السحاب ”زوى“.

 هذه الأسماء السابقة (التي أبرزتها بالبنط الواضح) أين نجد لها أثرًا في كل الكتاب المقدس، سواء في العهد الجديد، المعروف عند العامة باسم الإنجيل، أو في العهد القديم المعروف باسم التوراة؟

 والدليل الثاني على غرابة هذا المؤلف عن جسم الكتاب المقدس، أنه فيه يتكرر أن يسوع ”ضحك“. وفي صفحاته القليلة تتكرر هذه الإشارة سبع مرات! وهو ما لا نجده في أي مكان في الوحي. إن العهد القديم يخبرنا أن المسيح كان «رجل أوجاع ومختبر الحزن» (إش53: 3)، وهو عين ما تؤكده لنا قصة المسيح في الأناجيل المعتمدة.

 وأما في مبناه فإن هذا الإنجيل المزعوم يدعي أن يهوذا سيسمو فوق كل التلاميذ الباقيين. مع أن يهوذا هذا شخص شرير، وأتت عنه العديد من النبوات في العهد القديم، وبعضها اقتبس عنه فعلاً في العهد الجديد (مثل مزمور 41: 9 الذي اقتبس في يوحنا 13: 18؛ ومزمور 69: 22-28 الذي اقتبس في أعمال 1: 20؛

 ومزمور 109: 6-20 الذي اقتبس أيضًا في أعمال1: 20). لهذا قلنا إن ما يسمى ”إنجيل يهوذا“ هو جسم غريب تمامًا عن الكتاب المقدس، ولا توجد بينه وبين الكتاب المقدس أدنى علاقة عضوية. وإذا وُضع في موضع المقارنة بينه وبين كتاب الله، فإننا نتذكر فورًا كلمات إرميا في العهد القديم: «ما للتبن مع الحنطة يقول الرب؟» (إر23: 28).

 ما هو هذا المؤلف بالضبط؟

 من قراءة هذا المؤلف يتضح لنا أنه أحد كتب الغنوسيين، وهي بدعة مسيحية انتشرت في القرن الثاني الميلادي، ودانها كل جموع المسيحيين في بداية المسيحية، ولها العديد من التعاليم الفاسدة التي يرفضها كل مؤمن بتعاليم الكتاب المقدس، لا أسفار العهد الجديد فقط بل العهد القديم أيضًا. وهذه التعاليم الفاسدة موجودة بوضوح في هذا المؤلف كما سنبين بعد قليل.

 من ضمن ضلالات الغنوسيين كما يذكر لنا التاريخ ما يلي:

  1. تزعم هذه البدعة أن الخلاص يأتي بمعرفة سرية وروحية. وادعت هذه البدعة أنها تمتلك تلك المعرفة السرية والداخلية (ونلاحظ أن كلمة ”الغنوسية“ هي كلمة يونانية تعني المعرفة).
  2. تعتبر الغنوسية أن المادة شر. ولهذا فإنها تدَّعي أن الله الحقيقي يسود على العالم الروحي لا المادي. وعليه فالعالم الذي نعيش فيه هو شر، وأجسادنا المادية هي أيضًا شريرة. وبالتالي فقد اعتُبر أن الزواج هو قمة الشرور، وإنجاب النسل شر. وواضح أن هذا الكلام هو مضاد تمامًا لمنطق الفطرة، والأكثر من ذلك أنه في تضاد كامل مع كلمة الله (راجع تكوين 1: 27، 28؛ 1تيموثاوس4: 1-3؛ عبرانيين 13: 4).
  3. بعض مذاهب الغنوسية تعتبر أن إله العهد القديم هو إله الشر. وأحد شروره أنه خلق العالم!
  4. بعض المذاهب الأخرى ادَّعت أن هناك مجموعة من الانبثاقات، والأيونات (وهي كلمة تتكرر كثيرًا في هذا الإنجيل المزعوم)، والأرواح، والملائكة. كما ادعت أن الله لم يخلق هذا العالم المادي. لقد خلق الله كائنًا أقل منه، وهو الذي قام بخلق الكون. وعليه فلا يكون الله هو الخالق الوحيد. لقد خلق الله عالم الأرواح، ولكن روحًا شريرًا خلق المادة!
  5. نظرًا لأن المادة شر، فإن بدعة الغنوسيين هذه أنكرت قيامة الأجساد. واعتبرت أن القيامة هي قيامة الروح فقط، وأنه لا يوجد ما يسمى قيامة الجسد!

 الكتاب المقدس يتضمن الرد الإلهي على الهرطقة الغنوسية:

 إن دارسي الكتاب المقدس يعرفون أن الروح القدس الذي يعرف النهاية من البداية، سبق وحصَّن المؤمنين ضد هرطقات الغنوسيين في رسالة كولوسي. فتحدث الرسول في هذه الرسالة، أكثر من أي مكان آخر، عن المعرفة الحقيقية، وأوضح أن المسيح مذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم (2: 2، 3). كما أوضح أن المسيح ليس مخلوقًا كما تدعى الغنوسية، بل هو الخالق لكل شيء (كو1: 16). وحذرت الرسالة من عبادة الملائكة (2: 18)، ومن قهر الجسد (2: 23). وأوضحت أن المسيح ليس أحد درجات الملء، كما تعلم الغنوسية، بل فيه يحل كل الملء (كو1: 19؛ 2: 9، 10).

 هذا بالإضافة إلى أن بولس فند مزاعم إنكار القيامة (1كو15)، وفند أيضًا مزاعم مدعي أن القيامة قد صارت، بمعنى أنها قيامة روحية وليست قيامة أجساد في اليوم الأخير (2تي2: 18)

 رائحة الضلالات الغنوسية في ما يسمى بإنجيل يهوذا

 إن أي باحث لديه معرفة بدائية بالهرطقة الغنوسية، لن ينزعج من هذا المخطوط المكتشَف، فهو لم يقدم أي شيء جديد لم نكن نعرفه من قبل، ولم يضف أية معلومة على ما كنا نعرف قبل اكتشافه.

 وعلى سبيل المثال

  1. يهتم هذا الإنجيل المزيف بالتركيز على المعرفة السرية التي تدعيها الغنوسية لنفسها. فيقول في المشهد الأول والفصل الأول: ”الحق أقول لكم. ليس من جيل من الناس من بينكم سيعرفني حق المعرفة“. وفي المشهد الثالث، والفصل الأول: ”انظر لقد شرحت لك أسرار الملكوت، وعلمتك خطية النجوم، وأرسلتها إلى الأيونات الإثني عشر“. وفي المشهد الثالث والفصل الثالث: ”قال يسوع: تعال حتى أعلمك الأسرار التي لم يبصرها أحد. من أجلها خلقت الأعالي بلا حدود. لم تر أجيالاً من الملائكة مداها، وفيها الروح العظيمة الخفية (الأرجح أنه يقصد الله)“.
  2. يهتم إنجيل يهوذا بإبراز أن المادة شر في ذاتها: يذكر في المشهد الثاني في كل من الفصل الثاني والفصل الثالث كلامًا قبيحًا، وينسبه لتلاميذ المسيح (نفضِّل عدم اقتباسه)، والقصد من وراء ذلك تصوير أن الجسد لا يمكن إلا أن يكون شريرًا، ولا يمكن أن ينتج عنه أي صلاح. وفي المشهد الثالث والفصل الثامن يمتدح المسيح يهوذا لأنه سيسلمه لليهود فيقتلونه، فيقول له: ”في الحقيقة فإن الإنسان الذي يحملني هو أنت يا يهوذا. ستضحي الآن أكثر من الكل، لأنك أنت من سيضحي برداء الإنسان الذي يغلف جسدي“
  3. يعلم هذا الإنجيل المنحول أن الأجساد تفنى وليس لها قيامة ففي المشهد الثاني والفصل الرابع، ”قال يسوع: أرواح جيل البشر سوف تموت. وعندما يتم هؤلاء الناس زمن الملكوت، ويغادرهم الروح، ستفنى أجسادهم، ولكن أرواحهم ستظل حية. وسيتم رفعهم إلى السماء“. وقال أيضًا: ”من المستحيل أن تغرس البذور في الصخر ثم تجني ثمارًا. هذا هو أيضًا سبيل الجيل المهزوم، والحكمة الفاسدة. إن اليد التي خلقت الناس ليفنوا، فتصعد أرواحهم إلى الأعالي الخالدة“.
  4. يعلم هذا الإنجيل المنحول أن الله ليس هو الخالق الوحيد، وليس هو الذي خلق آدم فيقول في المشهد الثالث، والفصل الثالث: ”أداماس.. خلق جيل سيث الذي لا يمكن إفساده“.

 ثم في المشهد الثالث والفصل الرابع يقول: ”وهكذا خلق نيرو (الذي يعني المتمرد) ستة ملائكة، إضافة إلى سكالاس، ليكونوا له مساعدين“

 وفي المشهد الثالث والفصل السادس: ”وبعدها قال سكالاس لملائكته: لنخلق كائنًا بشريًا من بعد الصورة. فصورا آدم وزوجته حواء“.

 وفي المشهد الثالث والفصل السابع: ”قال يسوع لهذا أمر الرب ميخائيل بأن يمنح الأرواح للناس كسلف، وبهذا يمكنها أن تخدمهم. لكن المرتفع العالي أمر جبرائيل بأن يعيد الأرواح إلى الجيل العظيم دون حاكم عليها. هذا هو الروح، ومنه باقي الأرواح“.

 ما هو هذا الإنجيل إذًا؟

 لقد أصاب أحد رجال الدين الكاثوليك الذي قال: ”إنه لا يستحق أن نسميه إنجيلاً“. وهذا حق، فقصته لا تحوي إنجيلاً على الإطلاق. إنه لا يحوي أية بشارة سارة للخطاة. وهو لم يتحدث عن سبب موت المسيح، ولا عن فائدته؛ كما ولم يشر إطلاقًا إلى قيامته في اليوم الثالث من الأموات، ولا صعود المسيح إلى السماء. وما ذلك إلا لأن الفكر الغنوسي ينكر القيامة.

 ونحن ينبغي علينا أن نميز بين أصالة المخطوط وبين صحة محتواه. فكون هذا المخطوط يعود إلى القرن الثالث أو الرابع الميلادي شيء، وكون محتويات ما في المخطوط صحيحة شيء آخر. لقد أكد الخبراء أن هذا المخطوط قديم، ولكن من قال إن الضلال حديث العهد؟ الواقع أن الضلال قديم قدم البشرية، فقبل السقوط في الجنة، أتت الحية القديمة، وهمست في آذن أمنا حواء بما يمكن أن نسميه ”إنجيل الشيطان“، عندما قالت الحية للمرأة ”لن تموتا“ (تك3: 4)؛ لكن اتضح زيف هذه البشرى، عندما مات البشر. وفي المسيحية نقرأ عن الضلال من أول أعمال 8 في قصة سيمون الساحر. ثم في الرسائل نقرأ عن ”إنجيل آخر، ليس هو آخر“، بمعنى أنه ليس إنجيلاً على الإطلاق (غل1: 6، 7). كما نقرأ عن رسالة مزورة منسوبة إلى الرسول بولس (2تس2: 2)، كما نقرأ عن ”تعاليم متنوعة وغريبة“ (عب13: 9). فأن يعود كتاب إلى القرن الثاني الميلادي، أو حتى القرن الأول، لا يعني بالضرورة صحة محتوياته.

 وفي تعليق من أحد اللاهوتيين الليبراليين على هذا المخطوط ذكر في نقده: ”إن كاتب هذا الإنجيل لا تحس من سرده أنه يُعلِّم الضلال“. وتعليقي على ذلك: ومتى كان باعة الضلال يقولون إنهم يفعلون ذلك، سواء في قرون المسيحية الأولى أو القرن الحادي والعشرين؟ إن الضلال لا يكون ضلالاً، ويغري الكثيرين على اتباعه، إلا إذا أمكن حبكه بدقة حتى لا ينفضح أمره.

 ملاحظات ختامية عامة

 لفت نظري أن الليبراليين المترددين جدًا في الاعتراف بالأسفار المعتمدة والحقيقية والمقبولة بالتواتر، والتي يوجد لها مخطوطات يربو عددها على الأربعة والعشرين ألف مخطوط، تباروا بسرعة في الإطراء على هذا المخطوط الذي لا قيمة حقيقة له على الإطلاق. فهو في الواقع لا يعوَّل عليه في معرفة الأحداث التي أدت إلى الصليب، ولا هو يحوي أية تعاليم قاطعة أو محددة تعطينا مزيدًا من المعرفة لا عن المسيح ولا عن يهوذا.

 ولهذا فإن تقديري للموقف هو أننا نعيش في الأيام الأخيرة التي تسبق مجيء الرب. وكما قال الرائي: «من يظلم فليظلم بعد، ومن هو نجس فليتنجس بعد» (رؤ22: 11). بمعنى أن الظالم والنجس سيستمران في مسلكهما حتى يضبطان متلبسين بجريمتهما. وهكذا أيضًا مع الذين لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا، سيستمرون في رفض الحق، إلى أن يرسل إليهم الله عمل الضلال، حتى يصدقوا الكذب، لكي يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق، بل سروا بالإثم (2تس2: 10-12). إن المسيح الآن يجمع الزوان ويحزمه حزمًا، تمهيدًا لحرقه، بينما من الجانب الآخر يدعو روح الله القدوس ما لا يحصى من النفوس، وهذه تتحول فعلاً عن طريق الضلال، وتقبل إلى معرفة الحق، من كل حدب وصوب!

 شيء أخير أحب أن أعلق عليه، هو ما ذكرته الجريدة سالفة الذكر أن هذه الوثيقة التاريخية قد تقلب المسيحية كلها رأسًا على عقب!

 وأقول: هل هناك وثيقة – أيًا كانت هذه الوثيقة – تقدر أن تقلب المسيحية رأسًا على عقب؟! أ هكذا في ظن بعض ضعاف النفوس يتوقف ثبات المسيحية أو سقوطها على وثيقة؟ تلك التي حاربتها الإمبراطورية الرومانية في أوج مجدها، وحاولت بكل السبل إيقاف زحفها، فكانت النتيجة أن سقطت الإمبراطورية الرومانية وانتصرت المسيحية! ثم حاول الفلاسفة والمفكرين في ما يسمى بعصور التنوير أن يهزوا المسيحية، فما ازدادت إلا صلابة ورسوخًا! أبعد رحلة مجيدة استمرت عشرين قرنًا تأتي وثيقة من أشخاص غنوسيين عاشوا في القرن الثاني الميلادي، فتقلب المسيحية رأسًا على عقب!!

 كلا ألف مرة. إن إيماننا الأقدس مبني على كل أسفار الكتاب بعهديه القديم والجديد، تلك التي قال عنها المرنم: «إلى الأبد يا رب كلمتك مثبتة في السماوات. إلى دور فدور أمانتك» (مز119: 89، 90). ومسيحيتنا مبنية على الكلمة الأزلي المتجسد، ابن الله الحي، الذي قال: «على هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (مت16: 18).

 كلا لا يمكن أن تنقلب المسيحية رأسًا على عقب، وهي التي أضاءت في ظلمات الجهل قرونًا طويلة، وحيثما حلت، حل السلام والوئام والنظام. فنحن لا يمكن أن ننسى ما عملته المسيحية في ما لا يحصى من النفوس على مدى ألفين من السنين. كم غيَّرت أناسًا كانوا غارقين في الشرور والفجور، فبدلتهم إلى أشخاص يشع من حياتهم النور والسرور. وكم امتلأ تاريخها بالملايين الذين تخضبت ثيابهم بدماء الاستشهاد، بعد أن كانت ملوثة بالخطايا والفساد!

 كلا لن تنقلب المسيحية رأسًا على عقب، ولو أن العالم كله، عن قريب، سينقلب، وذلك بمجرد رفع المؤمنين الحقيقيين إلى السماء. فنحن نقرأ في 2تسالونيكي 2 أن سر الإثم الآن يعمل فقط، إلى أن يرفع من الوسط الذي يحجز الآن، وحينئذ سيستعلن الأثيم ويأتي الارتداد (أو الإنقلاب التام).

 قارئي العزيز: هل أنت مستعد لمجيء المسيح الذي صار على الأبواب، أما أنك ستترك بعد اختطاف الكنيسة للانقلاب، أي للارتداد العام، الذي نشتَّم رائحته من الآن. ساعتها لن يفيد الندم، بل ولن تنفع التوبة ولا الإيمان بعد فوات الأوان!

يوسف رياض